العوامل الخارجيّة للتوسع والإنماء

 

بعد وقوع كارثة فلسطين عام 1948م، إضطر الفلسطينيون للهجرة من فلسطين إلى لبنان. وقد نال بيروت وضواحيها حصة كبرى من هؤلاء المهاجرين، الذين تزايد عددهم سنة بعد سنة نتيجة للمناخ الإقتصادي والسياسي والإجتماعي الذي تميزت به بيروت. وزاد عددهم عام 1958م، ثم ازداد عددهم ثانية عام 1967م، وشهد عام 1970م ازدياداً حاداً للفلسطينيين. نتيجة طرد فصائلهم العسكريّة من الأردن إلى لبنان، بحيث أصبح عددهم في بيروت ولبنان ، المسجلون رسميّاً وغير المسجلين، ما يقارب 500 ألف نسمة، استأثرت بيروت بالعدد الأوفر في الفترة الممتدة بين 1975-1986م، وقد تركزوا منذ عام 1948م في مخيمات بيروت منها :

الداعوق
صبرا
شاتيلا
برج البراجنة
مار إلياس
تل الزعتر
ضبيّة

    

كما امتزج بعضهم مع اللبنانيين في مختلف أحياء ومناطق العاصمة أو مدن طرابلس وصيدا وصور وبعلبك. وأصبحت بيروت مركزاً تجاريّاً هاماً، وتحولت التجارة العربيّة من موانئ فلسطين إلى موانئ لبنان وبالذات ميناء بيروت. وخط أنابيب البترول السعودي الذي يصب في الزهراني، جنوب صيدا. كما قامت بيروت بدور إقتصادي مميّز بعد إقفال قناة السويس أثر حرب عام 1967م بين مصر وسوريا من جهة وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى كما استأثرت بيروت بتجارة الترانزيت وإعادة تصدير البضائع إلى دول الخليج العربي ودول النفط، مما ساهم في تدفق أموال النفط العربيّة إلى بيروت.

ومما شجع على تدفق هذه الأموال الثقة بالوضع المصرفي والإقتصادي اللبناني وقانون سرية المصارف. كما أن كثرة الإنقلابات في بعض الدول العربيّة وتطبيق نظام الإشتراكيّة، دعا أصحاب رؤوس الأموال إلى نقل أموالهم إلى المصارف اللبنانيّة والإسهام في الإستثمارات العقاريّة والأنشطة التجاريّة وأصبحت بيروت عاصمة جذب وحيدة في العالم العربي، ونشأت أحياء جديدة ومناطق تجاريّة وسياحيّة بعيدة بعض الشيء من مركز العاصمة مثل منطقة الحمراء.

 

وفيما يختص بالهجرة الخارجيّة فقد توالت هجرات الأرمن إلى بيروت ولبنان في أعقاب أحداث متتاليّة جرت بحقهم من قبل السلطات التركيّة لا سيما إبان الحرب العالميّة الأولى وبعدها. وقد قدّر عدد الأرمن الذين وفدوا إلى بيروت بنحو 24,000 أرمني. وإستقر القسم الأكبر منهم في منطقتي الدورة وبرج حمّود، وأحدث مجيئهم أزمات سكنيّة وإقتصاديّة على غرار ما حدث في أعقاب نزوح الموارنة من الجبل إلى بيروت في أعقاب أحداث 1860م.

 

وإستأثر التعليم العالمي في لبنان باهتمام العرب والأجانب لا سيما دول المشرق العربي. فقد أقيم في بيروت العُثمانيّة الكليّة السوريّة الإنجيليّة (الجامعة الأميركيّة) والجامعة اليسوعيّة (جامعة القديس يُوسُف) والكليّة العُثمانيّة، ثم نشأت الجامعة اللبنانيّة في الخمسينات. وفي عام 1960م نشأت جامعة بيروت العربيّة. وكانت هذه الجامعات والكليّات أداة جذب لآلاف من الطلبة اللبنانيين والعرب والأجانب. وعلى سبيل المثال، فقد ضمّت الجامعة الأميركيّة قبيل عام 1975م آلافاً من الطلاب بينهم: الأميركي، القبرصي، الإيراني، الباكستاني، اليوناني، والعرب من مختلف جنسياتهم، بالإضافة إلى الأساتذة الأجانب. كما أن جامعة بيروت العربيّة استأثرت في عام 1970م مثلاً بثلاثين ألف طالب جلّهم من العرب. وكان الجذب العلمي يؤثر مباشرة في زيادة عدد سكان بيروت، وفي زيادة متطلبات الخدمات اللازمة لهذا الجذب. وفي التحقيق الإحصائي الذي أُجري عام 1970م تبيّن أن عدد الأجانب في بيروت خاصة ولبنان عامة بلغ نحو 200,000 نسمة (مئتي ألف نسمة) 90% منهم عرب والباقي أجانب، وهذا العدد لا يشمل اللاجئين الفلسطنيين، وأظهر التحقيق الإحصائي عام 1970م أن عدد القادمين إلى مدينة بيروت من خارجها يصل إلى حوالي 176,475 نازحاً مولوداً خارجها، أي بنسبة 37,2 % من جملة سكانها في تلك السنة البالغ 475,000 نسمة. ويرتفع هذا الرقم في ضواحي العاصمة ليصل عدد القادمين إليها حوالي 258,550 نازحاً أي بنسبة 55,7%  من سكان هذه الضواحي.

 

ولما أصبح عدد سكان بيروت حوالى المليون نسمة فمعنى ذلك أن نصف سكانها أي 435,025 نسمة من النازحين إليها من مختلف المناطق اللبنانيّة.

 

ويلاحظ أن أكثر النازحين إلى بيروت هم بالدرجة الأولى من سكان جنوب لبنان ومن سكان جبل لبنان. وهم مع سكان بيروت يستأثرون بالأنشطة الإقتصاديّة في لبنان، حيث يمثلون 70% من جملة العاملين في هذه الأنشطة.