من بيروت الصغرى إلى بيروت الكبرى 

الفصل الثاني

 

في العهد العُثماني وابتداءً من عام 1516م، شهدت بيروت توسعاً ملحوظاً وتطوراً إقتصاديّاً بارزاً، لا سيما عندما أوكل أمرها إلى الأمير فخر الدين الثاني(1572-1635)، حيث إتخذها مقراً لإقامته الشتويّة، وأقام في السراي المشهور باسمه، وأعاد تحصين سور المدينة، وعمل على تطوير مرفأ بيروت وقام بزراعة أشجار الصنوبر لمنع زحف الكُثبان الرمليّة. وسمح للقنصليات والوكالات التجاريّة بالإقامة فيها، وأصبحت المدينة مركز جذب سكاني هام في عهد الأمير فخر الدين، وتميزت بنشاط صناعي وتجاري لا سيما إنتاج وتجارة الحرير الطبيعي.

 

وشهدت بيروت توسعاً في عهد واليها ووالي عكا أحمد باشا الجزّار الذي دعم تحصيناتها وجدّد سورها. غير أنها تعرضت في عهده لقصف من السفن الروسيّة التي كانت في حرب مع الدولة العُثمانيّة وذلك في عام 1772م.

وفي هذه الفترة كان عدد سكان بيروت ستة آلاف نسمة، ومعنى ذلك أنها كانت ما تزال بلدة صغرى رغم أهميتها حسب ما جاء على لسان الرحالة والأديب فولنيْ (Volney)، ونظراً لموقع بيروت وتعرضها للحرب والقصف بإستمرار، فإن مرور السنين لا يعني بالضرورة زيادة في عدد السكان، لأن الأوضاع الأمنيّة والحربيّة والزلازل كانت تخيف القادمين إليها من تجّار وصنّاع، لذا قُدّر عدد سكانها في عام 1804م بحوالي خمسة آلاف نسمة. وعندما بدأت الأحوال تستقر مجدداً بدأت أعداد السكان تتزايد من جديد.

 

وعندما كان يقال بيروت في العهد العُثماني، إنما يقصد بها بيروت الوادعة داخل سورها، وكان هذا السور أو كما يلفظه البيارتة (الصور) يشهد في داخله مختلف الأنشطة التجاريّة والصناعيّة والإجتماعيّة والدينيّة. وكان يمتد هذا السور من شمال الساحة، أي شمال محلة قدّورة والهال (أو الهول) وشمال موقع السبيل الحميدي، وما عرف فيما بعد باسم ساحة رياض الصلح وبمحاذاة حائط سينما كابيتول، ويمتد بإتجاه الشرق حتى كنيسة مار جرجس المارونيّة، ثم يمتد السور شمالاً نزولاً إلى سوق أبي النصر، إلى أن يصل حائط السور إلى بناية دعبول تجاه جامع السراي (جامع الأمير عسّاف). ثم يمتد شمالاً أيضاً إلى غربي مرفأ بيروت حيث ميناء القمح (قرب خان أنطوان بك). بعد ذلك يمتد السور غرباً حتى مقبرة السمطيّة التي كانت خارج السور على غرار بقية المقابر. ثم يمتد صعوداً قبلة أي جنوباً باتجاه باب إدريس وكنيسة الكبوشيّة التي كانت خارج السور، فمدرسة الشيخ عبد الباسط الأنسي فسوق المنجّدين. ويستمر السور صعوداً إلى أن يلتقي مع بدايته في الساحة. وكان طول السور حوالي 660 متراً وعرضه 380 متراً، ثم تطور إلى كيلومترين وعرضه 570 متراً. أما إرتفاع الجدران فتقارب خمسة أمتار، بينما سماكتها حوالي أربعة أمتار . ولم تكن مساحة السور تزيد على ميل ونصف الميل مربع ويتخلل هذا السور سبعة أبواب مصفحة بالحديد تقفل عند المغرب بإستثناء الباب الرسمي الكبير وهو باب السراي الذي كان يقفل عند العِشاء. وهذه الأبواب هي :

·       بوابة يعقوب

·       باب الدركة

·       باب السراي

·       باب الدّباغة

·       باب السلسلة

·       باب السمطيّة

·       باب إدريس

أما باب أبو النصر المطل على ساحة الشهداء فلم يكن أساساً من الأبواب الرئيسيّة لبيروت، وإنما استحدث فيما بعد. وكون هذه الأبواب سبعة إنما يرتبط ذلك بالمعتقدات الإسلاميّة التي تستحب رقم 7 لإرتباط ذلك بالسموات السبع والأراضي السبع وبأيام الأسبوع السبعة وسوى ذلك. وكان على كل باب من أبواب بيروت عين من أعيان البلدة، يُكلّف بالإنفاق على مصباح معلّق إلى جانب الباب الخارجي ينيره عند المغيب بعد أن يقفل الباب بمفتاح خاص كبير يودعه عند متسلم بيروت حتى الصباح.

وكان يتخلل هذا السور أو يقع بالقرب منه بعض الأبراج العاملة في حماية بيروت منها :

·       برج الأمير جمال

·       برج الكشّاف

·       برج البعلبكيّة

·       برج السلسلة

·       برج القشلة

·       برج الحصن

·       برج السمطيّة

·       برج الغلغول

·       برج الحمراء

·       برج أبي حيدر

·       برج حمّود

وأبراج عديدة سُميت بأسماء العائلات البيروتيّة.