راغب النشاشيبي

ولد راغب النشاشيبي في القدس سنة 1880، وأتم دراسته الابتدائية في مدارسها، ثم اتجه إلى الأستانة حيث أتم دراسته الثانوية والتحق بالجامعة العثمانية ودرس الهندسة فيها، ثم عاد إلى القدس فعُين مهندساً للأشغال العامة في لواء القدس، وقام بشق الطرق بين المدن والقرى.

والده السيد رشيد النشاشيبي من أبرز الشخصيات في آل النشاشيبي، عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908، انتمى راغب إلى جماعة الاتحاد والترقي، وكان أحد النواب في مجلس النواب العثماني من أول دورة دستورية وبقي يتكرر عن القدس في كل انتخابات تالية حتى نهاية الحرب سنة 1918، كما عمل ضابطاً في الجيش التركي إبان الحرب العالمية الأولى.

بعد انتهاء الحرب عاد راغب إلى القدس، فانتخب في المؤتمر السوري سنة 1919، وفي سنة 1920 عُين راغب رئيساً لبلدية القدس من قبل الحاكم العسكري الإنجليزي بعدما أقال موسى كاظم الحسيني، وكان راغب من الداعين إلى التعاون مع الإنجليز والانتداب... وبقي يتكرر في مركزه هذا أربعة عشر عاماً، قام خلالها بعدد من المشاريع الإنشائية كشق الطرق، وإدخال المياه إلى المدينة وإنشاء المجارير، وبناء دار البلدية، وكان أنصاره يجدون فيه الرجل الذي حول مدينة القدس إلى مدينة عصرية من خلال المشاريع العديدة التي قام بها خاصة مشروع مياه رأس العين.

في سنة 1934 انتخب الدكتور حسين الخالدي رئيساً لبلدية القدس بعد فشل راغب في الانتخابات لهذا المنصب، فكان من الطبيعي أن يبادر النشاشيبي إلى إنشاء قوة سياسية أخرى بديلة عن بلدية القدس، تمكنه من مقارعة خصومه من آل الحسيني الذين يتمتعون بمقاعد شعبية ومؤسسية قوية، حيث كان في ذلك الوقت الحاج أمين الحسيني مفتياً للقدس ورئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى وقائداً للحركة الوطنية الفلسطينية.. وهناك أسباب محلية عديدة ساهمت في تكوين تلك القوة السياسية أهمها التنافس العائلي على المراكز الهامة في القدس وهي ثلاثة: الإفتاء والمحكمة الشرعية ورئاسة البلدية. إلا أن السبب الأقوى كان دائماً رغبة سلطة الانتداب في إحداث الفرقة في الحركة الوطنية السياسية، وهي لذلك دعمت عبر جميع المراحل تلك الفئة المنافسة والمعارضة والتي أطلق عليها اسم المعارضة.

أدت هذه المنافسة العائلية بين آل الحسيني وآل النشاشيبي إلى منافسة سياسية علنية، وفي وقت أصبحت الجماهير فيها تعتبر الحاج أمين على رأس الحركة الوطنية، والمجلس الإسلامي وما يمثله مؤسسة هامة من المؤسسات الوطنية، وما كان بإمكان خصوم الحاج أمين وعلى رأسهم راغب النشاشيبي تجاهل هذه الحقيقة، وفي الوقت نفسه ما كان بوسعهم الاعتراف علناً بأن هؤلاء هم الوطنيون، ومن هنا أطلق على معسكر الحاج أمين وأنصاره لقب (المجلسيين) وعلى المعسكر الآخر لقب (المعارضين) لسياسة المجلس.

أخذ هؤلاء المعارضون بإطلاق الاتهامات ضد الحاج أمين وجماعته ومن ثم معارضتها كي يكسبوا تأييد الرأي العام، كل ذلك بإيعاز من الانجليز، فمثلاً عقد المعارضون مؤتمر الأمة الإسلامية في فندق الملك داوود الذي يملكه اليهود، وهو مؤتمر معاكس لمؤتمر العالم الإسلامي الذي عقد في القدس برئاسة أمين الحسيني، ودعا إليه كبار الأئمة والعلماء والسياسيين من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، كي يشعر سلطات الانتداب بأن عرب فلسطين ليسوا وحدهم، فهناك الملايين من العرب والمسلمين يساندونهم. وأقام هؤلاء المعارضون (على رأسهم راغب النشاشيبي وأسعد الشقيري وفخري النشاشيبي) بتقديم مذكرات إلى الحكام العرب والمسلمين يحذرونهم فيها من عقد المؤتمر، كما بعثوا وفوداً إلى عدد من الدول العربية والإسلامية لإطلاع المسؤولين على نوايا المفتي وأهدافه الحقيقية التي حفزته إلى الدعوة لعقد المؤتمر، وذكروا لهم أن المفتي ينوي إثارة موضوع الخلافة الإسلامية واستصدار قرار انتخاب أحد الملوك من أصدقائه خليفة للمسلمين. لكن انعقاد مؤتمر المعارضين هذا أثناء انعقاد المؤتمر الإسلامي العام، كان فضيحة أثارت نفور الشعب الفلسطيني واشمئزازه.

في منتصف الثلاثينات نشأت الأحزاب في فلسطين، فشكل أمين الحسيني حزباً أسماه الحزب العربي، أما كتلة المعارضين فقد شكلوا حزب الدفاع الوطني وترأسه راغب النشاشيبي، حيث ضم هذا الحزب عدداً من رؤساء البلديات ومن كبار المزارعين الأثرياء ومن زعماء العشائر ومن السياسيين الذين كانوا بسبب خلافهم مع المفتي يبحثون عن أرض سياسية أخرى يعملون عليها، ومن الطبقات ذات المصلحة في عدم الصدام مع حكومة الانتداب مثل أسعد الشقيري وفخري النشاشيبي وسليمان طوقان وغيرهم.

اتخذ الحزب بزعامة النشاشيبي القدس مقراً له، وقدم نفسه على أساس أنه يعمل لقيام حياة سياسية ديمقراطية، وبأنه يمثل غالبية النخبة المثقفة من أبناء العائلات، ونادى بفكرة التعاون مع حكومة الانتداب لإقامة مجلس تشريعي في الوقت المناسب، والحقيقة أن هذا الحزب استقطب حوله كبار الأثرياء وبالتالي النخبة المثقفة من أبناء العائلات بسبب سياسة المسايرة للسلطة الانتدابية، ففي مثل هذه السياسة عادة طمأنينة وضمانة للأثرياء أصحاب رؤوس الأموال والأراضي الشاسعة.

كان لحزب الدفاع الوطني الأثر السيئ في حياة فلسطين وفي حركتهم الوطنية، حيث أصبح أنصار هذا الحزب يثيرون الفتن واشغب على المجاهدين الفلسطينيين، ويستعينون على هذا بما يتمتعون به من عون الإنجليز واليهود تحقيقاً لمبدئهم فرّق تسد.

من جملة ما ذكر عن راغب النشاشيبي وعلاقته مع الإنجليز، أنه اشترك هو وعلي جار الله القاضي في محكمة الاستئناف في حفل افتتاح الجامعة العبرية، مما ترك أسوأ الأثر عنهما، علماً بأن الأحزاب والجمعيات السياسية كلها بما فيها الدفاع الوطني قد شاركت في الإضراب والمقاطعة لدى دخول بلفور لفلسطين بناء على ما جاء في الصحف من نداء لذلك.

كذلك قال جمال الحسيني في أسعد الشقيري ـ والذي هو من أقوى دعائم المعارضة: (كذلك لا يجب أن نعتب على الأمة لاشتباهها في الحزب الوطني عندما نرى أعظم ركن فيها، ذلك الشيخ الذي أدمى قلب الأمة، وأسال دموع عذاراها، إذ كان جاثماً بجانب السفاح جمال باشا وهو يعلق أجسام شبان هذه الأمة في ساحات بيروت ودمشق والذي طأطأ رؤوسنا إذ أقبل بعمته الضخمة على الكونت دي روتشلد يقبل يده عند زيارته لفلسطين قبل سنين..).

على الرغم من تعاطف حزب الدفاع الوطني مع الإنجليز واليهود، إلا أن تدفق الهجرة الصهيونية والغليان الوطني ضد الغزو الصهيوني، دفع حزب الدفاع في اتجاه سياسة الالتقاء مع الأحزاب الأخرى تحت اسم اللجنة العربية العليا، استجابة لمطالب الجماهير في الوقوف بحزم إزاء تفاقم الوضع السياسي في البلاد، وهكذا شارك هذا الحزب في الموقف الموحد لأول مرة... إلا أنه ما لبث أن أعلن انسحابه من اللجنة العليا بعد فترة قصيرة تمهيداً للموافقة على مشروع تقسيم فلسطين عام 1937، لكنه لم يجرؤ على إعلان موافقته اتقاء للسخط العام.

ومنذ انسحاب الحزب بزعامة النشاشيبي من اللجنة العليا، انفصل من المسيرة الوطنية العامة، وعاد يعمل بمفرده... لذا فر قادته إلى القاهرة خشية انتقام الثوار وأنصار الخط الوطني منهم، وفي القاهرة تركز خط حزب الدفاع على مواجهة المفتي الذي استقطب التأييد الوطني العام، ولاسيما بعد وضوح موقفه إلى جانب الثورة ضد الإنجليز والصهيونية بشكل صدامي، وفي هذه الفترة تخلى عن حزب الدفاع العديد من أعضائه وأعلنوا انسحابهم منه رسمياً.

في سنة 1939 اختير راغب النشاشيبي عضواً في الوفد الفلسطيني العربي الذي سافر إلى إنكلترا، وحضر مؤتمر المائدة المستديرة بلندن للبحث في القضية الفلسطينية.

في سنة 1946 وبعد أحداث متتالية حلت بالحركة الوطنية ونفي معظم أعضائها لخارج فلسطين، أُعيد تشكيل اللجنة العربية العليا، فاختير الراغب عضواً فيها، وبعد وقوع النكبة عام 1948 وضم الضفة الغربية لشرقي الأردن، عُين الراغب وزيراً للزراعة في الحكومة الأردنية ثم وزيراً للنقل والمواصلات، ثم حاكما عاماً للضفة الغربية والحارس العام للحرم الشريف والأماكن المقدسة... وأخيراً عُين عضواً في مجلس الأعيان الأردني. وتوفي سنة 1951.