باب أبو النصر

في أواخر التاسع عشر أنتشر وباء أُصيبت به عيون الأطفال في مدينة بيروت، وهذا الوباء هو نوع من الرمد يدعى (تراخوما)، ولمكافحة هذا الوباء وعلاج المرْضَى به قدمت إلى بيروت بعثة من راهبات العازاريّة ضربت خيامها تجاه منطقة درج خان البيض (رجال الأربعين سابقاً) في نفس المكان الذي شيدت فيه بنايات العازاريّة اليوم وكان يومذاك أرضاً بوراً وقد أفلحت هذه البعثة في إنجاز ما قدِمت من أجله وخفت وطأة وباء التراخوما في البلد مما حمل السلطان عبد المجيد الأول على إصدار فرمان شاهاني بتقديم الأرض التي خيّمت فيها الراهبات المذكورات ملكاً لهن وذلك جزاء وفاقاً على خدماتهن الطبيّة الإنسانيّة.

ولكي تكون البادرة السلطانية متوازية بين النصارى وبين المسلمين فإن السلطان أصدر في نفس الوقت فرماناً شاهانياً آخر منح بموجبه المسلمين، عن طريق نقيب الأشراف المرشد أبي الوفا عمر أبي النصر اليافي، قطعة أرض أخرى في الجهة الغربية الجنوبية من (سهلات البرج) اليوم ليفيدوا من ريع ما يريدون بناءه في هذه الأرض، والذي حصل آنذاك أن الراهبات بنين على الأرض الموهوبة لهن ديراً لهن عُرف باسم (دير اللعازاريّة) وجعلنه مأوى للقطاء من البنات غير الشرعيات، وفيه جناح خاص لمداواة المصابين من الأهالي برمد التراخوما وغيره من أمراض العيون.

 باب أبو النصر

والدرج الظاهر في الصورة هو درج خان البيض

أما الأرض التي وهبت للمسلمين فإن نقيب الأشراف بنى فيها سوقاً تجارياً عُرفت من حينها باسم (سوق أبو النصر) وبنى كذلك داراً فخمة لسكناه خصّص بعض غرفها باسم (الزاوية الخلوتيّة) التي كان هو نفسه شيخاً لها، وفي هذه الدار نزل الأمير عبد القادر الجزائري عندما مر ببيروت في طريقه إلى دمشق التي أختارها لإقامته بعد تغلب الفرنسيين عليه في الجزائر، وكانت الدار المذكورة وقتئذٍ أجمل أبنية المدينة.

وفي زمن لاحق تحولت الدار إلى مسجد تقام في الصلاة أطلق عليه الناس أسم (جامع محمد الأمين)، ثم تألفت لجنة برئاسة الطبيب الإنساني محمد خالد رحمه الله وضعت يدها على البناء وما حوله تمهيداً لإقامة جامع كبير في نفس المكان باسم (جامع محمد الأمين)، وفي بداية القرن الحادي والعشرين وبمبادرة شخصيّة تبرع رجل الأعمال رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري ببناء الجامع على نفقته .