عندما أنتخب فخري بك إبن محمود نامي بك، رئيساً للمجلس البلدي، وجه اهتمامه إلى تنظيم هذه الساحة وتحويلها إلى حديقة كالحدائق الأوروبيّة، فأزال الأكواخ الخشبيّة وبنى حولها رصيفاً من الحجارة جعل داخله إطاراً حديدياً وغرس خارجه عدداً وافراً من أشجار الأزدرخت {الزنزلخت بلهجة البيارته} والأزهار وبنى بركة ماء وجعل للحديقة أربعة مداخل.

ثم بنت البلدية على حافة حاجزها أكواخاً صغيرة وحوانيت من الحجر والكلس رغبة في بيعها.

وأرسل فخري بك إلى أوروبا بطلب مصابيح لإنارة الساحة والحديقة بمبلغ عشرة لآلاف قرش من ضمن الميزانية التي قدّرتها البلدية بمائة ألف غرش، ثم رأى أنه لا بد من جمع أموال لإنجاز المشروع فتبرع من ماله الخاص بمبلغ واحد وأربعين ألف قرش وفتح إكتتاباً عمومياً للتبرع، فساهم كثيرون بمبالغ مختلفة. وقد رغب صاحب المشروع في حينه بجعل ساحة البرج مثل حديقة الأزبكيّة في القاهرة ولسان حالها يقول :

تدعُ العيونَ قريرةٌ بغنائها   قمرٌ بها وهزارُهَا ويَملمها

وكانت ساحة البرج تزدحم بالناس الذين كانوا يحتشدون كل عشية حول حديقتها التي أطلقوا عليها أسم {المنشية} يسرحون النظر في بساطها وأزهارها ويلتمسون لطيف الهواء من أحواضها ويشاهدون الأعمال التي كانت جارية لبناء المنتدى والكشك والمقهى، غير آسفين على أيام السقايين الذين كانوا يطوفون في ذلك المكان بحميرهم ويبيعون الماء بما كاد يكون درهماً بدرهم كما قيل.

انتقد البعض سنة 1882م حالة ساحة البرج ليلاً شاكياً من صياح باعة السحلب والبوزة الذي يصم الآذان، فبائع السحلب يقول :

كل هول بقمرين يا حلوة   كل هول بعشرين يا بيضا

{القمري نقود نحاسيّة عليها رسم هلال}

وبائع البوزة يقول :

نصف أوقية بقمري حوِّل صوبي         نصف أوقية بعشرين يا غندور

وبعد تنظيم الحديقة فرضت البلدية رسماً لدخولها من الظهر إلى المساء مبلغ عشرين بارة عن كل شخص ما عدا الأطفال المحمولين على الأيدي، أما من الصباح إلى الظهر فكان الدخول إلى الحديقة مجاناً. وكان الدخول من الباب الغربي والخروج من الباب الجنوبي.