كمال جنبلاط           

 

ولد كمال جنبلاط في المختارة التابعة لمنطقة الشوف في لبنان في 6 كانون الأول/1917 من عائلة ورثت الإمارة والشهرة والثروة. والده فؤاد جنبلاط شغل مناصب عالية، فكان قائم مقام جبل لبنان أيام الانتداب الفرنسي إلى جانب تبوئه مراكز أخرى في الحكم، اغتيل على يد أحد قطاعي الطرق. أما والدته فهي نظيرة جنبلاط، اختارها الجنبلاطيون زعيمة تتكلم باسمهم بعد موت زوجها فؤاد وكانت تقيم في قصر المختارة، وقد استطاعت أن توفق بين دورها كأم عليها أن تحتضن كمال وليندا الذين فقدا الأب وبين دورها السياسي الذي خولها أن تكون الحاكم الذي ملأ الفراغ الذي تركه زوجها فؤاد جنبلاط وبهذا استطاعت أن تؤثر في الدروز وأن تحظى برضى الأكثرية مستمدة قوتها من علاقتها المتينة بالفرنسيين.

بعد أن أنهى كمال دراسته على يد مربيته الخاصة، التحق بمدرسة عينطورة الثانوية للآباء العازاريين في كسروان عام 1936 حتى نال شهادتها عام 1937، وكانت رغبته التخصص في الهندسة غير أن والدته التي كانت تعده للعمل السياسي أرادت له أن يدرس المحاماة.

توجه كمال جنبلاط عام 1938 إلى باريس حيث التحق بجامعة السوربون وباشر دراسة الحقوق، ثم انضم في الوقت نفسه إلى معاهد الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، ونال شهادتها في كل تلك المواد، غير أنه بسبب انفجار الحرب العالمية الثانية عاد إلى بيروت وتابع دراسة الحقوق في الجامعة اليسوعية، وفي هذا الوقت شكل جمعية تعاونية (استهلاكية) لإنقاذ الناس من خطر العوز والجوع اللذين خلفتهما الحرب العالمية الثانية.

في العام 1943 جرت مبايعته بالزعامة بعد موت ابن عمه ونسيبه حكمت جنبلاط وذلك فور انتهاء مراسم الدفن مباشرة وكان عمره مايزال 25 عاماً. وفي العام نفسه فاز في الانتخابات النيابية ودخل المعترك السياسي، وأعلن جهارة صراعه العنيف ضد قوى الانتداب الفرنسي ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال، وربطه المتين بين استقلال لبنان وبين عروبتها.

وبهذا خط كمال جنبلاط خطاً جديداً لسياسة جديدة تناقضت خطوطها تناقضاً تاماً مع سياسة أمه، إذ أبى السير على خطواتها التي تميل نحو البرجوازية وتدعم بالتالي الطبقات والعائلات الأرستقراطية، وتظل خاضعة وتابعة لوصايا الفرنسيين... لذا نراها اختلفت مع ولدها، فانتقلت من قصرها في المختارة إلى قصر ابنتها وصهرها حكمت جنبلاط وبقيت فيه حتى آخر أيامها.

وبعد الاستقلال تابع كمال جنبلاط عمله السياسي مشدداً على وجوب المحافظة على الاستقلال، ثم دخل في عدة وزارات مشاركاً في الحكم. وبدأ في العام 1947 مرحلة المعارضة السياسية بعد أن اكتشف عمق الفساد والرشوة والفوضى التي تتخبط بها البلاد.

في الأول من أيار عام 1948، اقترن كمال جنبلاط بالآنسة مي، ابنة الأمير شكيب أرسلان وهي ذات ثقافة عالية، ورزق منها وحيده وليد في 7/8/1949، وهو اليوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ووريث الأسرة، غير أن السيدة مي رفضت، لأسباب شخصية، أن تعيش مع كمال جنبلاط وتكمل معه درب الحياة.

في 17 آذار/1949، أسس كمال الحزب التقدمي الاشتراكي رسمياً، وفي الأول من أيار/1949 أعلن ميثاقه هو ورفاقه: ألبير أديب، وفريد جبران، والشيخ عبد الله العلايلي، وفؤاد رزق، وجورج حنا. وقد أُعلن بهذا الصدد أن غاية الحزب هي السعي لبناء مجتمع على أساس الديمقراطية الصحيحة تسود فيه الطمأنينة الاجتماعية والعدل والرخاء والحرية والسلم، ويؤمن حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة ومن جملتها لبنان. كما أعلن، مردداً مقولات الاشتراكيين، أن (العمال الذين ليس على جسدهم قميص هم الذين سيحررون العالم).

في عام 1951 أسس الجبهة الاشتراكية الوطنية لمحاربة الفساد الداخلي في لبنان، ثم دعا باسم الحزب التقدمي الاشتراكي إلى مؤتمر الأحزاب الاشتراكية العربية الذي عُقد في بيروت في أيار/1951، كما مثل لبنان في مؤتمر حرية الثقافة الذي انعقد في سويسرا في حزيران/1952.

استمر كمال جنبلاط في مواقفه الوطنية والقومية والإنسانية من منطلق مبدئي ثابت. حيث عقد في آب 1952 مؤتمراً وطنياً في دير القمر باسم الجبهة الاشتراكية الوطنية، مطالباً رئيس الجمهورية بشارة الخوري بالاستقالة. وفي أيلول من العام نفسه استقال الخوري، وجرى انتخاب كميل شمعون عضو الجبهة رئيساً للجمهورية، لكنه اختلف معه في العام التالي لعدم التزامه بمقررات المؤتمر الوطني (دير القمر 1952) ولا ببرنامج الجبهة. بعد ذلك أسس الجبهة الاشتراكية الشعبية المعارضة لعهد كميل شمعون في أيلول/1953، وشارك في مؤتمر الأحزاب العربية المعارضة الذي عُقد في بيروت في أيلول/1954، وساند كفاح مصر ضد العدوان الثلاثي عليها سنة 1956، وأسهم بالعمل المباشر في إعادة إعمار ما تهدم في زلزال 1956 في لبنان. ثم قاد، مستنداً إلى عبد الناصر، الانتفاضة الوطنية العارمة عامي 1957ـ 1958 سياسياً وعسكرياً ضد عهد كميل شمعون الذي حاول ربط لبنان بالأحلاف الأجنبية الاستعمارية. وعلى أساس ذلك أيد انتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية في أيلول/1958، وزاول مهامه في الحكم معاوناً له ومن بعده شارل الحلو ثم الرئيس فرنجية حتى عام 1973.

أسس كمال جنبلاط جبهة النضال الوطني عام 1960، ووضع نواة جبهة الأحزاب والقوى التقدمية والشخصيات الوطنية عام 1965، ثم مثل لبنان في مؤتمر التضامن الآسيوي الإفريقي، وترأس وفداً برلمانياً وشعبياً إلى الصين الشعبية عام 1966، فضلاً عم موقفه الصلب في نصرة الجزائر.

وعندما شن الكيان الصهيوني عدوانه على الدول العربية في حزيران/1967، وقف كمال جنبلاط إلى جانب مصر وسوريا والأردن في مواجهة العدوان، وأيد القضية الوطنية العادلة للشعب العربي الفلسطيني وساند نضاله. ثم ترأس اللجنة العربية لتخليد جمال عبد الناصر عام 1973، كما انتخب بالإجماع أميناً عاماً للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية في العام نفسه.

وعندما كانت أحداث 1975ـ 1976 في لبنان تصدى كمال جنبلاط للمؤامرة الصهيونية الانعزالية، وقاد نضال الحركة الوطنية اللبنانية معلناً برنامج الإصلاح المرحلي للنظام السياسي في آب/1975، وتأسيس المجلس السياسي المركزي للأحزاب الوطنية والتقدمية.

عُرف كمال جنبلاط بأنه متحدث قوي في الندوات الصحافية التلفازية، إذ يطل على الناس وفي جعبته آلاف وآلاف القضايا، كما أنه أنشأ جريدة الأنباء السياسية بعد أن أنشأ الحزب التقدمي الاشتراكي، وكثيراً ما كان يشترك في الحفلات التي تقيمها السفارات الأجنبية، ويحاضر في ندوات سياسية واجتماعية وحتى ثقافية، وقد تقلد وسام لينين للسلام.

من أجل قضيته جاب كمال جنبلاط العالم شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، من الاتحاد السوفييتي إلى الصين إلى مصر إلى الدولة الأفريقية إلى ألمانيا وغيرها، وفي الهند كان الرحالة الشهير الذي وقف أمام كل عظيم متفحصاً ومستقياً للمعلومات خاصة الدينية في ما يتعلق بالتصوف والتنسك والعبادة. وقد عاد بكثير من العقائد والطقوس المشرقية التي كان لا يخفي ممارسته لها.

يعتبر كمال جنبلاط نصير فلسطين وشعب فلسطين، يتحدث باسم الشعب الفلسطيني في العديد من المؤتمرات الشعبية، يكرّم سجناء الثورة في المهرجانات، ويتفقد المخيمات بين الحين والحين يحمل القضية الفلسطينية ويتكلم عنها في شتى المجالات، وليس سراً القول أن العروض انهالت عليه مقترحة عليه أن يقايض دعمه للثورة الفلسطينية بما يشاء من وزن سياسي، لكنه كان يرفضها كلها، صامداً عند الموقف السياسي الصلب القائل بأن أي توازن سياسي لبناني لا يؤدي إلى دعم كفاح الشعب الفلسطيني هو توازن لا طمع في الحصول عليه. كما أن أية حماية لهذا الكفاح لا يمكن أن تتم عملياً بغير تحقيق توازن سياسي تحتل فيه الحركة الوطنية اللبنانية وزناً راجحاً.

اغتيل كمال جنبلاط في 16 آذار من عام 1977، على مدخل بلدة دير دوريت في الشوف مع مرافقيه حافظ الغصيني وفوزي شديد، ولم يكن اغتياله لغزاً فقد كان هذا الاغتيال مكافأة أخيرة له على الموقف الصلب الذي لم يتراجع عنه تأييداً للقضية الفلسطينية وثورتها ودفاعاً عن وحدة لبنان وعروبته.

آمن كمال جنبلاط بالعلم سبيلاً إلى المعرفة، وبالفضيلة قرينة للعلم، فعمل لإنقاذ الآخرين وخاصة النشء الصاعد، فسكب في سراج العرفان الزيت ليشع نوره ويتعالى، فقد أنشأ مدرسة أسماها العرفان في الشوف إيماناً منه بالعلم والمعرفة. كان كمال جنبلاط أديباً وشاعراً وفيلسوفاً. له عدة مؤلفات مطبوعة:

q   ثورة في عالم الإنسان.

q   حقيقة الثورة اللبنانية.

q   في مجرى السياسة اللبنانية.

q   أدب الحياة.

q   الديمقراطية الحديثة.

q   فيما يتعدى الحرف.

q   البوذية.

q   كتاب صحي (العلاج بعشب القمح).

q   افتتاحيات في جريدته (الأنباء).

q   ديوان شعري (فرح).