رأس العين

 

تقع مدينة رأس العين في الشمال الغربي من الجزيرة السورية، ضمن محافظة الحسكة التي تقع في الشمال الشرقي من سوريا، وتبعد مدينة رأس العين مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة، تجاور الحدود التركية و تبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع. 
سبب تسميتها برأس العين يعود لوقوعها على اكبر عيون منابع نهر الخابور الذي كان ينقل تجارنا إلى بغداد وبقية مدن ما بين النهرين .

 
رأس العين هي بالفعل جنة من جنان الأرض في الجزيرة السورية، فهي تجمع بين التاريخ الذي يمتد ستة آلاف عام في غور الزمن، والطبيعة الخلابة التي كانت تمتلئ بالعيون الصافية كالزجاج، ومياه العيون الكبريتية التي تستخدم كعلاج طبيعي للعديد من الأمراض الجلدية وقبل هذا وذاك فهي المدينة التي استطاعت أن تأسر خالد بن الوليد عندما قام بفتحها.

 
لقد أثبتت المكتشفات الأثرية التي تمت في قرية تل حلف منذ عام 1899 على يد عالم الآثار الألماني ماكس فون اوبنهايم أن تل حلف ما هي إلا مدينة رأس العين التاريخية القديمة ذاتها، وهناك أسماء أخرى لها غير اسم تل حلف إذ كان يطلق على رأس العين اسم تل الفخيرية وواشوكاني وفاشوكاني وغوزانا ورش عينا وعين الوردة ويؤكد علماء الآثار والمؤرخون أن منظمة ينابيع الخابور كانت قاعدة لحضارة الشعب السوباري الذي ظل قروناً طويلة في هذه المنطقة إلى أن آل الأمر إلى قبائل انحدرت من الشمال الغربي واستولت على بلاد سوبارتو لكن الأمر لم يدم طويلاً لهذه القبائل، إذ هبط عنصر آري من الشمال الشرقي بعد منتصف الألف الثالث ق.م. واستقروا في منطقة ينابيع الخابور في تل حلف وأسسوا الدولة الميتانية، ثم زحف الآشوريون على الدولة الميتانية واستولوا عليها ودمروا عاصمتها فاشوكاني أو رأس العين إلا انهم لم يستقروا بسبب الحروب بينهم وبين الحثيين الأمر الذي مهد لظهور الدولة الآرامية التي أسسها الملك كابارا " يعتقد أن اسم نهر الخابور جاء من اسم هذا الملك " بن قاديانو" وجعل قاعدتها عند ينابيع الخابور مختاراً تل حلف مقراً لها وفي القرن العاشر ق.م. قام تيفلات تلاصر الأول ملك آشور بغزو الدولة الآرامية ودمر مدينة تل حلف رأس العين ومنذ ذلك الحين أصبحت الجزيرة السورية مقاطعة آشورية حتى انهيار هذه الدولة على يد الفرس ثم استولى عليها اليونانيون ثم الرومان الذين اصبحت في عهدهم في مصاف المدن الكبرى، وكانت المنطقة ميدان صراع بين الفرس والروم إلى أن استولى عليها الفرس عام 602 في عهد الإمبراطور فوكاس.

 
كما عثر على أختام تعود لعصر المملكة الميتانية الكبرى إضافة إلى قطع من البرونز كالعقود والأساور والخواتم في العصر الآرامي كما وجدت مقبرة تعود لعهد كامارا عثر فيها على قطعة تمثل صحيفة رقيقة من الذهب كانت توضع على فم الميت لمنع الأرواح الشريرة من الولوج إلى جسده ووجدت أيضا علبة من العاج محلاة بخيوط ذهبية وفي داخلها خمسة أقسام يحوي أحدها طلاء احمر والى جانب العلبة أداة فضية صغيرة لمد الطلاء واكتشفت بعثة ألمانية عام 1955 بقايا معبد يرجع إلى العصر الآشوري الأول إضافة إلى مصنوعات عظمية وعاجية وكؤوس لها قواعد متقنة الصنع من العهد الآشوري الأوسط وعلى أدوات خزفية من العهد الآشوري الجديد ثم عثرت بلدية رأس العين أثناء عمليات حفر كانت تقوم بها على تمثال من الحجر البازلتي الأسود طوله متران له لحية طويلة، ويعود إلى العهد الآشوري. 

 

ومن المكتشفات الأثرية المهمة الهيكل الملكي الذي بناه الملك الآرامي كابارا بن قاديانو إذ عثر على اسم هذا الملك على أحد الجدران المكتشفة وعثر أيضا على جدار له خمس دعائم مربعة الشكل واكثر من مائة لوحة صخرية تعود الى العهد السوباري تدل على أن إنسان رأس العين كان قد تقدم في أساليب حياته التي تقوم على الزراعة، كما استطاع صنع أوانٍ فخارية متقنة ذات ألوان متعددة لامعة، وعرف هذا الإنسان كيف يصهر النحاس ويصنع منه أدوات مختلفة، أو صنع تماثيل صغيرة من الطمي المحروق تمثل سيدات أعضاؤهن ممتلئة، وأجمل ما أظهرته المكتشفات، أدوات صيد الوحش وصور العربات التي يجرها حصانان ويركبها محاربان، وصور المعارك التي تدور بين إنسان رأي العين والأسود والحيوانات المفترسة واشتهر سكان رأس العين بصناعة السكاكين والفؤوس والصحون والأقداح الخزفية كما اشتهرت نساء رأس العين بتزيين أنفسهن بالجواهر والحلي واللؤلؤ، فقد عثر على خواتم مرصعة بالأحجار الثمينة واساور ذهبية. 

ومنذ عام 1962 انتبه الناس لظهور فوهة صغيرة يتدفق منها ماء اخضر، على بعد ستة كيلومترات من رأس العين ومنذ ذلك الوقت ظلت تلك الفوهة تتسع وظل تدفق المياه الكبريتية في ازدياد، حتى صارت الفوهة بحيرة صغيرة وصار النبع يعطي 43200 متر مكعب/ ساعة، تبلغ درجة حرارة هذا النبع المسمى بعين الكبريت 27 درجة مئوية وهو يحدث شلالات أخاذة عند مصبه, والوقوف تحتها يغني عن المساج ويجعل كل خلية من خلايا الجسد تعلن عن سرورها بطريقتها الخاصة، وعين الكبريت ما هي إلا حفرة دائرة كبيرة، يتفجر منها ماء اخضر زاه يدور حول نفسه بقوة عظيمة، حتى يبدو وكأنه يغلي قبل أن يفور ويندفع خارج إنائه الترابي الأحمر، منطلقاً في مجرى متعرج شديد الانحدار، تتصدره صخور بيضاء، ثم ينتهي في بحيرة صغيرة يتشكل عندها شلال جميل ومتسع، وسرعان ما تمتزج مياه النبع الكبريتية بالمجرى العام لنهر الخابور، ويقدر بعضهم عمق هذا النبع بمائتي متر وأكثر، وبعضهم يدعي انه ليس له قرار، أما غزارته فقد بلغت 458 م مكعب / ثانية، ولهذا فعين الكبريت بالمقارنة مع الينابيع الموجودة في سورية تعتبر مصدراً عملاقاً لمياه معدنية نادرة الوجود في المنطقة، وهي أيضا من الينابيع المعدنية الضخمة في العالم، مياهها دافئة وهي نافعة صحياً، ومن المعتاد أن يستحم الناس بها عند نهاية المجرى المنحدر من العين، حيث تتشكل بحيرة صغيرة قليلة العمق، هادئة المجرى نسبياً، تزدحم بالراغبين في العلاج الطبي، بواسطة المياه المعدنية حيث أثبتت التحاليل التي أجرتها وزارة الصحة إن المياه الكبريتية الموجودة في رأس العين تصلح لمعالجة الكثير من الأمراض الجلدية والرئوية.