أسس جون بيتر زنجر، المهاجر الألماني، مع زميله، وليام برادفورد، في مستعمرة نيويورك صحيفة نيويورك ويكلي جورنال، وكانت تعبر، في الغالب، عن خط الحكومة، في أول الأمر؛ ثم تغيرت لهجتها، وخاصة، في العدد الصادر في 3 ديسمبر 1733، وأصبحت توجه سهام النقد إلى الحكومة. وبعد نحو سنة من ذلك، أُلقي القبض على زنجر، وقُدم للمحاكمة، عام 1735، بتهمة التشهير، والتحريض، ونشر تصريحات كاذبة ومفتراة، ضد الحكومة. وتولى الدفاع عن زينجر محامي فيلادلفيا الشهير، أندرو هاميلتون.

وقال هاميلتون إن المحلفين وحدهم أصحاب الحق في اتخاذ القرار ما إذا كان زنجر له حق طبع الصحيفة أو لا، وإذا كانت المادة في الحقيقة تحريضية أو لا. وأقر هاميلتون أن زينجر أصدر الصحيفة بالفعل، وأنه انتقد الحاكم. إلاّ أن المادة كانت حقيقية وصادقـة، ومن ثم فإنها لا يمكن أن تكون تحريضية. كما أن للمحلفين حق تقرير ما إذا كانت المادة حقيقية وإدانة زينجر بالتحريض أم لا. وكان موقف النائب العام، في هذا القضية: أنه على الرغم من حق المحلفين، في تقرير ما إذا كان زنجر قد أصدر الصحيفة بالفعل، إلاّ أنه يظل، من حق القاضي، اتخاذ القرار بشأن ما إذا كانت المادة بالفعل تحريضية. وقد كسب اندرو هاميلتون تأييد المحلفين عندما أكَّد أن المحلفين لهم الحق في اتخاذ القرارين، وبذلك يكون حكم المحكمة بعدم الإدانة قد رسخ، من حيث المبدأ، على الأقل، حرية انتقاد مسؤولي الحكومة.

◄مغامرات صحفية

أول هذه المغامرات مغامرة ستانلي. كان ستانلي صحفياً ورحالة، في آن واحد، وُلد عام 1841، بإنجلترا واشترك في الحرب الأهلية الأمريكية، إلى جانب أهل الجنوب، وصحب اللورد نابييه إلى إثيوبيا. وفي أكتوبر، عام 1869، كلَّفه جيمس جوردون بينيت، مدير صحيفة النيويورك هيرالد العنيد بالبحث عن لفينجستون، في أفريقيا الاستوائية، بعد أن انقطعت أخباره، منذ ثلاث سنوات. وصل ستانلي إلى زنزبار في يناير عام 1871 وتوغل في قلب القارة السوداء، وعثر أخيراً على ليفينجستون، في اودجيجي، الواقعة على ضفاف بحيرة تنجانيقا، وزوَّده بالمؤن، وانتهز ستانلي فرصة هذا اللقاء ليرسل إلى صحيفته تقريراً مثيراً، أثار الدهشة، آنذاك، ونال إعجاب القراء، في العالم أجمع.

والمغامرة الثانية؛ لمحرر التحقيقات الأمريكي سانهوب، الذي سافر إلى هامبورج، بألمانيا أثناء تفشي وباء الكوليرا، ليتابع سير الأحداث هناك، ويرسل بالتقارير عنها. ومما يدعو إلى الغرابة والدهشة، أن هذا الصحفي حاول، مدفوعاً بحمية المهنة، التي فاقت حد التصور، أن يعرض نفسه لعدوى هذا المرض الخبيث لكي يطلع قراءه على انطباعاته الحقيقية ويزودهم، بتقرير صادق، عن هذا المرض، ولكن لحسن حظه لم يصب بالعدوى.

أما المغامرة الثالثة؛ فهي مغامرة نادرة المثال، قام بها الصحفي الروسي، كريفسكي، عام 1905، إبان الحرب الروسية اليابانية. فقد زار، طوال شهرين كاملين، مدن اليابان الكبرى، مخاطراً بحياته، في كل لحظة، ونجح في أداء المهمة، التي كلفته بها صحيفته "الروسكوبية سلوفو"، فقد توجه إلى الولايات المتحدة، حيث عاش ردحاً من الزمن، استطاع، خلاله، أن ينتحل لقب مواطن أمريكي، ويحمل جواز سفر قانوني، باسم "برس بالمر". ومن سان فرانسيسكو، سافر إلى اليابان حيث أوهم الناس هناك بأنه سائح أمريكي، فزار ثكنات الجيوش والقلاع، والمستشفيات، والتقط الصور العديدة، وأخذ الأحاديث من بعض كبار رجالات اليابان وحضر مختلف الاجتماعات. وعاد، بعد شهرين، إلى روسيا عن طريق أمريكا بعد أن قام بواجبه، خير قيام، معرضاً حياته للخطر، في كل لحظة، منتظراً إلقاء القبض عليه كجاسوس فيعدم رمياً بالرصاص، من دون محاكمة.

المغامرة الرابعة؛ بطلها صحفي عربي، من مصر. في أوائل مايو 1956، استطاع الصحفي المصري، إبراهيم عزت، أن يخترق حدود إسرائيل ويطوف مدنها، ويقف على حقيقة ما يجري فيها من أمور ويمكث فيها، أحد عشر يوماً، قابل في خلالها دافيد بن جوريون، رئيس الوزراء، وموشي شاريت، وزير الخارجيـة، وجولدا مائير، وزيرة العمل، وموشي ديان، قائد الجيش، وقتئذ.

وقد استطاع إبراهيم عزت أن يحصل على تأشيرة، من سفارة إسرائيل بلندن، بعد أن أقنع المسؤولين، هناك، بأنه صحفي برازيلي من أصل عربي، اسمه جورج إبراهيم حبيب، يفهم العربية، ولكنه لا يتكلمها، وأنه يقوم بجولة، في منطقة الشرق الأوسط، لزيارة الدول العربية وإسرائيل ولكنه يخشى إن ظهرت، على جواز سفره، تأشيرة دخول إسرائيل أن ترفض الدول العربية دخوله أراضيها. فطار من لندن إلى نيقوسيا ومنها، أقلته الطائرة إلى اللد، حيث كان، في استقباله، مدير المطار ومندوب وزارة الخارجية، الأمر الذي أفزعه، ولكن سره لم يكتشف. وظل يجوب مدن إسرائيل حيث مكث، ثلاثة أيام، في تل أبيب وحيفا ويومين في القدس وبئر سبع، وزار المستعمرات على الحدود المصرية. وفي كل لحظة، كان يقف على الأمور، خلف الأسوار ويطلع على أدق الأسرار، التي تصنع الأحداث، داخل إسرائيل

وبعد أحد عشر يوماً، عاد بالطائرة، إلى قبرص ومن هناك، أبرق إلى مجلة روز اليوسف، عن تفاصيل رحلته ومغامرته. ونشرت روز اليوسف تفاصيل مغامرته، على حلقات، استغرقت حوالي شهرين. وكان لهذه التقارير دوي خطير، في الدوائر السياسية، والدبلوماسية، والصحفية، على السواء.

◄حديث لم يحدث!

روي عن صحفي قدير ومتميز، من الرعيل الأول للصحافيين السوريين، هو سامي الشمعة، هذه الحادثة: "أرسل رئيس تحرير صحيفة دمشقية مشهورة أحد محرريه السياسيين، وكلفه بإجراء حديث صحفي، مع رئيس وزراء العراق آنذاك، "نوري السعيد"، الذي كان سيقضي فترة من الوقت، في مطار دمشق الدولي، قبل أن يتابع رحلته الجوية، إلى لندن، لتعديل المعاهدة البريطانية – العراقية. وكان على هذا المحرر السياسي أن يستغل فترة استراحة نوري السعيد، في المطار، ليطرح عليه أسئلة معدة مسبقاً، تتناول الخطوات القادمة التي سيتم الاتفاق عليها، بين العراق والمستعمر البريطاني. إلاّ أن الوقت كان أسرع منه فغادر رئيس الوزراء العراقي الأراضي السورية، من دون إجراء المقابلة، وهنا فكر المحرر قليلاً، وعز عليه أن يفشل في أداء مهمته، ولمَّا ضاقت به الدنيا، قصد أحد مقاهي دمشق وشرع يقلب الأمر يمنةَ ويسرةَ.

وبعد قليل، بدأ يستعرض، في ذهنه، شتى الأمور والتطورات والظروف، التي مر بها العراق راح يستدعي، من ذاكرته، معلومات سابقة، تعد زاداً غزيراً، يعجز أي صحفي آخر عن تحصيلها، أو تخزينها على الشكل الذي استطاع هذا المحرر البارع أن يحققه! وبدأ يضع الخطوط العريضة لمجمل التساؤلات، والاستفهامات التي يريد القارئ أن يعرفها، وشرع يقسِم الموضوع، حسب الأسئلة المطروحة على ساحة العلاقات البريطانية ـ العراقية، وأهم القضايا المتبادلة بين الدولتين. وخرج بحديث صحفي كامل، ولقاء سياسي ساخن ومشوق: ضيفه نوري السعيد، ومستضيفه الصحفي والمعلق السياسي "سامي الشمعة".

وبالفعل نُشر الحديث، صباح اليوم التالي، وبالخطوط العريضة، والعناوين المتحركة والمشوقة، وطرح واقع المباحثات: العراقية ـ البريطانية، كما جرت فعلاً، ونوقشت سراً، بين الجانبين، في الجلسة المغلقة. ودُهش المبعوث العراقي، الذي لم ير، ولم يجتمع إطلاقاً، بهذا الصحفي، واستغربت الدولة العظمى، واحتج مندوبها، وأبدى استغرابه ودهشته، تجاه المعلومات، التي جاءت في الحديث الصحفي، والتي كانت فعلاً مدار الجلسة، التي عُقدت في لندن، بما في ذلك النقاط الأساسية والسرية، التي بُحثت بين الطرفين، والتي جعلت من الصحفي، سامي الشمعة، طرفاً مشاركاً في المحادثات، علماً بأنه لم يغادر عتبة مكتبه الصحفي، أو الأماكن، التي يتردد عليها، في دمشق وكان السؤال العاجل، الذي طرحه المندوب البريطاني هو: متى، وكيف استطاع هذا الصحفي السوري أن يحصل على كل تلك المعلومات الصحفية، والوقائع والمناقشات الصحيحة والدقيقة مائة بالمائة؟

تجيب فلك حصرية، التي أوردت هذه القصة، في كتابها "صاحبة السلطة الرابعة"، إن هذا الصحفي البارع لم يكن يستطيع تحقيق ما حققه لولا تمتعه، وبجدارة، بالحاسة السادسة، التي تعد الثقافة الواسعة، والاطلاع المستمر، والنظرة العميقة، من مكوناتها الأساسية، فلقد نمَّى موهبته الصحفية الأصيلة بما تحتاجه، ولم يقف عند حد.

◄فضيحة ووترجيت

بدأت قصة ووترجيت الشهيرة، في الثانية من صباح يوم السبت 17 نوفمبر 1972، عندما وجد "فرانك ويلز"، الحارس الليلي الزنجي أدوات، في جراج عمارة ووترجيت، فصعد، من سلم الخدم، ليكتشف أن باب المقر الانتخابي، للحزب الديموقراطي، قد فُتح! وأبلغ "ويلز" رجال الشرطة، الذين ضبطوا خمسة رجال، معظمهم كوبيون، يحاولون التسلل إلى مقر الحزب المعارض للرئيس الجمهوري، ريتشارد نيكسون ليضعوا أجهزة إرسال وتنصت.

وأملى محرر شؤون البوليس، في صحيفة "الواشنطون بوست"، النبأ إلى غرفة الأخبار في الجريدة، في ساعة مبكرة من الصباح، فقام اثنان من المحررين بمتابعة تغطية النبأ، والمحرران هما: كارل برنشتاين، 28 سنة، والذي بدأ يعمل، في الصحافة، وعمره 16 سنة، ولم يتم تعليمه الجامعي. والثاني بوب ودوارد، الذي تخرج من الجامعة، وخدم، خمس سنوات، في البحرية، والتحق بصحيفة الواشنطون بوست قبل شهور؛ ولم تكن خبرة الصحفيين تسمح لهما، إلاّ بأعمال محدودة، مثل متابعة أنباء المحاكم، والموسيقى الصاخبة، وبعض اجتماعات المجلس البلدي.

ووقف المتهمون الخمسة، في قضية "ووترجيت"، أمام القاضي، الذي ينظر قضايا التسول، والتشرد والعاهرات. وجاء الصحفيان: برنشتاين وودوارد، أحدهما يسأل محامي المتهمين، واحداً وراء الآخر، من الذي وكلك عنهم، ومتى، وهل تعرف المتهمين، وكيف؟ ويرفض المحامي الأول الإجابة، ويقول محامي آخر: إن زوجة أحد المتهمين وَكَّلته، ويعترف محام ثالث بأنه تلقى مظروفاً به 25 ألف دولار ليتولى الدفاع عن متهـم.

ويسمع الصحفي أحد المتهمين يقول إن مهنته، مستشار أمن، وأنه كان يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. ويسأل الصحفي وكيل النيابة المحقق، عن الأوراق، التي وجدت في جيوب المتهمين، والأرقام التليفونية، وأوراق النقد، ويعرف أن معظمها من فئة المائة دولار. ومن هذه النقاط، يبدأ مشوار الصحفيين الطويل.

في واشنطون يسأل الصحفيان زوجة أحد المتهمين، وجيرانه، ووكالة الاستخبارات المركزية، وتنشر الواشنطون بوست أن المتهم يعمل في لجنة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي نيكسون ويجد الصحفيان، في المفكرة، التي ضبطت، مع أحد المتهمين، رقم تليفون أحد رجال البيت الأبيض، وتبدأ اتصالات الصحفيين لمعرفة حقيقة العلاقة، بين رجل البيت الأبيض والمتهمين، ومن هو صاحب رقم التليفون. ومن الذي يدفع ثمن فاتورة التليفون، والمكالمات التليفونية الخارجية، التي طُلبت من هذا الرقم، والأرقام الأخرى، وأصحابها، في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويكتشف الصحفيان أن ذلك التليفون هو الوحيد في البيت الأبيض، الذي سُجِّل باسم سكرتيرة، هي التي تدفع الفاتورة، وقد اعترفت السكرتيرة، بعد ذلك، أن أحد رجال البيت الأبيض يعطيها، بعد ذلك، ما تدفعه.

وبعد خمسة أيام، أعلن البيت الأبيض، أنه لا توجد علاقة له بكل هذه الأحداث. ويطوف الصحفيان بكل الناس لاستكمال الأخبار والقصص، ويسألان رجال وكالة المباحث الجنائية الاتحادية، التي تتولى التحقيق في الحادث، وتكون نتيجة هذا كله، الوصول إلى أن هناك مصروفات سرية، لدى لجنة إعادة انتخاب نيسكون، وأن خمسة، من مساعديه يملكون التصرف في هذه الأموال.

ولجأ كارل برنشتاين إلى طريقة جديدة، في الوصول إلى الأخبار؛ إذ أخذ يطوف، مع زميله، بوب ودوارد، بيوت السكرتيرات، ليلاً، لصعوبة الحديث في المكاتب، فهو يرى أن الناس ينظرون إلى من يدخل بيوتهم، نظرة الصديق، فتنشأ علاقة خاصة، بين الصحفي ومصدر أخباره، ولكن لم تُفتح لهما إلاّ بيوت قليلة، وأُغلقت في وجهيهما معظم البيوت.

ويعقد المتحدث الصحفي، باسم البيت الأبيض، رونالد زيجلر، مؤتمراً صحفياً، فيوجَّه إليه 29 سؤالاً عن قصص الواشنطون بوست، فيرفض التعليق عليها. وفي مؤتمر آخر، يظل زيجلر يهاجم الصحيفة، نصف ساعة بلا انقطاع، قائلاً إن هذه الصحيفة تحرف الأنباء، وتعتمد على الإشاعات، والتقولات، والإيحاءات، وتحاول هدم هذا النظام، وتسيء، أبلغ إساءة، إلى الصحافة كلها، ولن نقع في يد محرري هذه الصحيفة، ولن نرد عليهم. وكل ما ينشر فيها مشوه لا يستحق.

وبدأت حكومة نيسكون في مطاردة محطتي إذاعة وتليفزيون، تملكهما صحيفة الواشنطون بوست، في فلوريدا بعدم تجديد عقد المحطتين، الذي يجب تجديده، مرة كل ثلاثة أعوام، وتخفيض ثمن السهم في الصحيفة، من 38 دولاراً إلى 21 دولاراً.

وأخذ البيت الأبيض يهاجم "برادلي"، ويقول إنه رجل يحمل المعطف لأسرة كنيدي، ويسعى بكل قوة لإسقاط نيكسون ويتهم ودوارد بأنه كان ضابط اتصال للبحرية، بالبيت الأبيض، عندما كان مجنداً، وأنه كان يسيء استغلال هذه الاتصالات، كما اتهم كارل برنشتاين بأنه يريد الانتقام، لأبويه، من نيكسون فقد اتهمهما نيسكون، في فترة من الفترات، بالتعاطف مع الشيوعية، عندما كانا منضمين إلى الحركة العمالية.

واقترب مجهول من برنشتاين وحاول أن يبيع له الماريجوانا، في أحد شوارع واشنطن وقيل إن العملية مكيدة، وكمين للقبض عليه. وقيل لكاترين جراهام، صاحبة الواشنطون بوست، إن الصحفيين يحاولان إغراء السكرتيرات، والتحرش بهن، أثناء الحديث معهن، وألمح كثيرون إلى أن المسألة قد تصل إلى حد الاغتصاب، لا الإغراء فقط.

واتصل كثير، من رجال البيت الأبيض، ومن مساعدي نيكسون بكاترين جراهام، وبرادلي، وحذروهما من المضي، في تحقيقات ووترجيت، لما تحدثه من آثار، على المفاوضات الدقيقة، التي تجري لإنهاء الحرب في فيتنام وقال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية، لكاترين جراهام ينذرها بأسلوبه: ألاّ تؤمنين بأنه سيعاد انتخابنا؟

وكاد الصحفيان، في أحيان كثيرة، يفقدان الثقة في النفس، فيرتجفان ويضطربان، ويحل بهما خوف رهيب، بعد أن أدركا أن حياتهما مهددة بالخطر، وتليفوناتهما تحت المراقبة. وقبل إعادة انتخاب نيكسون مباشرة، ارتكب الصحفيان برنشتاين وودوارد، أكبر أخطائهما، فقد نشرا أن أحد الشهود أدلى، في التحقيق، باسم هالدمان، أهم مساعدي نيسكون، باعتباره المسؤول الأساسي، في ووترجيت.

وكَذَّبت النيابة ذلك، كما كَذَّبه البيض الأبيض، بشدة.

وبدا أن كل شيء سوف ينهار، وأن القضية مصيرها الفشل، وفكر الصحفيان، في الاستقالة، من الواشنطون بوست، وأخذا يراجعان كل المصادر، ويعيدان ترتيب القضية، حتى وصلا إلى أن الشاهد يعرف أن المسؤول هو "هالدمان" ولكنه لم يذكر اسمه في التحقيق.

وعندما اتصلت محطات التليفزيون، ووكالات الأنباء، بالصحيفة اكتفى "برادلي" بأن يقول: نحن لا نتراجع عما نشرناه ونؤيده.

وأدلى الشاهد بعد ذلك باسم هالدمان. وقيل إن هذا الخطأ أخَّر اكتشاف الحقيقة في ووترجيت.

وفاز نيكسون وأعيد انتخابه، في نوفمبر 1972، وبدأت حرب البيت الأبيض، ضد الواشنطون بوست، فكانت الأخبار المهمة تُعطى للصحف الأخرى، وهاجم مساعدو نيكسون برادلي شخصياً، وأقيمت قضايا ضد امتلاك الواشنطن بوست لمحطات الراديو، في فلوريدا وأُحكمت حلقات الحصار ضد الصحفيين، لمنع حصولهما على أي خبر جديد، عن القضية، وقال رجال نيكسون إن النشر كان مقصوداً به عدم تجديد انتخاب نيكسون أما وقد فاز، فلا داعي لاستمرار الحملة، ولكن الحملة الصحفية استمرت، وأخذت الاتهامات تلاحق رجال نيكسون واحداً وراء الآخر.

وعندما حوكم الذين هاجموا مقر الحزب الديموقراطي، في ووترجيت، اعترف جميع المتهمين، وعندما طلب نيكسون من الكونجرس إقرار تعيين جراي مديراً لمكتب المباحث الجنائية، طلبت الصحيفة من الكونجرس أن يسأل جراي، عن التحقيقات، التي أجراها في قضية ووترجيت، واضطر جراي، وقد أقسم اليمين، إلى أن يتهم بعض رجال نيكسون

ونشرت الصحيفة أن التجسس على الحزب الديموقراطي كان جزءاً، من حملة واسعة، ضد خصوم نيكسون وطلبت الصحيفة من الكونجرس أن يحقق في قضية ووترجيت، فشكلت لجنة لهذا الغرض لتبدأ التحقيق، بصفة سرية، ثم أُذيعت تحقيقاتها، بعد ذلك، على شاشة التليفزيون.

أخذت الصحيفة تحصل، كل يوم على دليل إدانة، ضد رجال نيكسون المقربين من محاميه، واضطر نيكسون إلى قبول استقالة مساعديه، وأعلن أنه لم يكن يعرف. وفي مؤتمر، عقد في 30 أبريل 1973، اعتذر زيجلر للصحفيين، إذ ثبتت اتهامات الواشنطون بوست، ضد بعض رجال نيكسون واستمعت لجنة الكونجرس لرجال نيكسون واحداً بعد الآخر، فلما أيقن اثنان من المتهمين، في ووترجيت، أن أمرهما سيفتضح، تكلم أحدهما، من وراء القضبان، قائلاً "لقد اشتروا سكوتنا بالمال..!!".

قال الكسندر باترفيلد، مساعد الرئيس نيكسون للأمن الداخلي، أمام لجنة مجلس الشيوخ، "إن نيكسون كان يسجل لنفسه"! وقال وهو يستجوب على الهـواء أمام شاشة التليفـزيون: "الشـيء الذي لا يريد أن يعلنه نيكسون هو أنه كان يتنصت على نفسه، ولا يعرف ذلك سوى ثلاثة من مساعدي الرئيس، وبعض رجال الأمن، الذين يتولون صيانة أجهزة التسجيل، داخل البيت الأبيض، وبالذات، في الحجرة البيضاوية، أي حجرة مكتب الرئيس الأمريكي".

وتبدأ عملية مطالبة نيكسون بتسليم الأشرطة، إذ طلبها الكونجرس فرفض نيكسون ولجأ الكونجرس إلى القضاء الذي أصر على ضرورة تسليم الأشرطة. واستقال نيكسون وبعد استقالته، نشرت الواشنطن بوست، يوم 9 أغسطس 1974، العنوان في الصفحة الأولى، بحجم ضخم، "نكيسون يستقيل". وحصلت صحيفة الواشنطون بوست على جائرة بوليتزر في الخدمة العامة(اُنظر ملحق فضيحة ووترجيت، صور ووترجيت).

وألَّف الصحفيان بوب ودوارد، ومعهما كارل برنشتاين، كتابهما الأول، "كل رجال الرئيس"، فحصلا على 55 ألف دولار من الناشر، و105 ألف دولار أخرى من نادي كتاب الشهر، و100 ألف، مقابل طبع الكتاب، خارج أمريكا، و30 ألف من مجلة بلابوي، مقابل نشره مسلسلاً، في حلقتين، وأخيراً مليون دولار لإصدار طبعة شعبية منه، و400 ألفا لإنتاجه، كفيلم سينمائي.

ثم توالت، بعد ذلك، خبطات كارل برنشتاين وبوب ودوارد وكتبهما، التي كانت تثير، جميعها، الرأي العام داخلياً وخارجياً.

◄فضيحة مونيكا ـ كلينتون

لعبت الصحافة ووسائل الإعلام دوراً هائلاً في إبراز قضية العلاقة العاطفية الجنسية، التي نشأت بين الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون ومونيكا لونيسكي (21 عاماً)، منذ أن بدأت عملها كمتدربة في البيت الأبيض، في نوفمبر 1995، واستمرت العلاقة بينهما 18 شهراً.

استطاعت الصحافة أن تستغل هذه القضية في جذب اهتمام الملايين، في أنحاء العالم، ليتابع تطوراتها أولاً بأول، بسبب ارتباطها بإحدى مغامرات رئيس أمريكا الغرامية، وتهديدها لمركزه، وأسرته، ومستقبلة السياسي، وأثارت القلق حول القرارات التي يصدرها للحفاظ على فاعلية الدور الأمريكي في العالم. كما استغلت الصحافة الحرية الواسعة، والديموقراطية الكاملة في المجتمع الأمريكي. فأسهبت في الخوض في سيرة كلينتون الذاتية، وإبراز أدق تفاصيلها، وجذور نشأة كلينتون، ورجعت إلى مذكرات والدته "فرجينيا" التي كشفت كثيراً من الوقائع، التي جعلت علماء النفس يؤكدون أن التركيبة النفسية لكلينتون تتخللها عقدة نفسية، تسمى عقدة "أُديب" وتعني تعلق الابن بأمه تعلقاً عاطفياً يصل إلى حد الجنس. وذلك أن كلينتون جاء إلى العالم يتيماً، مات والده في حادث سيارة عام 1946، قبل مولده بثلاثة أشهر. وعقب ذلك تزوجت أم كلينتون من رجل آخر، غيور شكاك، كان دائماً يضربها ويكيل لها السباب في غرفة نومها المقابلة لغرفة الطفل كلينتون، الذي كان ينظر في أسى إلى أمه، المتهمة دائماً من قبل زوجها بالخيانة، ويراها مخمورة دائماً، لا تكف عن التدخين والقمار والصراخ.

تكونت أزمة نفسية لدى الطفل كلينتون، بسبب هذه المواقف، وبسبب ازدواجية واضحة بين أمه غير المتدينة، وجدته ومربيته شديدتي التدين.

استغلت الصحافة قضية مونيكا في استعراض مغامرات كلينتون النسائية السابقة، مع أربع نسوة أخريات، وأوردت اعترافاتهن جميعاً، وبخاصة جنيفر فلاورز، مغنية الليل، التي أقرت، في حديث لها مع مراسل شبكة CNN، أنها كانت عشيقة كلينتون طيلة 12 عاماً. وكذلك دولي كيل براوانج، محامية من دالاس، التي أكدت أنها كلينتون ضاجعها مرات كثيرة.