تمثل جرائد لبنان الرسمية معلماً مهماً من مظاهر النهضة الفكرية- الصحفية على مختلف الصعد سواءً الرسمية أو الخاصة، ولقد تناول مؤرخو الصحافة الدوريات اللبنانية إما بالنقل أو بالتواتر من دون الغوص بكشف المستغلق أو المنسي. وقد وقعت على جريدة "بيروت الرسمية" الناطقة بإسم الحكومة العربية في بيروت سنة 1918 الموالية للملك فيصل في دمشق، قبل حلول الإنتداب الفرنسي على لبنان آنذاك، لعلنا نوفي بيروت حقها في هذا البحث مثل نظيراتها.

◄تمهيد:

غدت الصحف في عصرنا الحاضر من أهم المؤسسات الثقافية والسياسية في الدولة الحديثة نظراً للدور البارز الذي تلعبه في تنوير الرأي العام، ولئن كانت في بدء ظهورها خدمت طوائف معينة من الناس تتمثل في طبقات النبلاء والتجار والسياسيين إلا أن الصحيح أيضاً هو كون الصحافة الرسمية نشأت نشأة فريدة من نوعها على يد الحاكم حصراً لتكون وسيلة إعلامية لوجه السلطة لتنشر على الجمهور النصوص التشريعية لضبط هيئة الحكم على الشعب من خلال القوانين والقرارات والبلاغات الرسمية المناسبة، وهكذا فالصحافة الرسمية تخضع لتوجهات السلطة الحاكمة وتهدف الى خدمتها.

يعتبر إنتشار الصحافة الرسمية في عواصم الولايات العثمانية في القرن الماضي(1) بمثابة ظاهرة حضارية متقدمة في الحركات الإصلاحية للإدارة، وقد وعى أهل السلطة في لبنان لاحقاً- من عرب وفرنسيين ووطنيين- الضروة الإعلامية لهذه الصحافة فبدت مظاهر مختلفة حجماً ولغةً وإخراجاً

◄ضرورة الصحافة الرسمية:

تبدو الصحافة الرسمية "لسان الحال" المعبّر عن مواقف الحكم تجاه موضوعات الساحة والمدافعة عن سياسة الدولة العامة.

فمن الناحية العملية إن إصدار جريدة رسمية في أي عهد سياسي يعود للضرورات التي يقتضيها الواقع الرسمي آنذاك، لتنطلق بلسان الحكومة الموجودة لتخدم أغراضها ويمكننا إجمالها بما يلي:

كون الحكم القائم المولج شؤون البلاد بحاجة الى جريدة رسمية لتنشر نصوص أنظمته التشريعية ذات الصفة الرسمية على أفراد الشعب.

لخدمة أجهزة الدولة كافة، وكرسي الحكم عن طريق هذه الجريدة، إذ يسهر على أمورها موظفون مخلصون للخط السياسي للدولة والدعاية للسلطة الرسمية وإنجازاتها.

لإطلاع الشعب وجمهور العامة على أعمال الحكام، ونشاط الولاة، بغية تقيدهم بالأوامر والتشريعات ضبطاً للوضع العام.

الإقلال من أهمية الصحافة الخاصة ودورها على الصعيد الشعبي كونها وافدة من شتى الأرجاء وبإتجاهات مختلفة.

وأخيراً مجاراة التطور والواقع الصحفي العام في بقية أنحاء الأقطار واعتبار "الحدث" إنجازاً جديداً.

وعليه بعد قيام نظام المتصرفية في لبنان سنة 1861 فقد كان داوود باشا أول متصرف غير لبناني على الوطن، تولى أمر متصرفيته- إمارته- بحنكة وسياسة، وأسس أول جريدة هي "لبنان الرسمية" سنة 1867 ثم توالت الدوريات الرسمية أو "شبهها" مع خلفائه في لبنان، نوردها على التوالي:

◄أولاً: في عهد المتصرفية (1860- 1918).

نذكر جريدة لبنان الرسمية سنة 1867 مع داوود باشا، حديقة الأخبار سنة 1868 (الخاصة) مع فرنقو باشا، (2) بيروت الولاية وبيروت غزته سي (بالتركية) مع علي باشا، (3) لبنان سنة 1891 (الخاصة) مع واصف باشا، (4) ولبنان المتصرفية 1909 مع يوسف فرنقو باشا.

◄ثانياً: في عهد الحكومة العربية (1918).

ثالثاً: في عهد الإنتداب الفرنسي (1918- 1947) .

- نذكر جريدة لبنان الكبير الرسمية سنة 1920، لبنان الكبير الرسمية سنة 1921 (بالفرنسية)، النشرة الرسمية للأعمال الإدارية للمفوضية العليا الفرنسية سنة 1921، الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية سنة 1926 (الإنتدابية)، الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية سنة 1926 (بالفرنسية).

رابعاً: في عهد الإستقلال (1943- الجريدة الرسمية سنة 1943... ولم تزل).

◄جريدة بيروت الرسمية سنة 1918.

بعد سقوط سوريا في يد الملك فيصل ألّف في دمشق أول حكومة عربية عسكرية، معلناً السيادة بإسم الشريف حسين عليها في أول تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1918 مما استتبعه إنهيار السلطنة العثمانية في بيروت، التي والت الحكم الجديد، فسلّم واليها إسماعيل حقي بك مقاليدها الى عمر الداعوق، الذي أعلن الحكومة العربية فيها، ورفع الأعلام الشريفية على المباني العامة، ورافق ذلك في الحال صدور "الجريدة الرسمية بيروت سنة 1918" متضمنة بيانات وأوامر وتعيينات... الخ.

والملاحظ أن صدور "جريدة بيروت" جاء متزامناً مع إعلان الحكومة العربية في العاصمة وكأن كل شيء معدّ سلفاً واستكمالاً لوجه الشرعية الجديدة.

◄وصف الجريدة:

وقعنا على العدد الأول من عقد أعداد الجريدة الرسمية بيروت 1918، وبذلك يعتبر من أندر الأعداد في تاريخ الصحافة الرسمية اللبنانية، وبيروت هذه صدرت يومياً ما عدا يومي الجمعة والأحد وباللغة العربية فقط، وجاءت في صفحتين اثنتين فقط وبالحجم الوسط لجرائدنا اليوم، أي بقياس 24*36 سم، ونشرت موادها على طول ثلاثة أعمدة شاقوليا باستثناء الصفحة الأولى من العدد الأول، إذ جاءت مسطورة على عرض الصفحة أفقياً، وخلت من الرسوم والصور وطبعت على مطابع الجريدة الرسمية لولاية بيروت سابقاً كما سلمت من الأخطاء المطبعية.