ذكرى أربعة أيوب 

 شهدت بيروت عبر تاريخها الطويل كثيراً من العادات والتقاليد التي اندثر بعضها، ولم يبق في الأجيال المعاصرة من يعرف شيئاً عنها، ومن العادات البيروتية التي إندثرت وبقيت في البال  (ذكرى أربعة أيوب) حين كان أهل بيروت يقيمون منذ ما قبل الإسلام الذكرى تكريماً للنبي أيوب عليه السلام لشدة صبره واحتماله المصاعب والأمراض والشدائد التي مرت عليه، واستمر مؤمناً صابراً، مثلاً يحتذى في الصبر، وشاع في بيروت المثل القائل (يا صبر أيوب).

من الآيات التي وردت في القرآن الكريم عن النبي أيوب

(وَاذكُر عَبدَنَا أَيُّوبَ إِذ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيطَانُ بِنُصبٍ وَعَذَابٍ)

صدق الله العظيم

سورة ص الآية 41

وقيل إن النبي أيوب عليه السلام نُصح بالقدوم من فلسطين إلى بيروت وجبل لبنان للاستشفاء في مناخه الملائم. ومكث مدة على شاطئ بيروت من الرملة البيضاء حتى حنتوس، حيث مقام الإمام الأوزاعي حالياً، وكل مرة يسبح على شاطئ الرملة البيضاء سبع مرات على سبع موجات، لأن الرقم 7 من الأرقام المحببة والمباركة في جميع الأديان ومنها الإسلام، وبتكرار السباحة والاغتسال بالمياه العذبة بالقرب من مية الدالية مع الدعاء شُفي النبي أيوب. ونصح في ما بعد بالتوجه نحو جبل لبنان لاستكمال شفائه، فصعد إلى منطقة نيحا الشوف حيث وجد المناخ الملائم، فأقام فترة يغتسل بمياه المنطقة حتى حصل الشفاء التام، ثم عاد إلى فلسطين حيث توفي. وكما أهل بيروت عملوا على تكريمه لمئات السنين بإحياء ذكراه، كذلك أهل منطقة نيحا أقاموا له ضريحاً ومزاراً باسم (النبي أيوب) وتقيم الطائفة الدرزية عيداً سنوياً له يحتفل به أبناء المنطقة، كما يقومون بزيارته في عيد الأضحى المبارك، وفي المناسبات الدينيّة والاجتماعيّة.

واعتاد البيارتة في حالة إصابة الرجال والنساء أو الشباب أو الأولاد بأي سوء (عدم الزواج، عدم القدرة على الزوا، عدم الإنجاب، القرينة، التلبس، وغيرها... ) أن يتجهوا إلى شاطئ البحر، على أن يسبح المصاب سبع مرات على سبع موجات، اقتداء بالنبي أيوب، مع تلاوة القرآن الكريم على نية الشفاء أو تحقيق المبتغى. وارتبطت بأربعة أيوب، حلوى اعتاد البيارتة طبخها، ولا يزالون، وهي (المفتقة) المكونة من الأرز والطحينة والسكر والعقدة الصفراء مع رش الصنوبر فوق الصحون الممتلئة بها، وتصادف الذكرى الأربعاء الأخير من شهر نيسان من كل سنة، والمثل الشائع كما هو معلوم (مية نيسان بتحي الإنسان).

طبق المفتقة البيروتيّة

كما اعتاد البيارتة بعدم الكنس والمسح والشطف في بيوتهم في هذا اليوم لئلا يفور النمل، مما يدعوهم للتشاؤم .

وفي أربعة أيوب يتوجه البيارتة رجالاً ونساءً بمأكولاتهم وفي طليعتها المفتقة إلى منطقة الرملة البيضاء ، كما أن الأولاد يطيّرون طياراتهم الورقية في السماء، وحتى فترات قريبة قبيل عام 1958م كانت السيدة حدرج عيتاني (الست حدرج) تقود العائلات البيروتية من مناطق رأس بيروت والحمراء وعائشة بكار والزيدانية ورمل الظريف في تظاهرة حاشدة إلى الرملة البيضاء بمناسبة هذه الذكرى العظيمة لنبي من الأنبياء زار بيروت ونزل فيها. كما تدعو السيدة خديجة لبش (خديجة سلام) وشقيقها حسين لبش الأهالي من البسطة التحتا والبسطة الفوقا، وبرج أبي حيدر والمناطق المحيطة بها للنزول إلى الرملة البيضاء للمشاركة في ذكرى أربعة أيوب، أما منطقة الطريق الجديدة وأبو شاكر والمزرعة فقد كانت تترأس الدعوة السيدة أم زكور دوغان.

شاطئ الرملة البيضاء

والملاحظ أن النساء البيروتيات اللائي يتميّزن بالقدرة والجرأة والقوة الشعبية هن ممن يترأس هذه التظاهرات الشعبية، لأنهن أكثر قدرة على التعاطي مع نساء الأحياء والأطفال والأولاد ، وبدون هذه المجموعات الاجتماعية لا يمكن إقامة مثل هذه الذكرى. بالإضافة إلى المفتقة كان أهل بيروت يتزودون بالبطاطا المسلوقة والبيض المسلوق والفول بالأرز والفول الأخضر، وأم قليبانة والنعومة والترمس والكعك وغزل البنات وسواها.

وهذا اليوم يعتبر ظاهرة شعبية انفردت بها بيروت مع المفتقة دون سائر المدن والحواضر اللبنانيّة والعربيّة. والأمر الملاحظ أن ذكرى أربعة أيوب ما تزال تقام في أكثر من منطقة في العالم الإسلامي مثل منطقة العريش وفي مدن فلسطين، وما يزال قائماً حتى الآن ضريح النبي أيوب في استانبول تكريماً له ولذكراه.