أرتيمي رافالوفيتش

تقارير طبيب روسي أرسل إلى الشرق

 

بيروت أو تيريتوس القديمة {1} تربض على الطرف الشمالي لشريط واسع من الأرض متوغل عمقاً لمسافة ثلاثة أو أربع فرستات في البحر خارج الخط الساحلي لسوريا والمتجه من الشرق إلى الغرب، يتألف هذا الشريط إلى حد من سلسلة تلال تنتشر في الاتجاه نفسه وهي منفصلة عن سلسلة جبال لبنان الممتدة من الجنوب إلى الشمال بمحاذاة ساحل من الجزء من سوريا.

بني قسم من بيروت على منحدرات الطرف الشمالي الغربي للتلال المذكورة أما الجزء الآخر فأقيم قرب قعر تلك التلال على ساحل الخليج الذي يحدّ ذلك الطرف.

الأمواج البحريّة تغسل أساسات البيوت المبنيّة على شاطئ البحر مباشرة. والمدينة محاطة من جميع نواحيها، خاصة من الجهة الجنوبيّة والجنوبيّة الشرقيّة، برمال عميقة بنيّة غامقة اللون قابلة للتمدّد باتجاه المدينة بصورة خطيرة.

 

ومنذ العصور القديمة أتخذ تدبير ناجح لمكافحتها تمثل بغرس أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر العالية المميّزة والتي تعيش جيداً هنا فشكّلت غابة لا يستهان بها تفصل المدينة عن الكثبان الرمليّة القائمة بين البحر والجبل. ويعود الفضل الأول في زرع هذه 146الغابة  لأمير الدروز المعروف فخر الدين المعني الثاني، النباتات في ضواحي المدينة خاصة خارج الكثبان الرمليّة، متشابهة تقريباً وهي تتشكل في شمال المدينة من أشجار التوت وحدها، وفي جنوبها من مزارع واسعة من شجر الزيتون. وبين هذه وتلك تجد بعض أشجار النخيل العالية التي لا تعطي ثمراً لكنها رائعة الجمال، غضّة وزاهية الألوان، لو نظرت إلى المدينة من أعلى الجبال المجاورة لألقيتها ملتفة ببساط أخضر كثيف يرتاح إليه النظر الذي أتعبه مناظر الصخور الجرداء التي تشكل الجزء الأكبر من جبل لبنان.

 

بين مزارع التوت الذي تقوم عليه زراعة التوت لإنتاج الحرير والتي تشكّل بدورها أهم فروع الصناعة في هذه المنطقة، بنيت منازل خاصة بالمنتجين بلغ عدد سكانها الذين يعيشون فيها حوالي 15000 نسمة من الذكور والإناث، فهم بذلك أكثر عدداً من سكان المدينة نفسها الذين لا يزيد عددهم على عشرة آلاف أو أثني عشر ألف نسمة من الجنسين.

 

بيروت محاطة بسور 23 تقفل أبوابه أثناء الليل. نمط العمارة الخارجي في بيروت والتقسيم الداخلي للمساكن فيها شبيهة بنمط حياة السكان أنفسهم، فهم لا يتميّزون بشيء عما شاهدته في غيرها من مدن سوريا، يحيط بالمدينة شريط واسع من مدافن 168 المسلمين، ملتصق بأسوار المدينة مباشرة، أما مدافن المسيحيين فتقع في أماكن أبعد قليلاً.

 

بين المؤسسات الطبيّة في بيروت هناك المستشفى العسكري الذي يضّم من 70 إلى 80 سريراً، يقع هذا المستشفى خارج أسوار المدينة القديمة ويعمل بصورة جيّدة، النظافة ملحوظة فيه كما في غيره من المستشفيات العُثمانيّة من هذه الفئة، عندما زرت المستشفى لم يكن عدد المرضى يزيد فيه على العشرين على أسرة خشبيّة قريبة بعضها من البعض الآخر، ولم أجد فيه أية حالات مرضيّة غير عادية أو تسترعي الانتباه، طبيب المستشفى عُثماني يحمل رتبة أميرالاي.

 

{1} عُرفت بيريتوس القديمة كمدينة فينيقيّة ومرفأ منذ النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد، في العصر الهليني الروماني في القرنين الثالث والرابع للميلاد كانت بيروت مركزاً تجارياً وحرفياً هاماً.