النقود العربية الاسلامية

النقود

لغة: النَّقْدُ والتَّنْقادُ: تمييز الدراهم وإخراج الزَّيْفِ منها  فأنشد سيبويه:

تَئْفي يداها الحَصَى، في كلِّ هاجرةٍ نَفي الدَّنانير َتنْقَادُ الصَّياريف

وقد نَقَدَها يَنْقُدُها نَقْداً وانتقدها وتَنَقَّدَها، ونَقْده إياهَا نَقْداً: أعطاها، فانتقدها أي قبضها. ونقدتُ له الدراهم أي أعطيته.

واصطلاحاً: عُرِفَ استعمال المقطعات المعدنية كوسيلة من وسائل التبادل منذ أمد بعيد، إلى جانب وسيلة المقايضة.

والنقد من حيث اشتماله على وزن معين وقيمة معروفة للتبادل فقد تأخر إلى القرن السابع قبل الميلاد، وأول إشارة إلى أمة عرفت النقد الأمة اللوذية في الأناضول حوالي سنة 640 ق. م صنعوه من سبيكة طبيعية، وجد فيها كمٌّ من الذهب مخلوط بكم من الفضة.

ومن اللوذيين تعلمت أمم كثيرة في الشرق والغرب النظام النقدي وضرب النقود، فضرب الأثينيون نقوداً من معادن مختلفة من الفضة وسموها (دارخمة) وضرب الفرس (الدارك).

أما عن النظام النقدي قبل الإسلام: فهناك إشارات في القرآن الكريم عن ذلك فيقول تعالى:

] وشروه بثمن بخس دراهم معدودة [ (يوسف 20) ] ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما [ (آل عمران 75) فالدراهم هي العملة المتداولة قبل الإسلام وهى فارسية  وذلك لأن قاعدتها الفضة، في حين أن النقد البيزنطي قاعدته الذهب.

والدراهم الفارسية التي عرفتها المنطقة تتمثل في:

ا- نوع أطلق عليه الدراهم البغلية، وكان وزنه عندهم عشرين قيراطاً.

2- درهم ثان كان وزنه أقل، حيث لم يتعد أتثنى عشر قيراطاً.

3- درهم ثالث كان وزنه عشرة قراريط فقط (وهو الطبري)

- وقد أشار مؤرخو العرب المتعرضون لقضية النقد إلى هذه الدراهم، فيقول المقريزي: عن الدرهم البغلي إنه كان يقال له الوافي ووزنه وزن الدينار.

وقد انفرد ابن خلدون بالإشارة إلى نوعين آخرين من الدراهم عرفهما العرب هما الدرهم المغربي والدرهم اليمنى.

أما النظام المالي في صدر الإسلام: فقد أقرَّ رسول الله r النظام المالي الذي كان يتبعه العرب قبل الإسلام، وسار أبو بكر الصديق على نفس السُّنَّة وحتى فترة من خلافة عمر بن الخطاب t. ولكن عندما اصطدمت الخلافة الإسلامية بأنظمة نقدية ثابتة في كل من فارس والشام ومصر، مما استتبع ضرورة التعامل مع هذه الأنظمة النقدية بنظام نقدي، فأظهرت الحاجة ضرورة وجود عملات تضربها الدولة الإسلامية، فظهرت عملات عمر بن الخطاب.t

وقد انقسم نقد الخلفاء الراشدين قسمين: الأول: قسم ذو نمط أجنبي خالص في الشكل والنقش واللغة.

والثاني: قسم عليه نقوش عربية بالإضافة إلى النقوش الكسروية بإضافة ( لا  إله إلا الله) وعلى آخر (رسول الله) وعلى آخر (عمر) أما عثمان بن عفان t فقد اكتفي بنقش (الله أكبر).

أما النظام النقدي زمن الدولة الأموية: فيمتاز في عهد معاوية ومن بعده بسمة خاصة، هو اتخاذه نقشًا جديدا على الوجه لشخص واقف يمسك سيفاً، ويرتدى رداء  طويلاً، وغطاء رأس يدوي يـغطى الكتفين.

أما معدن النقد الذي ضربه معاوية، فإنه النحاس والفضة والذهب، أما المعدنان الأولان فهما امتداد لما ضرب في عهد الراشدين قبله.

ويعتبر عبد الله بن الزبير أول من دور الدرهم أي: ضربها بصورة مدورة جيدة.

أما النقد زمن عبد الملك بن مروان فقد جرى بعدة مراحل:

ا- نقد بدون اسم، وبدون لقب الخلافة.

2- نقد يحوى لقب الخلافة فقط.

3- نقد يحوى اسم الخليفة ولقبه الخلافي.

4- نقد مؤرخ.

ثم في سنة 73 هـ بدأت الجهود المركزة لإنشاء عملة إسلامية بحتة، تغطى احتياجات المتداولين.

وفي العصر العباسي أذن الخلفاء لعمالهم، في وضع أسمائهم مع أسمائهم على النقود.

وهكذا ضربت النقود الإسلامية في كل عواصم الإسلام، وفي أشهر مدنها في العراق والشام والأندلس وخراسان وصقلية والهند وغيرها، وهى تختلّف رسماً وسعة باختلاف الدول الإسلامية ،وكانت  الكتابة على النقود تنقش بالحرف الكوفي ، ثم تحولت إلى الحرف النسخي الاعتيادي سنة 621هـ في أيام: العزيز محمد بن صلاح الدين الأيوبي بمصر .

ويظهر من العملات التي عثروا عليها أنهم لم يكونوا يذكرون اسم البلد الذي ضربت النقود فيه إلى أوائل القرن الثاني الهجرة .وكانوا إذا ذكروا تاريخ الضرب سبقوه بلفظ "السنة" ثم أبدلوها بلفظ"عام" فكانوا يقولون شهور سنة  كذا أو في أيام  دولة فلان وكان يكتب التاريخ أولاً بالحروف، ثم كتب بالأرقام.

أما مقدار ما كان يضرب من النقود فيتعذَّر تقديره إلا أن المقرىّ ذكر أن دار السكة في الأندلس بلغ دخلها من ضرب الدراهم والدنانير على عهد بنى أمية في القرن الرابع للهجرة 00و200 دينار في السنة وصرف الدينار17 درهمًا. فإذا اعتبرنا هذا الدخل باعتبار واحد في المائة عن المال المضروب، بلغ مقدار ما كان يضرب في الأندلس وحدها من ممالك الإسلام 000، 000، 20 دينار أو نحو عشرة ملايين جنيه.

نتداولها كل يوم وكل وقت، نشترى ونبيع، نحسب بها مقدار الربح أو الخسارة، نخاف عليها ونوفرها.. ونحتاج إليها فنُنْفق منها.. تلك هي النقود في عصرنا الحالي وليس لها معنى أو مدلول آخر فهي المادة فحسب، ولكنها لم تكن هكذا من قبل وإنما ظهرت ونشأت وتطورت مثلها مثل سائر الفنون في العهود الإسلامية.

 فلقد اتسعت الفتوحات العربية الإسلامية خلال القرنين الأول والثاني للهجرة بشكل كبير لم يسبق له مثيل في التاريخ، وما إن أشرف القرن الثاني الهجري على الانتهاء حتى سيطر المسلمون على معظم أرجاء العالم القديم، وامتدت منطقة نفوذهم من الهند حتى الأندلس، ومن آسيا الوسطى حتى أواسط إفريقيا، وقد نتج عن اتساع رُقْعة الفتوحات هذه نشاط تجارى كان من متطلباته توافر نَقْد مضمون موثوق به، وقد استمر المسلمون منذ سنة 622م. حتى عهد عمر بن الخطاب يتداولون النقود التي كانت سائدة في العهد القديم.

وقد جاء على وجه هذا الدرهم صورة لكسرى وإلى يمينها دعاء بازدهار الملك، وإلى جانب النقود الساسانية تداوَل المسلمون الدينار البيزنطي لنفوذه الواسع في العالم القديم.

النقود في العهد الأموي

ظلَّت النقود على نفس أوصافها في أوائل العهد الأموي حتى أيام عبد الملك بن مروان، وقد قام هذا الخليفة الأموي بتعريب النقود فأصدر عام 79 للهجرة دينارًا عربيًّا متحررًا من الصور الساسانية والبيزنطية يحمل كتابات عربية بالخط الكوفي على الوجه والخلف. وفي وسط الوجه كتبت عبارة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وحولها ما نصُّه "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"، أما الخلف فقد نقش في وسطه الآية: "الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد" تحيد بها عبارة: (بسم الله ضرب هذا الدينار سنة تسع وسبعين)، وقد نقشت جميع الكتابات بالخط الكوفي غير المنقوط. 

كان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (685-705م) أول من أمر بسك النقود العربية، فسكت في دمشق بين 691-694م . ظهرت على هذه النقود أشكال ثلاثة أعراب يرتدون الزي العربي وجاءت الكتابة عليها بالعربية . وكانت النقود التي استعملها العرب قبل خروجهم من الجزيرة قليلة الانتشار بين الناس، وفي معظمها بيزنطية وساسانية منقوشة بنقوش وأحرف بيزنطية وفارسية . وكانت تحمل صور الحكام من بيزنطيين وساسينيين.

أعتمد الأمويون على العمال المهرة في سورية في سك نقودهم . وكان هؤلاء قد تمرسوا بهذا العمل منذ زمن بعيد . وسكت النقود الجديدة من الذهب والفضة والنحاس. وجاءت في مراحلها الأولى متأثرة بالفن البيزنطي ثم تطورت لتأخذ شكلاً يترافق مع الفن الإسلامي كأن تحمل صور محراب في مسجد أو صورة خليفة يؤدي الصلاة راكعاً . وسرعان ما زالت صور الخليفة عن النقد تمشياً مع روح الإسلام، وحل محلها بدءاً من سنة 696-7م الخط العربي . ويمكن القول أن النقد العربي الإسلامي الصرف بدأ مع سك هذه النقود في أو أخر القرن السابع ميلادي . وكان شكل الدينار بسيطاً ، ديني الطابع ، يحمل تاريخ سكه . واللافت أن الخط كان يتوسط النقد تحيط به دائرة تحمل هي أيضا كتابات وأشكال وتواريخ . وبقي هذا النمط متبعاً حتى القرن الثالث عشر ميلادي .

ظلّ حجم وشكل الدينار الإسلامي الذي سك منذ بدء الخلافة الأموية سائداً حتى في أيام العباسيين ، مع فوارق قليلة طرأت على الخط إذ أصبح أيام العباسيين أطول امتداداً، وبخاصة في قفا الدينار . وظلّ المد والتطويل للخط على الدينار حتى القرن التاسع ، حتى اصبح بمقدور المرء أن يعرف فترة سك الدينار من دون قراءة تاريخه . فالأحرف التي مدت في الدينار العباسي جعلته يتميز بعض الشيء عن الدينار الأموي . وكان الخط الذي استعمل في هذا الدينار هو الخط الكوفي ، نسبة إلى مدينة الكوفة العراقية .

طرأ تغير كبير على حجم الدينار وشكله في زمن المأمون (813-833م) فأخذت العملة شكلاً عباسياً صرفاً بعد أن أضيفت أسماء الخلفاء على الدينار الذهبي والفضي . وفي بعض الحالات أضيف اسم ولي العهد ، بينما غابت أسماء الحكام المحليين الذين ظهرت أسماؤهم على الدينار في فترات سابقة . وأصبحت في عهد المأمون العملة العباسية أما ديناراً ذهبياً أو درهماً فضياً . وبقي هذا النمط سائراً حتى احتلال المغول لبغداد سنة 1258م . أما مسلمو الشمال الأفريقي والأندلس فلم يسلكوا مسلك المأمون وظلوا يستعملون الشكل العباسي القديم . ففي سنة 929 م سك الخليفة عبد الرحمن الناصر في قرطبة نقداً يتبع التقليد العباسي ، بحيث ظلت الأحرف طويلة ممتدة . أما المرابطون فسكوا نقوداً ذهبية في القرن الحادي عشر مميزة إلى درجة أن الملك الأسباني في توليدو قلدها . وكان الخط العربي المنقوش على دينار المرابطين واضحاً متماسكاً ودقيقاً. أما في مصر، فقد حافظ الدينار على الشكل والخط العباسي وحمل اسم الحاكم وتاريخ الإصدار .

النُّقود في العصر العبَّاسي

لم يُحْدِث العباسيون في بدء عهدهم تغييرًا هامًّا فهي نسق الصًّكِّ الأموي، فقد اختلف الدينار العباسي عن باقي الدنانير بالعبارة التي جاءت في الدائرة الوسطى في الوجه الخلفي للدينار والتي نقش فيها "محمد رسول الله – علي".

وشهد الدينار العباسي تبديلاً منذ القرن الثالث عشر وبدأ يحمل أشكالا غير مألوفة من قبل، كرسم للسيف في إشارة إلى سيف الحاكم، أو القوس والنشاب الذي كان شعار العائلة المالكة السلجوقية . وكذلك حملت بعض النقود التي كان يوزعها الحكام هدايا وتقديمات ، حملت صوراً لأشكال متعددة كالأشخاص والحيوانات .

ظلّ الدينار الفاطمي الأول على بساطة الدينار الأموي الأول ، عاكساً تمسك الفاطميون بالتقاليد الدينية الصارمة . ورغم بعض التطوير الذي طرأ على هذا الدينار فانه ظل يحافظ على شكله الدائري والخط المنقوش من دون الأشكال . وقد اتبع الأيوبيين وبعض الصليبيين النمط الأموي .

لما خرج الموحدون، وهم حركة متشددة، من صحرائهم في جنوبي المغرب واحتلوا الشمال الأفريقي وبعض الأندلس جعل قائدهم الأول عبد المعين (1130-1163م ) الخط ضمن مربع في وسط الدينار محاطاً بدائرة وأضاف بعض الخطوط المنقوشة بين المربع والدائرة، وكتب الخط لأول مرة بالنقشي. كما ادخل الموحدون تطويراً على الدينار الفضي إذ جعلوه طويل الشكل . ورغم أن حكم الموحدين لم يطل ، فان السلالات التي حكمت المغرب بعدهم ظلت تعتمد دينار الموحدين حتى ظهور العثمانيين في القرن السادس عشر . وكان النقد في سورية واليمن وأفغانستان قد قلّد دينار الموحدين في اعتماده المربع داخل الدائرة . فقد سكت دنانير سورية أيام صلاح الدين تشابه دينار الموحدين ، وظلت تسك الدنانير السورية على هذا الشكل طيلة قرن من الزمن .

أما في مصر ، فظل الدينار على شكله الأساسي حتى القرن الرابع عشر. وفي القرن الخامس عشر ظهر دينار مصري ذهبي يدعى "الاشرفي" . وكان هذا الدينار يزن 3.5 غراماً ، فأصاب نجاحاً وشعبية دعت سلاطين بني عثمان وشاه إيران إلى تقليده . وبقي الإيرانيون يستعملونه باسمه المصري " الاشرفي " ، نسبة إلى الملك الاشرف برسباي (1422-1437م).

النقود العربية السَّاسَانية

ضربت هذه النقود في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت تحمل إلى جانب صور الملوك الساسانيين عبارات إسلامية "بسم الله، وبسم الله ربي، أمير المؤمنين" ويمثل الوجه صورة أحد الملوك وقد نقش على المحيط بالخط الكوفي البدائي: "بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله"، أما الخلف فتظهر فيه صورة محراب ضَمَّنَه رمح على جانبيه لفظ "الله"، و"نصر" وإلى يمين المحراب عبارة "خليفة الله" وإلى يساره "أمير المؤمنين".

النقود في العصر الطولوني

حكمت الأسرة الطولونية بلاد مصر ما يقرب من أربعين عاماً وفي شكل رقم (3) دينار ذهبي ضربه هارون بن خمارويه.

وقد جاء في وسط الوجه من الدينار "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وقد بدا طوقان من الكتابة، أما الطوق الأول فينص على العبارة: "بسم الله ضرب هذا الدينار بمصر سنة خمس وثمانين ومائتين"، وينص الطوق الثاني على الآية: "لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله"، وقد وردت جميع الكتابات بالخط الكوفي غير المنقوط أيضا.

النقود في العهد الفاطمي

لقد تميزت النقود التي ضربت في العهد الفاطمي بشكل عام بصعوبة قراءة نقوشها ووفرة أطواقها.

فأما الكتابات على الوجه  فهي الطوق الأول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله". وفي الطوق الثاني: "محمد خير المرسلين عليٌّ أفضل الوصيين". والطوق الثالث: "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله"، وهكذا عدد من الأطواق في الخلف أيضا مما جعل تلك النقوش صعبة القراءة من كثرة الأطواق بها.

النقود في عهد السلاجقة

المعروف أن السلاجقة أسرة تركية اتسع نفوذها حتى عمّ جميع البلاد الإسلامية في آسيا الصغرى طيلة قرنين. وكان الملاحظ على الكتابة التي نقشت على الدينار السلجوقي أنها كانت أول كتابة نقشت بخط الثلث بعكس سائر النقود التي نقشت بالخط الكوفي دون غيره. 

النقود في عهد العثمانيين

كتبت هذه النقود سواء منها الذهبية أو الفضية أو المعدنية في مختلف عهود الحكم العثماني بالخط الثلث المقروء بسهولة تامة، وقد كان هذا هو التطور الطبيعي بعد أن نقشت الكتابات في عهد السلاجقة لأول مرة بالخط الثلث أيضا، وقد كانت الليرات العثمانية الذهبية قي