صور

العاصمة الشهيرة منذ آلاف السنين
 

النمو والتطور لم يهمل التراث القومي بل على العكس، فقد حاز على مرتبة الشرف.
 

ما يزال الصوريون الذين تربو أعمارهم عن الخمسين عاما يتذكرون رحلاتهم الطويلة وهم يتحدثون بحنين عن الرياح التي كانت تحملهم الى الهند، وأفريقيا، ومدغشقر التي كانت تهب بعد رياح سبتمبر الموسمية. كما يتحدثون عن شعورهم بالحرية والمغامرة في كل رحلة كانوا يقومون بها. وعلى غرار السندباد البحري فإن هؤلاء البحارة والقباطنة (النواخذة) السابقون يعشقون سرد قصص رحلاتهم على من لم يختبر الابحار في حياته، والذين يتعجبون من حكاياتهم غير العادية. ويجتمع هؤلاء البحارة القدماء في كل مساء في ساحة القرية ومقاهيها ليدخنوا النرجيلة ويسردوا ذكريات هم واحد تلو الاخر الى أن تندمج الحكاية بالواقع فيصبحان شيئا واحدا.

 

وإن نظرت إلى صور من قرية العيجة المجاورة فسوف تعجب بهذه المدينة الواقعة قبالة البحر، مع خليجها المحاط بسلسلة من الجبال، جبل الأحلام الذي كان البحارة يستودعونه أحلامهم وأحزانهم عندما كانوا يتركون وطنهم وعائلاتهم الحبيبة. وفي صور كان جميع الرجال يعملون إما كبحارة أو كصيادي سمك. ولهذا، فقد كانت كل رحلة لهم، وكل عوده، بمثابة إحتفال يشارك فيه جميع السكان. ويتم الاشارة الى تلك الاحتفالات في الآغاني والرقصات الصورية.


أساطير كثيرة في صور لو سمعها المؤرخون لرغبوا في التحقق منها وإثباتها. فالكثيرون يعتقدون بأن مدينة صور كانت مستوطنة فينيقية في القرن الثاني قبل الميلاد. وقد سميت بهذا الاسم على غرار مدينة صور في لبنان والتي استوطن فيها الفينيقيون أيضا، ورغم أنه لا يوجد أي دليل أثري يؤيد هذا الاعتقاد الا أنه أوجه التشابه بين الاسمين، وموقع مدينة صور اللبنانية والميناء العماني، قد دفعت البعض الى الاعتقاد بأن كلا المدينتين لهما أصل فينيقي مشترك. وما من شك في أن صور قد تمكنت من تكوين معظم ثروة قلهات عندما كانت عاصمة عُمان وهرمز، وفي سلطنة عُمان حالياً مدينة تحمل أسم
صور.


تمكن البرتغاليون من احتلال صور في بداية القرن السادس عشر في سعيهم لمد سيطرتهم على الخليج والتحكم في تجارة التوابل، والذهب، والحرير في المحيط الهندي. وبعد مائة وخمسين سنة من الاستعمار، قام اليعاربة بطرد البرتغاليين من عمان وبنوا سلسلة كاملة من القلاع والحصون في كافة انحاء السلطنة لحراسة ممرات القوافل والموانئ المعرضة للخطر. وقد كانت تلك القلاع كبيرة جدا، وكان بإمكانها ان توفر الملجأ للنساء والأطفال والشيوخ الذين كانوا يشكلون غالبية السكان، ولا سيما وأن الرجال كانوا على متن السفن في عرض البحار. وكان الوالي يقيم العدل ويستضيف شيوخ المنطقة لمناقشة قضايا ولايته، تماما كما يحدث الان . وما
يزال بالامكان مشاهدة ابار الماء والمخازن في هذه القلاع التي كانت تؤوي الناس وتحميهم اثناء الحصار.


وهنالك قلعتان في صور تم ترميمهما بالكامل. وما تزال قلعة (الرفصة)، التي كانت تحرس طرق القوافل الممتدة من الصحراء عبر الجبال والوديان الضيقة الى أن تصل الى البحر، تقدم لزوارها مشهدا خلابا ورائعا يطل على بساتين النخيل والمنازل الطينية المتفرقة. وتشرف القلعة الثانية على وسط المدينة بشكل رئيسي، حيث يمكن مشاهدة التطورات التي شهدتها المدينة. ويبلغ عدد سكان ولاية صور في الوقت الحاضر 55 الف نسمه.


وتعد هاتان القلعتان بمثابة مقدمة رائعة يمكن للزائر والسائح أن يفتح بهما برنامج زيارته لمدينة صور. بالاضافة الى المتحف البحري الصغير بالقرب من الاستاد الرياضي الذي يقدم للزائر نماذج القوارب، والصور القديمة التي تحكي قصة حوض بناء السفن في صور. وفي احواض بناء السفن نكتشف بأنه لم تجر تغييرات تذكر على هذه الاحواض، وأن الحرفيون مازالوا يستعملون نفس الادوات البسيطة التي كانوا يستعملونها قديما. الا أنهم حاليا يبنون قوراب الصيد من نوع (السمبوق والشويعي) بدلا من سفن (الغنجة والبلغة) ومن الضروري زيارة تلك الاحواض حيث تعبق رائحة خشب الساج والأخشاب الأخرى، وتبدو مقدمات القوارب المزينة باللون الابيض او الأسود وكانها تستعد للآبحار . ويبلغ حجم قوراب (السمبوق والشوعي) نصف حجم السفن التي كانت تصنع سابقا. وتصنع حاليا لا ستعمال الكويت وقطر بشكل أساسي . وتقوم أحواض بناء السفن الان ببناء ثلاثة أو أربعة أو خمسة قوارب فقط في السنة الواحدة . كما اضطر عدد من احواض السفن لاغلاق أبوابها . وعند أطراف الخليج يمكن رؤية السفن والقوارب القديمة ، التي كانت تجوب البحار بفخر ،وهي تربض على جانبها وتكشف عن أبدانها البيضاء البالية . فيا لها من نهاية حزينة لأسطورة عظيمة.

ومن أجل ضمان عدم فقدان وضياع المهارات التقليدية عند الاجيال القادمة، قامت حكومة السلطنة بإنشاء ورشة بالقرب من احواض بناء السفن مخصصة لصنع نماذج مصغرة من هذه القوارب والسفن باستخدام نفس الأساليب والمواد التي كانت مستخدمة في صنع القوارب الحقيقية.ويتم تقديم هذه النماذج كهدايا للشخصيات الهامة التي تزور المنطقة ، كما انها تباع محليا من قبل وزارة التراث القومي الثقافة.