سوق البرغوث في بيروت

 

 في ساحة صغيرة على شاطىء بيروت يلتقي جمال عبد الناصر بأم كلثوم وتعلن فيروز عن افتتاح مسرحيتها الجديدة لولو وسعاد محمد تغني مع عمر الزعني وأمراء وملوك عرب يوقعون اتفاقيات ويجلسون على سجاد أفغاني فاخر لم تلوثه الحرب ويحيط بكل ذلك تحف غارقة في القدم وأيقونات نادرة.

 

هذا المشهد يتكرر كل يوم فيما يعرف بسوق البرغوث وهو السوق الذي اخذ من المجد قطعة عندما كانت بيروت تضج بالحركة والزائرين قبل الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان على مدى 15 عاما وانتهت في العام 1990.

 

يتضمن السوق مئات النحاسيات القديمة واللوحات الخشبية المزخرفة والمقاعد الأفريقية والكريستال والجلديات التي تأخذ شكل حقيبة أو سوار. وعند زاوية صغيرة من زوايا السوق يجتمع معظم الملوك والأمراء العرب ولكن على الجدران فقط وضمن صور تعود إلى عشرات السنين.

 

وقد بدا عصام الراعي صاحب الزاوية في السوق وحيدا بما لديه وكأنه يأخذ زبائنه في رحلة عبر التاريخ يصفها بنفسه ويستخرج صورة كبيرة من محتويات الزاوية قائلا : انظروا هذه السيدة هي أم كلثوم عندما جاءت إلى بيروت وغنت في الخمسينيات في عرس الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز على ابنة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رياض الصلح.. إنها صورة بعشرين دولارا فقط.

 

 ثم يعرج على إعلان يعود تاريخه إلى العام 1953 وفيه المطربة اللبنانية سعاد محمد بالاشتراك مع فطاحل الفن برعاية سامي بك الصلح على مسرح سينما ريفولي ابتداء من 27 فبراير.

وفي ركن آخر تقبع صورة لطه حسين وزوجته وأخرى لتشي جيفارا وعشرات الصور للملوك العرب وبديعة مصابني ومنيرة المهدية وعبد الناصر مع الزعيم الواعد  معمر القذافي باللباس العسكري والشيخ زايد يوقع على خروج الانجليز من الإمارات العربية المتحدة.

ولدى سؤاله عن هذه المقتنيات والصور قال الراعي أنا اشتري بيوتا قديمة مع أثاثها وغالبا ما يكون صاحب البيت المباع صغيرا في السن ولا يقدر أو لا يعرف ماذا يبيع وما مدى أهمية هذه التحف والأشياء والصور.

 

أما عن أكثر الشخصيات أو الصور مبيعاً وتظل مطلوبة لدى الزائر فيقول : عبد الناصر ثم عبد الناصر وبعده أم كلثوم وصور قديمة لفيروز ولكن الذي يشتري صور الملوك والأمراء غالبا ما يكون جده أو والده ظاهرا في هذه الصورة لكونه كان مرافقا آنذاك لأحد هؤلاء..اما صورة جيفارا فمطلوبة كثيرا ولكن الذين يرغبون بها كلهم من الشيوعيين الفقراء وعندما أقول لهم إنها بثلاثين دولارا يهربون.  وتقول إحدى السيدات المهتمات بتصميم الأزياء : إنها تزور سوق البرغوث للاطلاع على الأزياء القديمة وكثيرا ما يطلب مني الزبائن موضة أيام الخمسينيات أو الأربعينيات وخاصة فساتين الأعراس وهنا في هذا السوق يوجد الكثير منها وان لم أجده في الحقيقة فسأجده في الصور وهكذا اطلع عليها وأعيد تصميمها من جديد.

وتحتوي السوق على أزياء من التراث اللبناني والخليجي والعديد من الثريات القديمة وبعضها يأخذ شكل الشمعدان وجميعها أخذت من قصور قديمة مهجورة أو من المزادات.

 

ولا تعتمد السوق الترتيب التسلسلي للأواني أو القطع إذ تجد عربات المدافع القديمة إلى جانب الخرز الملون وصحف الخمسينيات إلى جانب الفساتين المطرزة.

 

ويقبل اللبنانيون والسائحون العرب والأجانب بكثافة على السوق بعضهم يشتري بكثرة وآخرون يلقون النظر فقط ربما تدهشهم صورة لأحد الأقارب مختبئة في التاريخ.