الفصل الثامن

ثامناً: مؤسسات الدكتور محمد خالد الإجتماعية:

يعتبر الدكتور محمد خالد (1895-1981) من الشخصيات الانسانية والاجتماعية والطبية البارزة. والده مفتي الجمهورية اللبنانية العلامة الشيخ محمد توفيق خالد أما خال والده فقد كان العلامة الامام الشيخ عبد الرحمن الحوت. منذ عام 1932 افتتح مستشفى خالد في البسطة التحتا الذي ظل يعمل حتى عام 1975. وهو الذي سبق له أن أسس مع رجال بررة المستشفى الإسلامي الذي عرف فيما بعد بإسم مستشفى المقاصد، وعمل على تطويره وتوسعته في الفترة الممتدة بين أعوام 1945-1955.

في عام 1958 أسس الدكتور محمد خالد "مؤسسة الخدمات الإجتماعية" التي أدت دوراً اجتماعياً بارزاً لأبناء بيروت ولبنان. في عام 1985 أطلق المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى على هذه المؤسسة مؤسسات الدكتور محمد خالد الإجتماعية تكريماً لعطاءات الرجل وتضحياته.

اشتهر عن الدكتور محمد خالد بأنه إذا زار مريضاً فقيراً ترك له مع الوصفة الطبية ما يؤمن له شراء دواء هذه الوصفة دون أن ينال أجراً على تطبيبه. فهو الطبيب الانسان، طبيب الخير والعطاء. ويكفيه فخراً أنه رفض عدة مرات رئاسة الوزراء منذ عهد الرئيس بشارة الخوري إلى عهد الرئيس سليمان فرنجية، لأنه رأى أن بناء الانسان وتنمية المجتمع اللبناني لا تتم بتلك السياسة اللبنانية، بل تتم فعلاً بإسهامه بالأعمال الانسانية والاجتماعية والطبية والاستشفائية والرعائية، وأدرك بأن الانسان الفرد الصالح المصلح يمكن أن يقدم لمدينته ولوطنه ولأمته كل الخير والتقدم والتطور بالتعاون مع المخلصين والخيرين والبررة. وبالفعل، فمن يطلع على اسهامات وانجازات "مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية" منذ عام 1958 حتى اليوم، أي منذ خمسين سنة، يدرك أهمية هذه المؤسسة التي استفاد منها حتى اليوم أكثر من مئة ألف مريض ومعاق وتلميذ ويتيم وذلك من خلال مؤسساتها وأقسامها التالية:

أولاً: مؤسسة الخدمات الاجتماعية.

ثانياً: مستشفى مركز التأهيل الطبي.

ثالثاً: مركز التعليم المستمر والتدريب.

رابعاً: مشروع دار بر الوالدين.

أولاً: مؤسسة الخدمات الاجتماعية: وهي تقدم خدمات من خلال المؤسسات التالية:

(1)     مدرسة الأوزاعي للخدمات الإجتماعية: وهي تستوعب اليوم أكثر من سبعمائة طفل وطفلة.

(2)     مركز محو الأمية والاستلحاق الدراسي: وتؤمن التعليم لمئات الطلاب والطالبات من سن (8) إلى (14 سنة).

(3)    مركز التدريب المهني: يؤهل الطلاب للتدريب المهني للحصول على العمل الشريف في المجالات التالية: النجارة، الكهرباء، الزراعة، الأشغال اليدوية والحرفية والرسم.

ثانياً: مستشفى مركز التأهيل الطبي: وهي تقدم خدمات من خلال المؤسسات التالية:

(1) المستشفى التي تقدم بدورها العمليات الجراحية والتحاليل المخبرية والتخطيط للقلب، ومختبر الأسنان، وقسم الوقاية وسوى ذلك.

(2) قسم العلاج الفيزيائي، ويقدم هذا القسم خدمات عديدة لها علاقة بأمراض الجهاز العضلي والعظمي والعصبي، والنخاع الشوكي والعمود الفقري، وإصابات العنق وبتر الأطراف، واصابات حوادث السير، وسواها.

(3) قسم الأطفال المصابين بالشلل الدماغي.

(4) قسم الأطراف الاصطناعية والأجهزة التقويمية.

(5) قسم معالجة النطق.

(6) قسم التدريب المهني والانشغالي.

(7) قسم الخدمة الاجتماعية.

ثالثاً: مركز التعليم المستمر والتدريب: ويقدم هذا المركز خدمات هامة تتمثل بتنمية قدرات العاملين في الحقل الاجتماعي، وحقل الخبرات والمهارات للعاملين في الحقل الاجتماعي، واطلاعهم على أحدث الوسائل العلمية والتطبيقية، لتكوين قيادات تكون مهمتها الأساسية قيادة عمليات التطوير والبناء المؤسساتي في جمعياتهم ضمن مفاهيم متطورة وحديثة، تسهم بتطوير العمل المشترك بين مؤسسات المجتمع المدني والأهلي.

رابعاً: مشروع "دار بر الوالدين" في مستشفى خالد في البسطة:

وهو مشروع مستقبلي يؤمل تنفيذه في المستقبل القريب، لما فيه خدمة العجزة من النساء والرجال، في ظل رؤية انسانية اصلاحية حضارية.

من خلال ما تقدم، ومن خلال الاسهامات الطبية والاستشفائية والاجتماعية والانسانية والتربوية التي قدمتها "مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية" وما تزال تقدمها في سبيل تنمية الانسان اللبناني، في إطار الحفاظ على كرامته، تدرك كم لهذه المؤسسات من فضل كبير في المجتمع اللبناني، وكم لمؤسسها الدكتور محمد خالد من فضل في سبيل الانسان والانسان وحده. لهذا نتقدم بأسمى آيات التقدير لمفتي الجمهورية اللبنانية الشهيد الشيخ حسن خالد، ولمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني لإشرافهما المباشر على هذه المؤسسة المعطاء. كما نتوجه بالتقدير لعطاءات رؤساء ولأعضاء مجالس العمدة وهم على التوالي: د. محمد توفيق خالد، د. بكري خالد، الأستاذ بهيج عثمان، الدكتور عمر مسيكه، المحامي فيصل طبارة، المهندس أحمد مختار خالد. من الأسر البيروتية الكريمة: خالد، البزري، فاخوري، الكعكي، الكردي، سنو، الصباغ، عماش، العريس، والمدير العام الأستاذ ماهر الحسامي على تضحياته وعطاءاته في سبيل تطور وتقدم المؤسسة.

تاسعاً: دور الأوقاف الإسلامية والمسيحية في تنمية المجتمع اللبناني:

أنواع الأوقاف الإسلامية والمسيحية في بيروت في العهد العثماني

إن الوقف في بيروت وبقية المدن الشامية عريق في القدم، ولقد رافق العمل الوقفي الفتح الإسلامي واستمر ينمو عبر العصور الإسلامية المتعددة. وكان الخلفاء والأمراء والقادة المسلمون منذ دخولهم إلى بيروت وبقية المدن الشامية (اللبنانية) قد أقاموا الجوامع والزوايا والتكايا والبيمارستانات... وجعلوها وقفا عاما على المسلمين وغير المسلمين.

والأنظمة العثمانية الصادرة حول الوقف، كانت تطبق على أوقاف بيروت وبقية المدن الساحلية، على غرار ما كانت تطبق في بقية ولايات المشرق العربي. وقد عرفت بيروت الآلاف من الوقفيات الخيرية العامة، ويكفي الإشارة إلى أوقاف بيروت في القرن الثالث عشر الهجري – القرن التاسع عشر الميلادي، لمعرفة مدى كثرة وتنوع الأوقاف الإسلامية والمسيحية. فما من مسجد أو زاوية (تقارب اثنا عشر مسجداً وزاوية بين جامع السرايا وجامع المجيدية)  وما من كنيسة أو رهبنة في باطن بيروت، إلا وكان عليه وقف يتضمن العديد من الأملاك والعقارات وأحياناً بعض المنتجات والأموال.

ومن الملاحظ أن الأملاك الوقفية سواء في بيروت أو في سواها من المدن، قد أسهمت إسهاماً فاعلاً في تطوير البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمسلمي ومسيحيي بيروت ولبنان. ومما يشير إلى أهمية الوقف الإسلامي في الحياة العامة، هي أن جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت بعد تأسيسها عام 1295 هـ - 1878 م بسنوات قليلة، توسلت لدى والي بيروت والدولة العثمانية لتسليمها بعض الأوقاف الإسلامية المحلولة أو غير المضبوطة، للاستعانة بوارداتها ولتوسيع نشاطاتها ولإقامة المدارس للإناث والذكور. وقد استجابت الحكومة العثمانية لهذا الطلب. ومنذ ذاك الحين بدأت المقاصد بالنماء، وهي في الحقيقة لم تبن دعائمها الأولى بفعل المساعدات والتبرعات الإسلامية المباشرة فحسب، بل كان للأملاك الوقفية دور أساسي في إرساء دعائم مؤسسات جمعية المقاصد. وقد استطاعت المقاصد بالفعل في تلك الفترة ضبط تلك الأوقاف وفي مقدمتها.

- وقف الجبانات (المقابر).

- وقف التكية.

- وقف جل التين.

- وقف فاطمة بنت عبد القادر جبيلي.

- وقف الحاجة بدرة بنت عبد القادر جبيلي.

- وقف الحاج محمد آغا الطرابلسي.

- وقف بني الطيارة والحص.

- وقف بني نجا وقريطم.

- وقف الشمع.

- وقف قفة الخبز.

- وقف الحاجة طاهرة.

- وقف يوسف السراج.

- وقف الحاج مصطفى الحلواني.

- وقف درويش القصار.

- وقف الحاج مصطفى القباني.

- وقف أمين آغا رمضان.

- وقف سبيل السمطية.

- وقف الحاجة كاتبة.

- وقف والدة بديع اليافي.

- وقف سبيل محمود بك.

- وقف حسين آغا الكردلي.

- وقف الحاج حسن منيمنة.

- وقف سبيل الجامع العمري الكبير.

- وقف دكانتين مجهول واقفهما بيد عبد السلام قرنفل.

- وقف قطعة أرض في رأس النبع.

لم يكتف المسلمون في بيروت بوقف أملاك وإحكار على مساجد وزوايا مدينتهم، بل امتد عملهم الوقفي والخيري إلى مناطق إسلامية أخرى لمساعدة المسلمين فيها، على غرار أوقاف جوامع صيدا التي كانت موجودة في سوق النجارين الفوقاني في باطن بيروت. بل امتد الخير ببعضهم أن نذر وقفه الذري في حال انقراض ذريته إلى فقراء مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومن هذه الأوقاف على سبيل المثال: أوقاف أحمد حسين القباني في منطقة سوق الحدادين في ميناء بيروت وفي بستان منيمنة وفي سوق القطن في محلة النصارى في باطن بيروت.

كما أن الطوائف المسيحية: الموارنة، والكاثوليك، والأرثوذكس وسواهم، لم يكتفوا بوقف أوقافهم على المؤسسات الدينية والاجتماعية والتربوية المسيحية في بيروت، بل وقفوها على مؤسسات دينية واجتماعية خارج بيروت، بل وخارج المناطق اللبنانية.

ومن الأهمية بمكان القول، أن كثيرا من الأوقاف الإسلامية بدأت تضيع أو تستبدل منذ سيطرة فرنسا على لبنان، لا سيما بعد إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920. وقد هدمت الكثير من الزوايا بحجة توسيع الطرقات وتطوير بيروت، فضاعت تلك الزوايا ولم يبق منها إلا واحدة هي زاوية الإمام الأوزاعي في سوق الطويلة. وزاوية ابن عراق الشافعي الدمشقي المواجهة لزاوية الإمام الأوزاعي.

وفي الوقت الذي شهدت الأوقاف الإسلامية الضياع والإهمال لأكثر من سبب ذاتي أو موضوعي أو خارجي، فإذا بالأوقاف المسيحية تحافظ على أوضاعها وأملاكها، بفضل تولي مرجعياتها الدينية لإدارتها، وبفضل التنظيمات التي كانت تحكم إدارتها ونظراً لتخوفها من المستقبل..

والجدير بالذكر أن للأوقاف أهمية كبرى على كافة الأصعدة المتعلقة بحياة الفرد والجماعة، ولقد أدت رسالتها عبر العصور بالرغم من بعض فترات الضعف، لأن واردات هذه الأوقاف استطاعت أن تشكل الضمانات التي أدت إلى تطور المجتمع في الدولة الإسلامية بكافة عناصره الإسلامية والنصرانية واليهودية، لأن واردات الأوقاف كانت تصرف على الطوائف ومؤسساتهم. وإذا ما قارنا بين ما تقوم به الدولة بالمفهوم الحديث اليوم من خدمات عامة في مجال الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، نجد أنها تصرف القسم الأكبر من ميزانيتها في هذه المجالات. في حين أن جانبا كبيرا من هذه الخدمات كان يؤدى بواسطة الأوقاف، فنجد أن العديد من المدارس والزوايا والتكايا والبيمارستانات والمصحات العقلية، كانت تمول من إيرادات تابعة أو مخصصة لهذه الأوقاف. وعلى هذا فإن هذه الأوقاف المتبقية تستحق كل اهتمام وصيانة. بل إن البعض يرى ضرورة حث المواطنين على تطبيق وتنفيذ المفهوم الوقفي وإحياء العمل به.

بالإضافة إلى ذلك فإن مجرد اطلاعنا على أنواع الأوقاف يتبين لنا مدى أهميتها الاجتماعية الاقتصادية والثقافية ومنها:

- وقف على المساجد وعلى خطباء المساجد وعلى المؤذنين والخدم.

- وقف على الزوايا والقائمين عليها.

- وقف على الكنائس والأديرة.

- وقف على مفتي المذاهب (مفتي الشافعية مثلا وسواه...).

- وقف لطلبة العلم.

- وقف قفة الخبز، لشراء الخبز وتوزيعه على الفقراء، كأوقاف قفة الخبز في بيروت.

- وقف على المكتبات العامة، ولشراء الكتب لطلبة العلم الفقراء.

- وقف على المتصوفين.

- وقف على الفقراء المسلمين والمسيحيين.

- وقف على المرابطين والمجاهدين والمدافعين عن الديار الإسلامية.

- وقف على المستشفيات.

- وقف على المقعدين والعميان وذوي العاهات ، وعلى أبناء السبيل على الغارمين وعلى الأرامل والأيتام.

- وقف على الخانات الخاصة بالمسافرين الفقراء.

- وقف على السكة الحديدية لتأمين أموال للإنفاق عليها تسهيلا لطريق الحج.

- وقف على الدور بمكة المكرمة لإقامة الحجاج دون مقابل.

- وقف الفاخورة أو الكاسورة أو الإبريق، لإعطاء أباريق جديدة مقابل المكسورة للغلمان العاملين، كي لا يطردوا من العمل، على غرار وقف الابريق في بيروت في العهد العثماني .

- وقف لحفر الآبار لسقاية العطشى.

- وقف لبناء الحياض لشرب الدواب.

- وقف لشرا أكفان الموتى الفقراء.

- وقف الحليب، لإعطاء النساء المرضعات الفقيرات أو الأرامل كغذاء لأولادهن.

- وقف الجبانات لدفن موتى المسلمين.

- وقف الشمع.

- وقف سبل الماء.

ويكفي شرح بعض غايات ومرامي هذه الأوقاف على سبيل المثال:

(1) وقف العلماء: وهو وقف خيري عام، اشترط والي بيروت نصوحي بك منذ عام 1895م، بأن يخصص ريعه على طلبة العلم. وقد بات هذا الوقف على مر العصور من أغنى الأوقاف الإسلامية في بيروت.

(2) وقف الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية في بيروت)، وقد وقف الكثير من المسيحيين والمسلمين منذ 1866م أراض وأغلال على هذه الكلية لمساعدتها ودعم نشاطاتها العلمية، لكي يتسنى لها الإسهام في تعليم الطلاب من مختلف الطوائف اللبنانية، وهكذا بالنسبة لاوقاف الجامعة اليسوعية.

(3) وقف قفة الخبز: وهو وقف خيري لغرض إنساني، وكان موقعها في باطن بيروت ، ولها دكان خاص، توضع فيه قفة مليئة بالخبز في كل يوم جمعة، حيث يقصدها المعوزون والفقراء والمساكين القاطنون في مدينة بيروت من مختلف الطوائف، فيوزع متولي القفة الخبز عليهم، فيأخذ كل منهم حاجته وينصرف دون سؤال أو إذلال. وقد كان لهذه القفة أوقاف وأحكار عديدة لا مجال لتعدادها هنا.

(4) وقف الإبريق: ويعرف أيضا باسم وقف الفاخورة أو الكاسورة. وكان لهذا الوقف دكان خاص بتوزيع الأواني الفخارية في باطن بيروت، وكانت مهمة الناظر عليه إعطاء الصبي والفتاة والفقير وعاء فخاريا سليما مقابل الوعاء الذي كسر معه. والحكمة من ذلك أن الصبي إذا أرسله معلمه لملء الإبريق ماء، ولسبب من الأسباب كسر الإبريق، فبدلا من أن يتعرض الصبي للتوبيخ والضرب والإهانة، فإن بإمكان هذا الصبي أخذ الإبريق المكسور إلى وقف الإبريق – الكاسورة والحصول على إبريق جديد، وهذا نوع من الضمانة الاجتماعية للأحداث.

(5)