باب إدريس  

كان هذا الباب يقع في المنطقة التجارية التي ما تزال حتى اليوم تحمل أسمه، وتشير التقاليد أن موقعه بالضبط كان على إمتداد حائط كنيسة الآباء الكبوشيين التي ما تزال موجودة في مكانها القديم، وإذا كانت جميع أبواب بيروت القديمة قد زالت وكذلك أسماؤها فإن (باب إدريس) زال وبقي إسمه، وباب إدريس اليوم يطلق على المنطقة الواقعة ما بين سوق البازركان القديم في الشرق الجنوبي وبين بناية ستاركو في الشمال الشرقي، وما بين كنيسة الكبوشيين في الجنوب الغربي وحتى سيف البحر عند مقهى الحاج داود القديم في الشمال الذي زال هو ومقهى البحرين.

باب إدريس في عام 1935

وهذه المنطقة تعتبر سرّة المدينة وهي تتمتع بسمعة تجارية واسعة سواء بالنسبة للسوق المحليّة في بيروت ولبنان أو بالنسبة للأوساط الحالية والإقتصاديّة في الأسواق العالميّة .

كانت المنطقة المعروفة اليوم بهذا الإسم (باب إدريس) جزءاً من القطاع الزراعي الممتد داخل سور المدينة ، وكان السور يمتد من الباب المذكور إلى سوق الجميل ، حيث كان باب المدينة الأخير المدعو باب السنطيّة قريباً من البحر وأمامه مقبرة السنطيّة التي تهدمت خلال الحرب الأهلية اللبنانيّة .

صورة تاريخيّة لمنطقة باب إدريس

وفي الخرائط العسكرية الإنكليزيّة المأخوذة في أواسط القرن التاسع عشر للميلاد خلال حروب إبراهيم باشا المصري ، يظهر بإزاء الباب من داخل المدينة حقل من أشجار التوت يمتد على طول السور من البحر إلى باب إدريس نفسه .

أما سبب تسميته فقد كانت عائلة إدريس تسكن قربه ، وهي من الأسر البيروتيّة، أفرادها ما يزالون يقيمون في بيروت، وبسبب مجاورة آل إدريس للباب المذكور أطلق عليه أسم هذه العائلة، وما زال الأمر كذلك حتى اليوم، بيد أن الإسم أصبح علماً على المنطقة التجاريّة التي كان الباب يقع فيها قبل زواله.

ولما قدم الفرنسيون إلى سوريا سنة 1860م، بسبب الفتنة الطائفيّة التي نشبت بين الدروز وبين النصارى آنذاك، وقاموا بإنشاء طريق الشام، أرادوا أن يهدموا باب إدريس وقسماً من سور المدينة ليوصلوا الطريق إلى البحر، إلا أن أبا صالح إدريس، صاحب الدار التي تجاور الباب وتلتصق به رفض التخلي عن ملْكه وأصر على البقاء فيه، فقال والي بيروت كلاماً، وصف يومها بأنه شبيه بالتنبؤ:(إنك ستذكرني يوماً بالخير وتتمنى لنفسي الرحمة إذا رأيت ما سيحصل من المنافع بفتح هذه الطريق !). 

وقصة هذا الباب ما بين الوالي وبين آل إدريس رواها بتفاصيلها المثيرة الشيخ عبد القادر القبّاني رحمه الله حيث قال:(لما كانت صيدا إيالة، قدم بيروت أحمد مخلص أفندي لتخطيط الطرق خارج أبواب بيروت، وكان الأهالي قد شرعوا في البناء في كروم التوت داخل السور وفي إبراجهم خارج البلدة أو في بساتينهم بجوار أبراجهم المتقدم ذكرها. وقد اقتُضِي بحسب التخطيط فتح باب (أبي النصر) و(باب إدريس).

وحدث أن فتح باب إدريس وطريقه تمر في كرم توت لآل إدريس، وكانت والدتهم متقدمة في السن، فأغاظها جعل بستان التوت طريقاً، فأخذت (تسخط وتدعو) على أحمد مخلص أفندي، فكان يجيبها قائلاً: سوف تخصّين أحمد مخلص بدعواتك الخيّرة فيما بعد. ثم إنه لما قدم مخلص باشا سنة 1284هـ 1866م والياً على سوريا، وكانت بيروت تابعة لها قصد (باب إدريس) فوجد كرم التوت تحوّل إلى مخازن ودكاكين ومنازل. فذهب إلى منزل تلك السيدة وسألها عما إذا كانت لا تزال ساخطة على أحمد مخلص أم أنها عرفت له حسن عمله، فاعتذرت إليه وأكثرت من شكره والدعاء له بالخير !).