تقي الدين الراصد

(927-993هـ / 1521 -1585م)  

هو تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد بن محمد، مهندس ميكانيكي وفلكي ورياضي اشتهر في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي. ولد في دمشق عام 927هـ/1521م. في بيت علم، فكان أبوه قاضيا، ودرس هو كذلك علوم عصره وأصبح قاضيا مثل أبيه.

درس تقي الدين في دمشق علوم الأوائل، وكان مغرما بمطالعة كتب الرياضيات إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علما وعملا، واطلع على أسرار نسب أشكالها وخطوطها، بالإضافة إلى دراسته للأشكال والتسطحات الهندسية، وكتب الحيل الدقيقة وعلم الميزان وجر الأثقال. وكان مع ذلك ملاحظا لمعرفة الأوقات ليلا ونهارا بكثير من الآلات وكان من أخصها عنده البنكامات الدورية.

 عكف تقي الدين على دراسة الساعات وتأملها حتى وصل فيها شأوا كبيرا أو كما يقول هو "إلى أن انتقش عندي ما فيها من الرسوم وظهر لي جميع أصولها المبنية عليها من ظاهر ومكتوم، وصار عندي من ذلك ما لم يجتمع لأحد ممن يتعاطى هذا الفن في ديار الإسلام ولم يشتهر به بشر من الخواص والعوام". وحتى لا يضيع هذا العلم بسبب انشغاله بأمور أخرى فقد دون تقي الدين ذلك كله في كتابه الكواكب الدرية في البنكامات الدورية. ولكن نبوغ تقي الدين في علم الميكانيكا فاق العلوم الأخرى فاخترع عددا من الآليات أوردها كلها في كتابه الطرق السنية في الآلات الروحانية . ومن جملة هذه الآلات ما أورده في عام 953هـ / 1546 م، أثناء وجوده في القسطنطينية مع أخيه الأكبر أنهما صمما معا "آلة لتدوير السيخ الذي يوضع فيه اللحم فيدور من نفسه من غير حركة حيوان".

ولقد ارتحل تقي الدين إلى مصر، فاتصل بعلي باشا الذي عين واليا لمصر عام 956هـ/1549م، فالتحق تقي الدين في خدمته وأهدى إليه كتابه الطرق السنية عام 959هـ، وكتاب الكواكب الدرية عام 966هـ/1559م. وفي نفس العام انتقل تقي الدين إلى نابلس حيث تولى منصب القضاء فيها. وطوال تلك الفترة لم ينقطع تقي الدين عن زيارة القسطنطينية، فقدم إلى إستانبول، حيث انتسب إلى معلم السلطان الخواجة سعد الدين وأصبح من خواصه والملازمين له. وفي عام 979هـ / 1571م. وبدعم من الخواجة سعد الدين أصبح تقي الدين رئيسا للفلكيين في أواخر حكم السلطان سليمان وقبل تولي السلطان مراد الثالث.

وقد عبر تقي الدين عند توليه المنصب عن رغبته في إنشاء مرصد في إستانبول. واستطاع إقناع الصدر الأعظم الوزير محمد باشا وكذلك الخواجة سعد الدين معلم السلطان بشكل خاص. وقد استطاع كليهما استخدام نفوذهما في إقناع السلطان من أجل تأسيس المرصد الجديد تحت إشراف تقي الدين. ولقد تم بالفعل بناء المرصد، وتم الانتهاء منه عام 985هـ/1577م. إلا أنه ما لبث أن تعرض لمحنة انتهت بهدمه. ورغم قصر حياة المرصد، إلا أن تقي الدين نجح في أخذ بعض المشاهدات الفلكية. وقد كافأ السلطان مراد تقي الدين على إنشائه المرصد بأن منحه راتب القضاة بصفته قاضيا كما منحه مقاطعة زعامة التي كانت تدر عليه دخلا كبيرا. وتقديرا لتقي الدين أيضا فقد عمد الصدر الأعظم محمد باشا إلى تعيين أخيه نجم الدين حاكما لأحد السناجق.

ولم يعمر تقي الدين طويلا بعد هدم المرصد، فقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات في عام 993هـ/1585م، عن عمر يناهز ستة وستين عاما. تاركا ما يقرب من تسعة عشر مؤلفا ما بين كتاب ورسالة في الفلك والرياضيات والميكانيكا.