عبد الله بن مسعود

الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي ، المكي ، المهاجري ، البدري ، حليف بني زهرة .
كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين  .
شهد بدراً ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علماً كثيراً .
عن الأعمش ، عن إبراهيم : كان عبد الله لطيفاً فطناً ، قلت –أي الذهبي- : كان معدوداً في أذكياء العلماء  .

وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين .
عن نويفع مولى ابن مسعود قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوباً أبيض ، وأطيب الناس ريحاً  .
قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة و ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا  .
عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا ، فقلت : يا رسول الله ! علمني من هذا القول ، فمسح رأسه وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .
عن يحي بن عروة بن الزبير، عن أبيه قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود  .
عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود .
عن أبي الأحوص : سمعت أبا مسعود وأبا موسى حين مات عبد الله بن مسعود وأحدهما يقول لصاحبه : أتراه ترك بعده مثله ؟ قال : لئن قلت ذاك ، لقد كان يؤذن له إذا حجبنا ، ويشهد إذا غبنا  .
وعن أبي موسى قال : قدمت أنا وأخي من اليمن ، فمكثنا حيناً ، وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة دخولهم وخروجهم عليه  .
عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذنك علي أن ترفع الحجاب ، وتسمع سوادي حتى أنهاك ) ، وعنه قال : لما نزلت { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح } ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قيل لي : أنت منهم ).
عن أبي وائل : كنت مع حذيفة، فجاء ابن مسعود ، فقال حذيفة : إن أشبه الناس هدياً ودلاً وقضاء وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع ، لا أدري ما يصنع في أهله ، لعبد الله بن مسعود ، ولقد علم المتهجدون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

عن أبي الأحوص قال : أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الأنصاري ، وهم ينظرون إلى مصحف ، فتحدثنا ساعة ، ثم خرج عبد الله ، وذهب ، فقال أبو مسعود : والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحداً أعلم بكتاب الله من هذا القائم.

عن مسروق قال عبد الله : والله الذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة ، ولو أعلم أحداً بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته.

عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بين أبي بكر وعمر ، وعبد الله قائم يصلي فافتتح سورة النساء يسجلها – أي يقرؤها قراءة مفصلة – فقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد ) ، فأخذ عبد الله في الدعاء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سل تعط ) ، فكان فيما سأل : اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ، ونعيماً لا ينفد ، ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، في أعلى جنان الخلد ، فأتى عمر يبشره ، فوجد أبا بكر خارجاً قد سبقه ، فقال: إنك لسباق بالخير  .
عن أم موسى : سمعت علياً يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ، فصعد شجرة يأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله فضحكوا من حموشة ساقيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تضحكون ؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد ).

عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد ).
عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ علي القرآن. قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه
سورة النساء حتى بلغت : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } النساء 41، فغمزني برجله ، فإذا عيناه تذرفان .
قال عمرو بن العاص في مرضه ، وقد جزع ، فقيل له: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدنيك ويستعملك ، قال: والله ما أدري ما كان ذاك منه ،أَحُبٌّ أوكان يتألفني ، ولكن أشهد على رجلين مات وهو يحبهما: ابن أم عبد ، وابن سمية.
عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودَلَّه وسمته، وكان علقمة يشبّه بعبد الله.
عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عماراً أميراً ، وابن مسعود معلماً ووزيراً ، وهما من النجباء ، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، من أهل بدر ، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .
عن زيد بن وهب قال: لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالمجيء إلى المدينة، اجتمع إليه الناس ، فقالوا: أقم فلا تخرج ، - بسب الخلاف المشهور بينهما بسبب تحريق المصاحف - ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه . فقال: إن له عليّ طاعة ، وإنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن أكون أول من فتحها . فرد الناس وخرج إليه.
عن عبد الله قال: كُنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم تعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيها ، يعني من العلم.
عن أبي البختري قال: سُئل عليُّ عن ابن مسعود ، فقال: قرأ القران ثم وقف عنده ، وكُفي به ، وروي نحوه من وجه آخر عن علي ، وزاد : وعلم السنة .
عن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب ، إذ جاء ابن مسعود ، فكاد الجلوس يوارونه من قصره ، فضحك عمر حين رآه ، فجعل عمر يكلمه ، ويتهلل وجهه ، ويضاحكه وهو قائم عليه ، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى ، فقال: كُنَيف ملىء علماً .

عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل ، فقال: ارفع إزارك ، فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك ، قال: إن بساقيّ حموشة وأنا أَؤم الناس . فبلغ ذلك عمر ، فجعل يضرب الرجل ، ويقول: أَترد على ابن مسعود؟
عن أبي عمرو الشيباني : إن أبا موسى استفتي في شيء من الفرائض ، فغلط ، وخالفه ابن مسعود ، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم .
عن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عليّ ، وعمر ، وعبد الله ، وزيد ، وأبي الدرداء ، واُبيّ ، ثم شاممت الستة ، فوجدت علمهم انتهى إلى عليّ وعبد الله .
عن مسروق قال: حدثنا عبد الله يوماً فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرعد حتى رعدت ثيابه ، ثم قال نحو ذا أو شبيهاً بذا.
عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيون قام فسمعت له دوياً كدوي النحل .
عن القاسم بن عبد الرحمن : أن ابن مسعود كان يقول في دعائه: خائف مستجير ، تائب مستغفر ، راغب راهب .
قال عبد الله بن مسعود:لو سخرت من كلب ، لخشيت أن أكون كلباً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا.
عن عبد الله قال: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .
عن أبي ظبية قال: مرض عبد الله فعاده عثمان وقال: ما تشتكي ؟ قال: ذُنوبي ، قال: فما تشتهي ؟ قال: رحمة ربي ، قال: ألا آمر لك بطبيب ؟ قال: الطبيب أمرضني . قال: ألا آمر لك بعطاء ؟ قال: لا حاجة لي فيه.


مات ابن مسعود بالمدينة ، ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين .
عاش ثلاثاً وستين سنة .