مقبرة الأوزاعي

هذه المقبرة كانت حتى قبيل سنوات قليلة من زماننا مقفلة، دون عامة الناس، ولم يكن يدفن فيها إلا بعض الأشخاص الذين يوصون هم أنفسهم بأن يكون آخر مثواهم بها بعد وفاتهم، وانتقالهم إلى جوار ربهم، وأول من ضمّه ترابها هو عبد الرحمن إبن عمرو الأوزاعي، الإمام المجتهد المعروف الذي توفي في بيروت عام157 هـ، وقبره ما زال موجوداً في قبلة المسجد المنسوب إليه القائم بجوار المقبرة.

 وهذه المقبرة تقع على ساحل البحر في الجهة الجنوبيّة الغربيّة من مدينة بيروت، وكانت المنطقة التي تقع فيها تُسمى في الماضي قرية حنتوس وهي اليوم تُسمى محلة الأوزاعي نسبة إلى الإمام المذكور الذي غلبت شهرته عليها حتى عُرفت به، وأهل زماننا لا يكادون يعرفون شيئاً عن القرية المذكورة.

 ثم إن محمداً إبن الإمام الأوزاعي، كان ثاني إثنين فيها مع أبيه ولم يُعرف أنها تحولت إلى مقبرة عامة في زمانهما أي في القرن الثاني للهجرة.

 لا شك في أن غيرنا لاحظ معنا أن الأوزاعي أدركه الأجل المحتوم في نفس مدينة بيروت ومنذ عهد الأوزاعي أي قبل حوالي ثلاثة عشر قرناً من أيامنا، بقيت هذه المقبرة طوال هذه القرون الخالية تُعرف عند عامة الناس باسم مقام الأوزاعي.

 وفي أواخر أيام بني عثمان في بلادنا حظيت هذه المقبرة بعناية الدولة التي أقامت عليها ناظراً لسدنتها وصيانتها والاهتمام بالمؤمنين الذين كانوا يزورون قبر الإمام للتبرك بمكانته الدينيّة، وكان يطلق على هذا الناظر باسم تربة دار مقام حضرة الإمام الأوزاعي.

جامع الإمام الأوزاعي ومدفن رئيس الوزراء الأسبق رياض بك الصلح

أما المقبرة في حالتها الحاضرة فهي موزعة في مكانين، وهذان المكانان مجاوران للجامع القديم الذي فيه مقام الإمام الأوزاعي، فهناك إلى الجهة الشرقيّة الجنوبيّة من المقام توجد بعض القبور التي دفن بها أشخاص من آل الرفاعي وآل العيتاني وآل بيهم، وقد فصل بين المقام وبين هذه القبور بجدار أقامته المديرية العام للآثار اللبنانيّة، ومن الجهة الشماليّة الشرقيّة من المقام توجد بعض القبور التي آثر أصحابها مجاورة الإمام بعد وفاتهم، ومن هؤلاء الشريف محمد صافي المتوفى سنة 1916م والشريف جعفر المتوفى سنة 1927، وكلاهما من أمراء ظفار في اليمن، ومن مجاوري الإمام الأوزاعي في هذه المقبرة رعيل كريم كان لهم دور بارز في حياتنا الدينيّة والوطنيّة والعلميّة والإجتماعيّة، من ذلك رئيس وزراء لبنان الأسبق رياض الصلح الذي إستشهد عام 1951م وهو بطريقه من عمّان إلى بيروت، ومنهم الشيخ محمد توفيق خالد المتوفى سنة1951م والذي شغل منصب مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة، ومنهم الشيخ محمد علايا الذي خلف الشيخ محمد توفيق خالد في الفتوى، وغيرهم ... .