الحص

من الأسر الإسلامية البيروتية العريقة، تعود بجذورها إلى قبائل شبه الجزيرة العربية لا سيما قبيلة بني العيتاني (العيثاني) وهي من القبائل المنسوبة لآل البيت النبوي الشريف لا سيما إلى الإمام الحسن رضي الله عنه.

وما تزال قبيلة وأفخاذ بني العيثاني منتشرة في اليمن ودول الخليج العربي والمغرب العربي.

وبما أن أسرة الحص هي في الأصل فرع من آل العيتاني، فقد أسهم أجداد الأسرة في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس. ونظراً لاشتداد الحملات الصليبية على بيروت المحروسة وبلاد الشام في العصور الوسطى، لهذا بادر المغاربة، ومن بينهم بني العيتاني وفروعها للإسهام في الدفاع عن بلاد الشام وحماية الثغور، وفي مقدمتها بيروت المحروسة. وقد أشارت المصادر المعاصرة، ومن بينها الرحالة المؤرخ والجغرافي ابن جبير إلى دور المغاربة في الدفاع عن بلاد الشام.

ومن الأهمية بمكان القول، بأن بيروت المحروسة وبلاد الشام والإسكندرية وسواها شهدت المزيد من هجرة الأسر المغاربية في العهدين المملوكي والعثماني لا سيما بعد سقوط الأندلس بيد الأسبان عام (1492م).

ولا بد من الإشارة، بأن المصادر المعاصرة للعهد العثماني، ووثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة، أكدت على أن أسرة الحص وأسرة بيهم من الأسر التي تعود بجذورها إلى الدوحة العيتانية. فقد أشار (السجل 1259هـ، ص 95 - 96) إلى الحاج خليل الحص العيتاني صاحب بستان الحص في حي عين الباشورة. وأشار (السجل نفسه، ص136) إلى السيد محمد ابن السيد إبراهيم أبي خليل الحص العيتاني. كما أشار (السجل نفسه، ص29 - 30) إلى دكان الحاج خليل الحص. وأشار (السجل 1302 - 1303، ص37 قضية 137) إلى أملاك الحاج خليل ابن السيد إبراهيم الحص في محلة الجميزة.

ولا بد من الإشارة أيضاً بأن الدوحة الحصية، كدوحة آل بيهم وآل العيتاني، قد أسهمت إسهاماً بارزاً في نهضة وتطور بيروت المحروسة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية، لهذا، فإن أحد وجهاء آل الحص في العهد العثماني السيد خضر الحصقد شارك مشاركة فاعلة في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت عام (1295هـ  1878م) وخصص لها مع أسرته أوقافاً عرفت باسم أوقاف الحص. كما أشار (السجل 1259 -  1263هـ، ص201) إلى الحاج حسن ابن السيد علي الحص.

برز من أسرة الحص العديد من الوجهاء والشخصيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من بينها السيد عبد الفتاح الحص ونجله النائب الأسبق عن بيروت فوزي عبد الفتاح الحص(1910 - 1966م) من مواليد بيروت عام (1910م)، تلقى علومه الأولى في المدارس الأجنبية، ثم تخصص في هندسة الطيران وقيادة الطائرات في بريطانيا عام (1930م) بعد عودته إلى بيروت تولى قسم الميكانيك والصيانة في مطار بيروت، ومثّل لبنان في مؤتمر الطيران الذي عقد في شيكاغو عام (1944م). أسهم عام (1945م) مع الرئيس صائب سلام في تأسيس شركة طيران الشرق الأوسط، وتولى منصب المدير الفني. في عام (1956م) قام بزيارات عديدة إلى أميركا والبرازيل ودول الخليج العربي لتسويق خطوط طيران جديدة للشركة. عمل في قطاعي الصناعة والتجارة، فأسس شركتين إحداهما في لبنان والأخرى في الكويت تعملان في قطاع النقل والصيانة. كما أسس أول نادٍ للفروسية في لبنان.

في عام (1957م) انتخب نائباً عن بيروت، كان عضواً في لجنة الإدارة والعدل ورئيساً للجنة الأشغال، كما شغل منصب أمين سر هيئة مكتب المجلس ومفوضاً فيه. في عام (1960م) عاد إلى العمل في القطاع الخاص وفي إدارة أعماله. كانت تربطه صداقة متينة مع الرئيسين كميل شمعون وسامي الصلح، سبقتها صداقة مع الرئيس صائب سلام.

تأهل من السيدة نعمت هاشم البراج ولهما: لينا وعبد الفتاح ورولا. توفي في (15) نيسان عام (1966م) إثر سقوطه عن جواده في نادي الفروسية. وكان لوفاته وقع أليم في الأوساط البيروتية واللبنانية.

كما برز من أسرة الحص السيد أحمد الحص ونجله الرئيس الدكتور سليم أحمد الحص (1929) من مواليد بيروت في (20) كانون الأول سنة (1929م). تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة المقاصد في بيروت، والتكميلية والثانوية في الجامعة الأمريكية. درس إدارة الأعمال ونال فيها شهادة بكالوريوس سنة (1952م). كما نال شهادة ماجستير من الجامعة عينها سنة (1957م). عيّن أستاذاً مساعداً لتدريس مادة العلوم التجارية في الجامعة الأميركية. وبمساعدة من أستاذه سعيد حمادة نال قرضاً من مؤسسة روكفلر لإتمام الدكتوراه في العلوم التجارية في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة، فتخرج منها سنة (1961م).

بدأ حياته المهنية محاسباً في شركة التابلين(1952 - 1954م)، ثم انتقل إلى غرفة التجارية سنة (1955م)، فأستاذاً محاضراً في الجامعة الأميركية، كلية إدارة الأعمال (1955 - 1969م). كما شغل وظيفة خبير مالي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (1964 -  1966م)، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف في لبنان (1967 - 1973م) بعد أزمة بنك أنترا، ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام للمصرف الوطني للإنماء الصناعي، ورئيس مجلس إدارة المصرف العربي والدولي للاستثمار في باريس، ورئيس لجنة الخبراء العرب المنبثقة عن جامعة الدول العربية، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت، والمجلس الاستشاري للبنك الدولي.

عيّن مستشاراً لرئيس الجمهورية إلياس سركيس سنة (1976م). أعدّ ملفاً عرف بملف الحص يتضمن تقريراً بالأضرار والخسائر التي أصيب بها لبنان من جرّاء حرب السنتين. عُيِّن:

- رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للاقتصاد والتجارة، ووزيراً للصناعة والنفط، ووزيراً للإعلام، في كانون الأول سنة (1976م).

- رئيساً لمجلس الوزراء، في تموز سنة (1979م).

- وزيراً للعمل والتربية الوطنية والفنون الجميلة، في نيسان سنة (1984م) في حكومة الرئيس رشيد كرامي. وعلى أثر اغتيال الرئيس كرامي في الأول من حزيران سنة (1987م)، تولى وزير التربية سليم الحص مهام رئاسة الحكومة واستمر حتى ما بعد تكليف العماد ميشال عون رئاستها، في إطار ما عرف آنذاك بعهد «الحكومتين».

- رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للخارجية، ووزيراً للمغتربين، في كانون الأول سنة (1998م).

انتخب نائباً عن بيروت في دورة سنة (1992م) وفي دورة سنة (1996م)، ولم يشارك في عضوية اللجان النيابية. شارك في انتخابات سنة (2000م) فلم يوفق في النجاح، فانكفأ عن ممارسة العمل السياسي، محتفظاً بالعمل الوطني والقومي، فأنشأ وترأس منبر الوحدة الوطنية (القوة الثالثة).

تعرّض في أيلول سنة (1984م) لمحاولة اغتيال، فأصيب برضوض طفيفة، في حين قتل أربعة أشخاص.

شارك في خلوات بكفيا، وعمل على إلغاء مراسيم حكومة الرئيس شفيق الوزان، وقاطع حكم أمين الجميل بعد انقلابه وسمير جعجع على الاتفاق الثلاثي سنة (1986م).

عُرف سليم الحص بعصاميته، ونظافة كفه، وتحسسه قضايا الفقراء والبائسين، وصلابته في المواقف السياسية، كما عُرف برقة إحساسه وإنسانيته المفرطة حتى أنه امتنع عن توقيع مراسيم الإعدام. وهو إلى ذلك صاحب نكتة ولطف وإيناس يندر وجودهما لدى الكثير من السياسيين.

له عدد كبير من المقالات والدراسات والأبحاث والمقابلات الإعلامية والتصاريح في مختلف مجالات السياسة والاقتصاد، وأبرز مؤلفاته: The Development of Lebanon’s Financial Markets ، ونافذة على المستقبل، ولبنان المعاناة والسلم (بالإنكليزية)، ولبنان على المفترق، ونقاط على الحروف، وحرب الضحايا على الضحايا، وعلى طريق الجمهورية الجديدة، وعهد القرار والهوى، وزمن الأمل والخيبة، وذكريات وعِبَر، وللحقيقة والتاريخ، ومحطات وطنية وقومية، ونحن والطائفية، وعصارة العمر، وصوت بلا صدى، وسلاح الموقف.

متأهل من السيدة ليلى فرعون التي توفيت في (12) أيار سنة (1990م)، ولهما ابنة وحيدة هي وداد.

والحُص لغةً واصطلاحاً تأتي بمعنى اللؤلؤة والزعفران، كما يطلق البيارتة على قطعة الليمون الواحدة أو قطعة الثوم الواحدة لفظ: «الحُص» وتطلق مجازاً على الرجل قصير القامة، كما يُطلق لفظُ الحص على الرجل الأبيض الجميل والنظيف والخلوق، فيقال بأن فلاناً كالحص؛ أي كاللؤلؤة.