خسرو الفارسي 

إسمه ناصر خسرو القبادياني المروروزي ، سافر من بلاده سنة 437هـ 1035م وترك لنا وصفاً عن بيروت باللغة الفارسية في كتابه (كتاب السفر) أو بالفارسية (سفرنامه) ، ومما قاله خسرو في كتابه المذكور:

( ..... وسرنا من جبيل إلى بيروت . وقد رأيت فيها قوساً من حجر والطريق تحته ، وقدرت أن علوه خمسون كزّاً (الكزّ مقياس فارسي)، وسمكه بحيث لا يستطيع رجلان أن يحيطا به إلا بصعوبة. وقد بني على هذه الدعائم حنايا من الصخر الضخم لا تلتئم أجزاؤها بملاط ولا بجبس. وقد قام القوس الأعظم في الوسط ويزيد علوه على الحنايا خمسين أرشاً (الأرش مقياس فارسي) وقدرت أن علو كل حجر من الحجارة التي يتألف منها سبعة أرشات في عرض أربعة، ووزنه نحو سبعة آلاف مَنْ (المن من الأوزان الفارسية) وقد نقشت جميع هذه الأحجار وزينت بنقوش بديعة قلما يشاهد مثلها مثيل حتى في الصور على الخشب. ولم يبق من بناء في جوار هذا المصنع. وقد سألت عن ذلك فأُجبت أن هذا البناء كان بناء حديقة فرعون. وأن تاريخه قديم للغاية. وجميع السهل المجاور له تغشاه عمدٌ وسوارٍ وتيجان منقوشة من الرخام النحيت. ومنه المدور والمربع والمسدس والمثمّن. والحجر من الصلابة بحيث لا يعمل فيه الحديد. وليس في الجوار من جبل حتى يقال إنه استخرج هذا الحجر منه. وهناك حجر آخر يظهر أنه صنعي. والحديد لا يلفه أيضاً .... ).

 

 

وإنه ليغلب الظن أن القوس وما حوله من الأعمدة مما أشار إليه خسرو الفارسي هو أحد أبواب بيروت القديمة الذي اشتهر عند أهل القرن التاسع عشر باسم (باب الدركة) وكان يقوم قرب الأعمدة الموجودة اليوم في رأس درج خان البيض بمحاذاة شارع الأمير بشير شمالي اللعازارية.

وأما باقي الأعمدة التي صادفها السائح خسرو فقد أشار إليها صالح بن يحيي في كتابه (تاريخ بيروت) حيث قال:

(.... بيروت مدينة قديمة جداً يستدل على قدمها من عتق سورها ، ومع عتقه فهو محدث عليها ، اتخذه الأقدمون من خرائب كانت متقدمة أقدم بمدد كثيرة لأننا نجد في السور المذكور قواعد من الرخام وأعمدة كثيرة من الحجر المانع ...).

إلى أن يقول: (... ومما يستدل على كبر بيروت وسعتها ما يجده الناس في الحدائق بظاهرها من الرخام وآثار العمائر القديمة ما طوله قريب من ميلين ....).