الجاحظ

ولد عمرو بن بحر في مدينة البصرة، نشأ مثل جميع أبناء فقراء جنوب العراق بين الماء والنخيل، طلب العلم في سن مبكّرة، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، ولكن اليتم والفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل، فما وقعت يده على كتاب إلا استوفى قراءته.

كان دميماً قبيحاً جاحظ العينين، ولكنّه لم يضق بدمامته، وعاش عمره كائناً اجتماعيّاً متفائلاً، يفرض احترامه على الجميع بسبب فصاحته وجمال أسلوبه، ونصاعة بيانه.

اتجه نحو بغداد وكانت مجمع أهل العلم والفضل، ومهوى أهل الفضائل والنهى، فتتلمذ على أبي عبيدة صاحب عيون الأخبار، والأصمعي الراوية المشهور صاحب الأصمعيّات، وأخذ النحو عن الأخفش، والكلام عن النظام بن إسحق.

وفي بغداد برز عمرو بن بحر بين أقرانه ككاتب بليغ، وسرعان ما تصدّر للتدريس، وتولّى ديوان الرسائل للخليفة المأمون.

امتاز أدبه بالعمق والأصالة والواقعيّة، وأسلوبه بالدقّة والإيجاز، والتلاؤم في مطابقة الكلام بمقتضى الحال، فجاءت عباراته واضحة بعيدة عن الابتذال والغموض.

وكان يميل إلى الفكاهة ويصور الواقع دون تستر أو محاولة للتجميل، فرسم طبقات المجتمع المتفاوتة التي خالطها، وبعد عن إستخدام الخيال والصور المجازية، وإعتمد في العرض علي الجدل المنطقي فأختار ألفاظاً دقيقة واضحة الأداء وبعد في ألفاظه عن الخشونة والغرابة.

وكان غزير التأليف، تربو كتبه على مائتي كتاب منها: (البيان والتبيين) في الأدب والإنشاء والخطابة، وهو أشرف كتبه، وأحسن تآليفه (كتاب الحيوان) سبعة أجزاء، وأجمل كتبه (البخلاء) وله (نظم القرآن) وسائر كتبه في غاية الكمال.

تركت طريقته في الكتابة التي تميّز بها على أساليب الكتّاب والمصنّفين العرب عدّة قرون، وفي مقدمة من تأثّر بأسلوبه ابن قتيبة الدينوري، والصولي، والثعالبي، ولا يزال أسلوبه من أجمل الأساليب الفنيّة وأكثرها إمتاعاً للقرّاء.

ويتحدّث كتّاب السير عن نهايته الحزينة في عام 868 م وقد هدّه شلل أقعده وشيخوخة صالحة، عندما سقطت الكتب التي أحبّها عليه في البصرة.