إن الأرض التي تسمَّى اليوم المصيطبة، كانت امتدادا صخريّاً لما كان يُسمى البريّة، وكانت هذه الأرض، كما هي اليوم، مرتفعة عن مستوى المدينة القديمة وبعيدة عن حدودها البحرية، فلما حرر المماليك السواحل الشامية من الاحتلال الصليبي عام 1291م على يد القائد سنجر الشجاعي الذي أرسله لهذه الغاية الملك الأشرف خليل ، أمر هذا السلطان المملوكي بتحويل مدينة بيروت إلى قاعدة بحرية عسكرية، لكي تنطلق منها عساكره لاستعادة قبرص من الإفرنج الذين كانوا يوالون عدوانهم على المدن الساحليّة.

 وفي هذا العهد بدأ العمران يدّب في صخور المصيطبة الحاليّة وأخذت هذه الصخور تكتسي بالقصور والعمارات السكنيّة، ولا بد أن أهل زماننا والأجيال من بعدنا سيستبد بهم العجب وتأخذهم الدهشة عندما يقرأون بأن المصيطبة كانت ترسانة بحرية حربيّة.

 ولكن المصيطبة ما لبثت أن تحولت إلى بلدة قائمة بذاتها مستقلة عن بيروت القديمة، وتنفصل عنها بمسافة غير قليلة.

 ومع مرور الزمن بدأت ترتفع فيها عمارات الأمراء المماليك وأعوانهم من قواد الجيش ورجال السلطة ومعهم الأعيان والوجهاء من أبناء البلد المحليين، ثم أصبحت هذه المنطقة خاصة بأولئك النخبة، وتخلت عن إسمها القديم (مسطبة بيدمر) لتأخذ إسماً جديداً مستمداً من مستوى القاطنين فيها وهذا الاسم هو منزلة السلاطين، بل إن بعض أعيان بيروت كانوا يشيدون فيها قصورهم التي ما يزال البعض موجوداً فيها مثل: قصر آل سلام وقصر آل بيهم الذي كان يسكنه محمد جميل بك بيهم، العالم المؤرخ المعروف.

 وبعد نقض سور بيروت القديمة وفتح أبوابها المحصنة بالحديد الذي تحصن به أحمد باشا الجزّار، أخذت العمارة تنطلق في قرية المصيطبة من مساكن وبيوت في الأراضـي المحيطة بأطرافها التي تحولت منذ ذلك الحين إلى حيّ من أحيائها الرئيسيّة.

 وبدأت الأبراج ترتفع في المصيطبة، ومن أقدمها:

* برج آل الطيّارة

* برج آل عليوان

* برج آل سلام 

* برج آل بيهم

* برج آل العريس

    وغيرها. 

الأبراج من المصطلحات البيروتيّة القديمة والتي تعني العمارات الضخمة التي كان الأثرياء من أهل بيروت يشيدونها لتضم أفراد عائلاتهم وتتسع لاستقبال حالات الزواج التي كانت تنتظر أبناءهم، لأن العادة في تلك الأيام كانت تقضي بأن يبقى الذكور في برج أبيهم بعد زواجهم، لا ينفصلون عن مشاركة أسرهم في حياتهم العائليّة بالرغم من زواجهم.

 وبدأ أهل المصيطبة ببناء الجوامع وأول من حمل لواء الدعوة إلى بنائها كبير آل الطيّارة في ذلك الحين الحاج إبراهيم طيّارة.