موقع بيروت

تقع مدينة بيروت على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط، يحدها غرباً البحر، وجنوباً ضواحيها ومنطقة خلدة إمتداداً إلى صيدا وجوارها، وشرقاً جبل لبنان، وشمالاً البحر، وبعض الضواحي الشماليّة.

وتقع بيروت في إقليم معتدل يتميّز بجودة الطقس واعتدال في المناخ وجمال في المنظر، وتذكر بعض المصادر بأن إسم بيروت مشتق من (بيريت) أي الآبار، وذلك لكثرة وجود الآبار والينابيع فيها، وكانت بيروت العُثمانيّة تذخر بالآبار.

وعندما يقال بيروت في العهد العثماني، إنما كان يُقصد بها بيروت الوادعة داخل سورها وفيما عدا ذلك من مناطق تدخل اليوم في نطاق بيروت، فإنما كانت تعتبر ضواحي بيروت، فقد كانت البسطة والمصيطبة وبرج أبي حيدر وزقاق البلاط والقنطاري والباشورة والنويري والأشرفية وسواها من المناطق، كانت تعتبر ضواحي لبيروت، وكانت تتميّز بكثرة مزارعها وأشجارها لا سيما التوت المرتبط زراعته بإنتاج الحرير.

والحقيقة فإن تطور مدينة بيروت خارج السور، إنما جاء نتيجة متطلبات اجتماعية واقتصادية وسكانية، حيث بدأت أعداد المدينة تزداد تباعاً، وكانت حتى العام 1746م مجرد مدينة متواضعة تخضع لأحد الضباط الأتراك، ثم سرعان ما بدأت بالتطور الاقتصادي نتيجة للأمن الذي تميّزت به، ونتيجة جهود تجارها، مع ما يتميّز به ميناؤها من مميزات تؤمن الأمان للسفن، علماً أن روح التسامح عند المسلمين وعدالتهم شّد إليها الكثير من التجار الأجانب وتجار المناطق اللبنانيّة والشامية لا سيما دمشق، وشهدت بيروت بعض الجمود في عهد الوالي أحمد باشا الجزار 1776م 1804م، ولكن سرعان ما استعادت نشاطها في عهد واليها سليمان باشا 1804م 1819م باشا، ونتيجة التطور الاقتصادي الذي أصابها ن فقد بدأت الدول الأوروبيّة تنتبه إلى أهميتها، فافتتحت فرنسا في كانون الأول عام 1822م قنصلية لها في بيروت لمتابعة نشاط تجارها وعلاقتهم بهذه المدينة وبمنتجاتها وببضائعها.

وكانت بيروت العُثمانيّة يسياجها سوراً على غرار أسوار المدن العربيّة والإسلامية، وقد قام الأمير بيدمر نائب الشام بتجديد سور بيروت في العصور الوسطى، ثم قام بتنظيمه وتحسينه الوالي أحمد باشا الجزار في أواخر القرن الثامن عشر، يوم طمح إلى الاستقلال والخروج على مولاه الأمير يوسف الشهابي، وكان يتخلل سور بيروت أو كما يلفظه البيارته (صور) بالصاد، ثمانية أبواب وبعض الأبراج، وكان يمتّد هذا السور من شمال الساحة، أي شمال (الهال) الهول وشمال موقع السبيل الحميدي، وما عُرف فيما بعد باسم ساحة رياض الصلح وبمحاذاة حائط سينما كابيتول، ويمتد باتجاه الشرق حتى كنيسة مار جرجس المارونية التي تقع داخل السور، ثم يمتّد شمالاً نزولاً حتى سوق أبو النصر وهو سوق يقع خارج السور، إلى أن يصل حائط السور إلى بناية دعبول تجاه جامع السرايا المعروف اليوم باسم جامع الأمير منصور عساف، ثم ينحدر شمالاً إلى آخر شارع فوش الحالي عند الطرف الغربي لمنطقة المرفأ ومن هناك يأخذه هذا السور سبيله غرباً حتى مقبرة السنطيّة التي كانت خارج المدينة وسورها، ثم يعود ويرتفع مع الشارع الممتد حالياً باتجاه باب إدريس ثم صعوداً حتى الكاتدرائية المعروفة باسم " الكبوشيّة " التي كانت أيضاً خارج السور، ثم يلتقي أخيراً مع البداية التي إنطلق منها في شمالي ساحة رياض الصلح .

ويبدو أن هذا السور رافق المدينة منذ تأسيسها على رأي بعض المؤرخين الذين يرجعون به إلى عهد الكنعانيين والحثيين، ويقولون بأن ارتفاعه كان في ذلك العهد خمسة أمتار وأن سماكته أربعة أمتار، ويؤكد هؤلاء قولهم هذا بأن الحفريات التي تناولت ساحة السور أثناء تخطيط الشوارع المحيطة بها كشفت عن بقايا السور الكنعاني الحثي التي جعلتها التطورات الجيولوجيّة تغيب تحت سطح الأرض.