آل سرسق

سُرسق هي من الأسر الأرثوذكسية البيروتيّة البارزة، عاشت الأسرة بين بيروت وجبيل وفلسطين والإسكندرية. توطنت في بلاد الشام في القرن الثامن عشر الميلادي. واستقرّت لفترة طويلة في منطقة البربارة في بلاد جبيل.

يرى علماء الأنساب وأحفاد أسرة سُرسق أنّ أصل الأسرة من الأسر الإفرنجية التي توطنت في لبنان منذ الحروب الصليبية في العصور الوسطى، ومنذ نشأتها اشتغلت بالتجارة والأعمال الحرّة فاشتهر أفرادها بالثروة والإقطاع، ثمّ تبيرتت وتلبننت وتعربت مع مرور السنين. ارتبط اسمها باسم بيروت عامّة والأشرفية خاصةً.

◄آل سُرسق في سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة

تشير وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة عام 1259ه – 1843م إلى العديد من وجوه وخواجات آل سُرسق، ومنهم غندور بن نصور سُرسق. وفي 15 ذي الحجة عام 1273ه، حضر إلى محكمة بيروت الشرعية الخواجة ميخائيل بن جرجس الوكيل الشرعي عن الست داحيل بنت الخواجة دمتري سرسق زوجة الخواجة الياس سرسق شهبندر دولة إيران الثابتة وكالته عنها شرعًا، وادّعى على فتح الله بن جبرائيل كبابه والحاضر معه في المجلس، بأنّه واضع يده على جميع قطعة الأرض الكائنة في سوق برج الكشاف في حي الصيفي خارج مدينة بيروت... وبعد التحقيق حكمت المحكمة بصحة ادّعاء المدّعي، وسلّمت الأرض إلى صاحبها. وتشير وثيقة تعود إلى عام 1276ه إلى عملية بيع وشراء بين آل سُرسق وآل الجمّال، ففي آخر محرذم 1276ه، سجّلت عملية بيع من قبل الخواجة حنا بن بولص الجمّال وزوجته حنة بنت دمتري سرسق إلى الخواجة موسى سرسق شقيق حنة، والمشتري عدّة جلول بمشتملاتها في مزرعة الرميل خارج بيروت بثمن قدره (120) ألف قرش صاغ ميرية كل صاغ منها يساوي أربعون ليرة مصرية.

وفي دعوى لافتة للنظر دوّنت في محكمة بيروت الشرعية بتاريخ ميلادي خلافًا للمتبع، ففي 7شباط 1884م، ادّعى الخواجات ميخائيل أجلاستو وأولاده من تابعية دولة فرنسا الفخيمة، أنّ لهم بذمّة الخواجة ديمتري سرسق العثماني التابعية مبلغ (45.800) فرنك، وقد طالبوا بحجز أملاك سرسق الكائنة في حي زاروب الحرامية، غير أنّ الحاكم الشرعي تريث في اتّخاذ القرار، ومنع الحجز على الأملاك أو انتقالها إلى مالك آخر، بانتظار تبلّغ آل سرسق الدعوى بعد وصولهم من خارج البلاد.

وفي 8 رجب عام 1302ه، وفي مجلس الشرع الشريف المعقود في محكمة لواء بيروت الابتدائية بحضور أعضائها المسلمين، حضر الخواجة بسترس أبي راجي ابن بسترس بسترس، وأوكل الخواجة جبران بن فضل ابن سرسق الموجود في مدينة أدنة، في الفراغ والانتقال كما يملكه بموجب سند بيده، وهو جميع المخزن الكائن بمحلة جوار الجامع العتيق بالسوق الكبير داخل أدنه.

◄أعلام آل سُرسق:

من مشاهير الأسرة الياس جبرائيل سرسق قنصل إيران لمدّة خمسة وثلاثين عامًا (1841-1875) كما برز من الأسرة أولاده القناصل الثلاثة: اسكندر، وحنا، وقسطنطين. وكان أسعد جبرائيل شقيق إلياس سرسق شهبندر دولة إيران في إسكندرون، ومستشار محكمة استئناف ولاية بيروت، وكان يتقن ست لغات، وله مؤلفات حول رحلاته إلى أوروبا منذ القرن التاسع عشر، ومنهم جورج ديمتري ترجمان قنصلية ألمانيا ومترجم تاريخ اليونان.

وبرز من الأسر إلياس بك بم إبراهيم سرسق، وقد حلّ الأمير فيصل بن الشريف حسين ضيفًا عليه في الأشرفية عام 1918 كما برز يوسف بك (جوزيف) سرسق عضو مجلس إدارة جمعية غرفة التجارة في بيروت، كما انتخب ومحمد أفندي بيهم رئيسًا شرف للجمعية عام 1913، وقد قابلا والي بيروت لإطلاق سراح الموقوفين البيارتة، كما أصبحا عام 1914 أعضاء في مجلس الأعيان العثماني. وكان ولده نجيب بم سرسق عضو غرفة تجارة بيروت عام 1892، كما تولّى عضوية الجمعية الإمبراطورية الروسية – الفلسطينية. ثمّ أصبح عضوًا في مجلس النواب اللبناني في عهد الانتداب الفرنسي.

كما برز ألفرد بك موسى سرسق الذي كان سكرتيرًا للسفارة العثمانية في باريس، وللسفير العثماني عام 1913 رفعت باشا كما كان له دور بارز في عهد الحكم الفيصلي وعهود الانتداب الفرنسي. أمّا ميشال إبراهيم سرسق فكان عضو مجلس المبعوثان العثماني عام 1913. أمّا ألبر يوسف (جوزيف) سرسق فكان عضوًا في جمعية بيروت الإصلاحية عام 1913 وكان أحد أعضاء الوفد الرسمي للمؤتمر العربي الأوّل في باريس عام 1913، غير أنّه تخلّف عن المشاركة بسبب مرض شقيقه. وبرز خليل سرسق عضو مجلس بلدية بيروت عام 1899 وابنته السيّدة إملي خليل سرسق صاحبة ومؤسسة مدرسة زهرة الإحسان في بيروت منذ عام 1881 ومؤسسة مستشفى سان جورج عام 1887. كما برز ميشال موسى سرسق في العهد العثماني الذي نافس نسيبه ميشال إبراهيم سرسق في انتخابات عام 1913 وفشل في مواجهته.

كما برز نخلة سرسق عضو هيئة مشروع سكة الحديد بين بيروت – دمشق مع سليم علي سلام ويوسف بيهم عام 1913.

وبرز من الأسرة اسكندر بن الياس سرسق أحد مؤسّسي الجمعية الأرثوذكسية الخيرية في بيروت عام 1868. كما برز اسكندر الثاني سرسق عضو مجلس النواب اللبناني عام 1953 كما برزت السيّدة ليندا سرسق صاحبة الأعمال الخيرية.

وبرز من آل سرسق ألكسندر جرجي سرسق (1897-1971) من مواليد بيروت عام 1897، تلقى علومه في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت، ثمّ انصرف إلى ممارسة العمل الحر، وخصوصًا في قطاع الفنادق، فبدأ بإدارة فندق صوفر الكبير، ومن خلاله أقام أكثر علاقاته السياسية والاجتماعية.

انتخب نائبًا عن محافظة البقاع في دورة عام 1951 بالرغم من بيروتيته، كما انتخب عضوًا في لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة والسياحة والاصطياف والتموين، ولجنة الدفاع الوطني.

كان عميدًا لأسرة سرسق بعد عدّة عمداء من الأسرة.

تأهلّ من السيّدة إيفيت سرسق، ولهما شاب وحيد هو جورج سرسق. توفي ألكسندر جرجي سرسق في 9 أيلول عام 1971.

ومن مآثر آل سرسق إنشاء الأسرة لا سيّما أبناء نصور بن جبور سرسق لسوق سرسق في باطن بيروت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأضحى هذا السرق قائمًا حتى بداية الحرب اللبنانيّة عام 1975. ومن مآثر الأسرة أيضًا تقديم أحفاد آل سرسق قصر سرسق الشهير في منطقة الأشرفية لبلدية بيروت ليصبح متحفًا بيروتيًا وطنيًا، لهذا أطلقت بلدية بيروت اسم "سرسق" على عدّة شوارع في بيروت ومن بينها الأشرفية.

برز من أسرة سرسق حديثًا الدكتور اسكندر سرسق مدير مرصد بحنس 2008، إبراهيم ميشال سرسق، ألفريد، جورج أسعد، جورج اسكندر، جوزيف ميشال، حبيب، غبريال، كوكران إيفون سرسق، موريس، ميشال، نقولا اسكندر، نهاد حبيب وسواهم الكثير من وجهاء وأعيان بيروت المحروسة ممّن برزوا سواء في العهد العثماني أو عهد الانتداب الفرنسي أو طيلة عهد الاستقلال وإلى اليوم لا سيّما في منطقة الأشرفية، غير أنّ عددًا وفيرًا من الأحفاد هاجروا إلى الخارج بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان.

أمّا سرسق لغةً فلها عدّة معانٍ منها سَرَ وتعني نقيب ورئيس كما أسلفنا وسَق نوع من أنواع الطيور وهي صفة للرجل البارز في قومه ومدينته. كما أنّ سرسق اسم لمجموعة التجار الافرنج وصلت إلى بلاد الشام في العصور الوسطى، وهو أيضًا اسم لقرية في بيسان في فلسطين.

ومهما يكن من أمر فأسرة سرسق والأشرفية توأمان لا ينفصلان منذ مئات السنين إلى اليوم، وقد مثّلوا الوجاهة البيروتيّة خير تمثيل على غرار آل بيهم وآل سلام وآل تويني وآل بسترس وآل الصلح وسواهم من عائلات مسيحية وإسلامية.

اول شخص من آل سرسق ولد في بيروت هو جبور، وذلك سنة 1712. نجحت العائلة، بفضل ثروتها، في نسج علاقات وطيدة مع الحكام الأجانب، بدءا من السلطنة العثمانية ولاحقاً سلطنة الانتداب الفرنسي.

خلال القرن التاسع عشر، كانت عائلة سرسق تتمدد في مختلف ارجاء الشرق الاوسط من قبرص الى فلسطين، حيث كانت تمتلك اراضي شاسعة، ولا سيما في مصر حيث كانت تربط بعضهم علاقة وثيقة بالخديوي سعيد وفيما بعد اسماعيل باشا. وقد ادت هذه الصداقة الى تمويلهم نسبة كبيرة من تكاليف قناة السويس، لا سيما ان المخططات كانت قد وُضعت ايام الخديوي سعيد ونُفذت خلال عهد اسماعيل باشا.

الفيلا الاقدم يعود تاريخ بنائها الى عام 1840، اما قصر الليدي كوكرن الذي استثمره اصحابه اليوم لإقامة الحفلات والاعراس في حدائقه المترامية، فمملوك من إيفون سرسق المتزوجة من لورد إيرلندي من آل كوكرن.

وقد شيّده موسى سرسق (جدّ الليدي كوكرن) في عام 1860، وقد ورثته الليدي كوكرن عن والدها ألفرد. والجدير ذكره انه الى جانب القصر توجد فيلا لآل سرسق لا تظهر للعيان من الشارع العام انما نراها من حدائق القصر. وتبلغ مساحة العقارين 11 الف متر مربع. اما فيلا ليندا وابراهيم سرسق (تملكها كريماتهما ويستثمرها اليوم صاحب المشاريع السياحية بشارة نمور للحفلات)، فيعود تاريخ بنائها الى عام 1880، وقد اجري منذ مدة تعديل للواجهة الشمالية. اما مبنى وزارة الخارجية، والذي هو اساساً قصر لآل بسترس، فيعود تاريخه الى عام 1880. والمبنى الخاص اليوم ببنك عودة شُيّد في عام 1907. ويبقى الاحدث وهو قصر نقولا سرسق ويعود تاريخ بنائه الى عام 1910.

والجدير ذكره ان الراحل نقولا سرسق وهب قصره بعد وفاته في عام 1952 الى مدينة بيروت، على ان يتحوّل متحفاً للفنون الحديثة كما ذكر في وصيّته، لا سيما انه لم يتزوج. ومن شروط هذه الوصيّة ان يكون رئيس بلدية بيروت مشرفاً على المتحف، وان تدير شؤونه ـ من غير اي مقابل ـ نخبة من الشخصيات البيروتية.

والجدير ذكره انه ما بين سنة 1953 و1975 استخدم القصر بموجب مرسوم جمهوري لاستضافة ملوك ورؤساء زاروا لبنان رسمياً، ومنهم الملك سعود بن عبد العزيز وملك اليونان. وبما ان الراحل نقولا سرسق اراده متحفاً، فقد تحوّل القصر الى متحف يضم قطعاً من الانتيك والمقتنيات الثمينة التي وجدت في القبو منذ فترة. واليوم يقام فيه بين الحين والآخر، معرض للوحات الثمينة. وعموماً يتراوح تاريخ البناء في هذا الشارع بين سنة 1860 وسنة 1910.

وعن الطابع الهندسي في هذا الشارع اخبرنا المهندس وعضو الهيئة التنفيذية «لجمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والابنية القديمة في لبنان» فضل الله داغر ان تشابه الابنية، ليس نتيجة ان اصحابها ينتمون الى عائلة واحدة وهي آل سرسق، او تعمدوا اعطاء الشارع طابعاً هندسياً خاصاً، انما، كان طابع العمارة في كل بيروت، وحتى البيوت الصغيرة. وحصل ذلك بعدما هدموا سور بيروت في عام 1840، ففُتِحت شوارع جديدة ما ادى الى بروز احياء جديدة، تطورت شيئاً فشيئاً، منها «الجميزة» وحي «البسطا» و«السوديكو ـ طريق الشام»، اي ان كل المناطق حول وسط بيروت (آنذاك) تطورت وانتعشت فيها الحياة، بعدما هدم السور، لأن المدينة إمتدت اليها، وامتد توسع المدينة في ما بعد، الى المناطق المحيطة بالوسط والتي تعرف بـ«الحزام» كالباشورة والظريف وزقاق البلاط، فخرجت العائلات الغنية من وسط المدينة، لتشيد منازل في البسطة والجميزة، وكان آل سرسق حينها خارج لبنان (وعلى الارجح في القاهرة) وكانوا يعتبرون من كبار التجار، فعند مجيئهم الى بيروت، ابتعدوا عن وسطها او عن الاحياء الجديدة التي ظهرت، فسكنوا في منطقة مرتفعة نوعاً ما (قديماً كان هناك من يأتي ليصطاف فيها اذ تقع على تلة) وتعرف بالاشرفية، وهي عبارة عن متدرجات، فسكنوا اول مدرج مطل على البحر، وشيدوا فيه هذه القصور والدور حتى انها سميت بشارع سرسق، نسبة الى ان غالبية الدور فيه تعود لهذه العائلة. وكان النمط السائد حينه عصرياً، اذ بعد عام 1840، بدأت القنصليات الاجنبية بالانتقال من صيدا الى بيروت، فأزدهر المرفأ وكبرت بيروت أكثر، لتصبح العاصمة الاقتصاية».

وشيد قصر الليدي ايفون سرسق كوكرن (ما يعرف اليوم بقصر الليدي كوكرن) في سنة 1860، ويعتبر بالنسبة لهذه الحقبة عصري الطابع. فلغاية عام 1840، كان الطابع الشرقي هو الطاغي، وهو يتمثل بالحجر مع وجود القناطر، لكن نتيجة موجة «العصرنة» السائدة آنذاك في كل من اسطنبول وبيروت، اتى القصر بطابع هندسي اوروبي. وفضلاً عن ذلك، فالعلاقات التجارية مع البندقية ومرسيليا، ادت الى استيراد مختلف مواد البناء، ففي عام 1860 استوردوا القرميد والحديد، وقبلاً لم تكن تعرف بيروت هذه المواد. ففي قصر الليدي كوكرن، درج داخلي بأكمله من الحديد، كما ان «البلوستراد» (أعمدة رخامية للشرفة) التي نراها في الفيلا من مخلفات الهندسة الاوروبية. ويُذكر ان واجهتا قصر الليدي كوكرن الشمالية والجنوبية لبنانيتان كلاسيكيتان. غير ان الشرقية والغربية تشبهان قصور صقلية في ايطاليا. وعموماً النمط الهندسي في جميع قصور الشارع مستوحى من الهندسة الاوروبية وغالباً الايطالية، وفي هذا الصدد تقول الليدي كوكرن ان جدها لم يستعن بمهندسين من الخارج فقد شيّد البيت ونفذه لبنانيون. وبالاحرى هناك بعض التفاصيل الهندسية التي أتت من الخارج، فالرخام الابيض (ارضية البيت) من مدينة Carrara الايطالية، وكذلك «الشمع» الذي يحمل القناطر الرخامية البيضاء.

وهذه البيوت الكبيرة، كانت نموذجاً للبيوت الصغيرة التي شيدت في ما بعد، فاستوحوا منها. وعموماً من سنة 1840 ولغاية 1860، كانت المنازل الواقعة حول المدينة، لبنانية الطابع، وابرز مميزات هذا الاسلوب، ثلاث قناطر في واجهة البناء وفي الداخل اي في دار البيت، وهذه التفاصيل موجودة في العمارة اللبنانية منذ سنة 1840. اما عن الهندسة الداخلية لهذه القصور فان الطابع الشرقي يغلب على فيلا ليندا وابراهيم سرسق، حيث احواض الماء الرخامية الكبيرة والقناطر. ويضيف المهندس داغر: «والدة ايفون سرسق كوكرن ايطالية الاصل، لذلك نجد الكثير من التحف الايطالية في القصر. الهندسة الداخلية في فيلا ليندا وابراهيم سرسق شرقية، وتحديداً عثمانية تركية، ففيها العديد من التحف الشرقية، فضلاً عن ان غالبية البلاط من السيراميك (الذي يعتبر شرقياً)، بالاضافة الى ذلك فالرسومات عليه وعلى الجدران شرقية الطابع، بالاضافة الى احواض الماء الكبيرة في وسط الدار وهي محض من الطابع الهندسي الشرقي، لكن بالمقابل، هندسة فيلا الليدي كوكرن، الداخلية، ليست ذات اسلوب اوروبي بحت، فمثلاً السقوف مزيج من الشرقي والاوروبي».

ومن القصور اللافتة في الشارع، قصر نقولا سرسق، مع باحة خارجية واسعة ودرجين يتلاقيان عند الواجهات الزجاجية الملونة (تقام اليوم فيه مختلف المعارض). وعن طراز هذه الفيلا، يخبرنا المهندس داغر: «هو مزيج من الهندسة الايطالية واللبنانية، التفاصيل الخارجية مستوحاة من الامبراطورية العثمانية.. وقد تم تجديد بعض اجنحته منذ فترة».

ولا يقتصر وجود القصور والدور في بيروت على شارع سرسق فقط، انما يمتد في مختلف شوارع الاشرفية واحياء تحيط بوسط المدينة (التي طورت بعد هدم السور كما سبق ان ذكرنا). ومن البيوت اللافتة، والتي يعود تاريخ تأسيسها الى سنة 1840، منزل آل ثابت في شارع «هوفلان» قرب جامعة القديس يوسف في الاشرفية، كما ان هناك العديد من العمارات التي تعود الى سنة 1870 وما زالت موجودة اليوم، كما ان هناك بيوتا جميلة وقديمة وتعود للنصف الثاني من القرن التاسع عشر لآل طراد وبسترس في الاشرفية ومحازية لشارع سرسق.

قصر سرسق

وبما ان هذه البيوت والقصور تعتبر بمثابة ثروة، فلا بد من الحفاظ عليها، وهذا ما يتبع في اي بلد، تتوفر فيه عمارات بهذه القيمة، ولهذا الغرض أنشأ، منذ فترة، مجموعة من المهندسين والمهتمين بالتراث ومن بينهم الليدي ايفون كوكرن «جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والابنية القديمة» التي تعمل بالتعاون مع وزارة الثقافة على المحافظة على هذه الابنية من خلال ايقاف هدمها، وعن هذا الموضوع، يخبرنا داغر: «قمنا بدراسات نطلب من خلالها المحافظة ليس فقط على عمارات او منازل، انما شوارع بأكملها، نظراً لطابعها المميز وقيمتها. وتحددت الشوارع حسب، كمية الابنية القديمة الموجودة فيها. ومن ابرز هذه الاحياء: القنطاري والظريف والباشورة والبطركية وشارع هوفلان في الاشرفية، كما ان هناك مناطق طلبنا وضعها تحت الدرس، لايجاد مخطط توجيهي لتطويرها مع المحافظة على رونقها القديم. ويجب وضع قانون يعين شروطاً محددة للبناء في هذه المناطق للمحافظة على طابعها. لكن للأسف المشروع لم يتطور. فهناك ابنية صنفت منذ فترة كممنوعة من الهدم، لكن اصحابها خافوا، لأنه ما من مقابل حدد لهم، تجاه هذا التصنيف.. وما من خطة حددت مصير هذه الابنية.. وهي عندما تصنف بغير قابلة للهدم، اي لا يستطيعون بيعها، خصوصاً ان كثيرين منهم في حاجة مادية لثمنها. وللأسف الدولة لم تساعدنا لوضع خطة على صعيد التنظيم المدني او تقديم مساعدات للترميم، او بدائل مادية ازاء الخطوة التي اتخذناها بتجميد الهدم. هناك اليوم الكثير من الابنية القديمة والقيمة ولكنها للأسف مهجورة ووضعها سيئ. ولقد طلبنا من وزير الثقافة تجميد الهدم، لاعداد دراسة تفصيلية. وجمد الهدم، لكن بالمقابل ما من تطمينات للمالكين، وزير الثقافة الحالي غسان سلامة، لا يعطي تراخيص هدم، لكن القانون الجديد للمحافظة على الابنية القديمة لم يمرّ بعد على مجلس النواب ولا على مجلس الوزراء. ومن المهم جداً الحفاظ على هذه الثروات الهندسية، لكن يجب ايضاً التفكير ببديل لاصحاب الملك، كي لا يظلم احد، لكن حالياً التفكير بهذا لأمر صعب، نظراً لقلة السيولة التي تعاني منها الدولة. وفي بيروت الابنية القديمة كثيرة، ومنها ما زال اهله يعتنون به، كمنزل آل تويني في شارع نقولا، وبيت آل مشيّخ في زقاق البلاط. ومن القصور المميزة قصر الرئيس الراحل بشارة الخوري، الذي اشتراه رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري قبل بضعة اعوام. وبرأيي، انه يجب ايجاد مخطط خاص بشارع سرسق لتحديد شروط البناء فيه، فتشييد عمارة «مودرن» وسط هذا الكمّ من القصور التي يعود تاريخها الى القرن الماضي، يشكل مشكلة من الناحية الفنية».

وقد جمعت العائلة ثروتها في القرن التاسع عشر من الزراعة، الصيرفة وثم من الصناعة فملكوا عدد من المصارف والشركات. وامتلكت أراض تمتد من تركيا وصولاً إلى مصر ومروراً بلبنان وفلسطين. هذا الثراء أفسح في المجال أمام العائلة نسج علاقات مع دول، بدءاً من السلطنة العثمانية ومروراً بسلطنة الانتداب الفرنسي ومصر وروسيا.

جدل بيع الاراضي

كان الكثير منهم يعيش في باريس وقد خسروا اموالهم في القمار. كانت تملك الكثير من الأراضي في عهد الدولة العثمانية. وقد باعت اراضي واسعة جدا لليهود فسهلت لهم اقامة كيانهم ولكن حينما جاء الانتداب ألبريطاني إلى فلسطين كانت تملك عائلة سرسق 400 ألف هكتار من الأراضي الخصبة تضم ما يقارب 77 قرية في مرج بن عامر شمال فلسطين، التي تسكنها 6452 أسر عربية.كانت تلك الاراضي تمثل ما يقارب 3 % من مساحة فلسطين. وقد باعتها عائلة سرسق المسيحية بسبعة ملايين فرنك هدم منازل القرى والمدن العربية وطرد السكان أمام جحافل من الجنود البريطانيين وتم تسليم الأراضي لليهود ،ودمرت القرى العربية، وأكثر من 65 مسجدا وهناك بنى اليهود المستعمرات في 1921. وفي 1922 باعت العائلة عشرات الآلاف من الفدادين الواقعة على الساحل اللبناني للصهاينة.

يشعر المار بشارع سرسق في منطقة الاشرفية (شرق بيروت) انه عاد الى ردهات القرن التاسع عشر، فالماضي بغناه وتراثه يمتد على طول هذا الشارع عبر القصور الشاسعة النائمة على كتف التاريخ والاشجار الشاهقة التي تظلله على الجانبين. ويحتار المار في اي قصر يحدّق، من قصر ليندا وابراهيم سرسق، الى قصر ومتحف نقولا سرسق الذي يتميز بأدراجه ذات الهندسة الاخاذة وواجهته التي تتخللها قناطر وواجهات زجاجية ملونة.. وصولاً الى القصر ذي الحدائق الشاسعة وهو قصر الليدي كوكرن. الحي قائم في منطقة الاشرفية منذ اكثر من 150 عاماً واستمد اسمه، نسبة لقصور آل سرسق التي شُيدت فيه في منتصف القرن التاسع عشر.