إذا توقفنا في جنوبي بيروت عند ساحل البحر ، كانت تقوم هناك قرية حنتوس، فنجد ضريح الإمام الأوزاعي صاحب المقام في هذه القرية الذي يعتبر (مزار) بيروت من أيام العباسيين إلى اليوم، يقول القاضي شمس الدين أبن خِلكان المتوفى عام 681 هـ في كتابه الموسوعي (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) وهو يترجم الأوزاعي ... وقبره في قرية على باب بيروت يقال لها حنتوس، وأهلها مسلمون، وهو مدفون في قبلة المسجد، وأهل القرية لا يعرفونه، بل يقولون: ها هنا رجل صالح ينزل عليه النور، ولا يعرفه إلا الخواص من الناس ...... يُستخلص من كلام إبن خِلكان أنه كان في عهده جامع بقرية حنتوس وأن الإمام الأوزاعي كان دفين هذه القرية التي لا يعرفه أهلها باسمه وإنما يعرفونه بمكانته الدينيّة فقط من خلال إعتباره رجلاً صالحاً ينزل عليه النور، وأن الذين يعرفونه هم نخبة من الناس فقط.

 قرية حنتوس زالت وأصبح مكانها اليوم متصلاً بمدينة بيروت من الناحية السكانيّة، فمسجد الأوزاعي هو أقدم الجوامع في بيروت على الإطلاق، ويؤكد على هذا القول ويشهد على صحته وجود ضريح الإمام صاحب المقام بداخله.

صحيح أنه لا يوجد في هذا الجامع نقيشة رقمت عليها كتابة تدل على إسم بانيه وتاريخ بنائه، إلا أن وجود ضريح الأوزاعي فيه يؤكد لنا أنه كان موجوداً في سنة 157هـ أي في أيام الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور المتوفى عام 158هـ.

 مسجد الإمام الأَوزاعي

هو جامع صغير بني في أوائل العهد العباسي، خلف جداره الجنوبي ضريح للإمام عبد الرحمن الأوزاعي المتوفى سنة773م وفوق المحراب نقيشة من رخام وضعها حسين حشمت، محاسبجي جبل لبنان عام 1902م، كتبها الشيخ محمد عمر البربير البيروتي وفيها أسم الأوزاعي وتاريخ ولادته ووفاته وأسم المكان الذي دفن فيه وهو قرية حنتوس، في مقدمة الجامع مئذنة حديثة تبرع ببنائها مصطفى رمضان إبن الشيخ محمد رمضان سنة 1939م كما تدل النقيشة الرخامية الموجودة فوق الباب الخارجي للجامع.

من الجهة الغربيّة من الجامع رواق مستطيل، ليس فيه ما يُبيّن تاريخ بنائه، وفي الجهة الشرقيّة منه مقبرة إسلاميّة صغيرة دفن فيها بعض أعيان المسلمين من المفتيين والأمراء، وبمحاذاة المقبرة من جهة الشرق جامع حديث إفتتح للصلاة عام 1964م وبجانبه ضريح رياض الصلح الزعيم العربي الذي أغتيل في الأردن عام 1951م.

 

من هو الأمام الأوزاعي ؟

هو الإمام عبد الرحمن بن عمرو بن مُحمَّد أبو عمرو الأوزاعي، ولد في مدينة بعلبك في لبنان، أصله من سبي السند، جعل من مقامه وبيته زاوية للعلم والفقه، تقع هذه الزاوية في سوق الطويلة في باطن بيروت، وهي غير جامع الأوزاعي المعروف في منطقة حنتوس التي عرفت فيما بعد بالأوزاعي.

أجاب في سبعين ألف مسألة، وأنتشر مذهبه المعروف باسم مذهب الإمام الأوزاعي وعمل بعدها بالشام نحو مائتي عام، وعمل بالأندلس ما يقارب الأربعين عاماً، ولا يزال أهل بيروت والبلدان الشاميّة متأثرة إلى اليوم بمذهبه وتفسيراته.