العبَّاس بن عبَد المطَّلِبْ   

 {عم رسول الله صلى الله عليه وسلم}        
 

قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه ، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم. فالله أعلم.

وليس هو في عداد الطلقاء، فإنه قد قدم إلى النبي صلى الله عليه سول قبل الفتح، ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب.

قدم الشام مع عمر.

 ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين.


قلت [ أي الذهبي ]: كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتاً، مع الحلم الوافر، والسؤدد.

 عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.

قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم.

وكان يمنع الجار، ويبذل، ويعطي في النوائب.

ونديمه في الجاهلية هو أبو سفيان بن حرب.


عن البراء، أو غيره، قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس، وقد أسره، فقال: ليس هذا أسرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد آزرك الله بملك كريم).

بنوه الفضل – وهو أكبرهم – ، وعبد الله البحر، وعبيد الله، وقثم – ولم يعقب – وعبد الرحمن – توفي بالشام ولم يعقب ومعبد – استشهد بافريقية – وأم حبيب، وأمهم: أم الفضل لبابة الهلالية، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي:

ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه أو سهل
كستة من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلة وكهل


ومن أولاد العباس: كثير – وكان فقيهاً –، وتمام – وكان أشد قريش – وأميمة، وأمهم أم ولد. والحارث بن العباس، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية. فعدتهم عشرة.

 

عن المطلب بن ربيعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عم الرجل صنو أبيه، من آذى العباس فقد آذاني).
وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذاً بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم وثبت معه حتى نزل النصر.


عن ابن عباس، أن رجلاً من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقال: (أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله) ؟ قالوا: أنت. قال: (فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا)، فجاء القوم فقالوا: نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله.


وثبت من حديث أنس: أن عمر استسقى فقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به، وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس.

وفي ذلك يقول عباس بن عقبة بن أبي لهب:

بعمي سقى الله الحجاز و أهله عشية يستسقي بشيبته عمـر
توجه بالعباس في الجدب راغبا إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسـول الله فينا تراثــه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخـر

 

قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع، وذلك في آخر الليل، فينادينهم فيسمعهم، والغابة نحو من تسعة أميال.


 
قلت [ أي الذهبي ] : كان تام الشكل، جهوري الصوت جداً، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة.

 

قلت [ أي الذهبي ]: لم يزل العباس مشفقاً على النبي صلى الله عليه وسلم محباً له، صابراً على الأذى، ولما يسلم بعد، بحيث أن ليلة العقبة عرف، وقام مع ابن أخيه في الليل، وتوثق له من السبعين، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرهاً، فأسر، فأبدى لهم أنه كان أسلم ثم رجع إلى مكة، فما أدري لماذا أقام بها.

 ثم لا ذكر له يوم أحد، ولا يوم الخندق، ولا خرج مع أبي سفيان، ولا قالت له قريش في ذلك شيئاً، فيما عملت. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً قبيل فتح مكة.
 
وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه. فقال له: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه. فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.


وقد عاش ثمانياً وثمانين سنة. ومات سنة اثنين وثلاثين، فصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع.

وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء.

وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى وقتنا هذا، وذلك ست مائة عام، أولهم السفاح.


مصدر الدراسة:
نزهة الفضلاء 1/109