اختلف الفقهاء بين من يجيز عقد الإجارة لمدة لا يمكن أن يعيشها العاقدان عادة ومن لا يجيز ذلك. وكان قانون الإيجارات العُثماني ينص على عدم جواز إيجار العقارات الموقوفة ذات الإجارة الواحدة لمدة ثلاث سنوات حتى أن متولي الوقف إذا أجّره بعقود متعددة إجارة طويلة كما لو أجّره بعقود خمسة خمس سنوات (وكانت الإجارة على ذلك في السنة الأولى منجزة والسنين الأخرى مضافة) تبطل الإجارة على القول المفتى به، لأن الإجارة إذا فسدت في بعض المدة فسدت كلها، أما إذا كان إيجار الوقف لأكثر من المدة المذكورة في صالح الوقف ومنفعته في ذلك متحققة بأن كان الناس لا يرغبون في إستئجارها سنة وإيجارها أكثر من سنة أدر على الوقف وأنفع للفقراء جاز تأجيره برأي القاضي، الذي له أن يجيز الإجارة الطويلة.

الأراضي والأبنية الموقوفة، فقد أثبتت الوثائق تأجيرها من المتولي وبموافقة القاضي لمدة طويلة غالبها يصل إلى تسعين سنة، وذلك بحيلة قانونيّة بأن تؤجر بعقود متضايقة، أي مضاف بعضها إلى بعض، كل عقد منها لمدة ثلاث سنوات. ويصار إلى تحديد البدل عن كامل المدة المذكورة ويتمّ دفعه على طريقتين :

إما منجماً كله على السنوات بحيث يدفع سنة فسنة، وإما على دفعتين : دفعة أولى معجلة تشكّل القسم الأكبر من البدل ودفعة مؤجلة ضئيلة منجمة سنوياً أي موزعة سنة فسنة.

وهذا النوع من الإستغلال يُسمى الاجارتين وهو (أجرة معجلة) و(أجرة مؤجلة) تُؤدَّى سنة فسنة، تمييزاً من الإجارة الواحدة لمدة أقل من ثلاث سنوات.

والإجارة الطويلة يؤذن للمستأجر بأن يبني ويغرس ما يشاء ويكون ما يبنيه ويغرسه ملكاً له ولورثته من بعده، ثم يأتي يوم يضيع فيه سبب وضع المستأجر يدهُ على المأجور، فيأتي من حفدته من يتملك العقارات الوقفيّة ويسجلها على إسمه كملك.

كما أنه كان من حق الباني في أرض محتكرة من الوقف أن يبيع البناء لمن يشأ.

كما عرفت بيروت (المهايأة) الزمانيّة، فعند عدم إمكان إنتفاع الشريكين بالمأجور المشترك بينهما ما بقيا مشتركين معاً، كانا يلجآن إلى المهايأة الزمنيّة في المأجور فإذا لم يتفقا عليها، يصار إلى إجرائها قضاء وجبراً، بحيث يشغل كل شريك مستقلاً المأجور لمدة محدّدة تتوافق مع نسبة شراكته في العقار ويصار إلى تحديد الأسبق منهم بالسكن بواسطة القرعة.

وتقضي الملاحظة بأن بدل الإيجار كان يحدّد بالسنة ويُقصد بالسنة في العرف الشرعي السنة القمريّة لا الشمسيّة إلا إذا نص في العقد على غير ذلك.

نذكر بادئ ذي بدء أن الدار الكائنة في زاروب الطمليس بمحلة الدركاه المشتملة على أربعة بيوت سفليّة وأربعة علويّة المقدرة أجرتها في كل سنة بألف قرش، كانت مشتركة بين الحاج عباس مصطفى صالح الجدايل وله 11 قيراطاً وبين زينب وعائشة ونفيسة وسعدى بنات الحاج مصطفى بن بدر وفاطمة بنت محمد العطشان ولهن 13 قيراطاً وبناء لطلب المذكورين في 17 جمادى الأولى سنة 1297هـ أجريت المهايأة على الدار على أن ينتفع عباس أحد عشر شهراً والنسوة ثلاثة عشر شهراً بحسب نصيب كل منهما ثم أقرع بينهما فخرجت القرعة على أن تنتفع النسوة أولاً فأمر الحاج عباس، حيث كانت الدار بتسلمه وقت إجراء المهايأة أن يفرغها ويسلمها لهن لينتفعن بها أولاً في المدة المذكورة ثم يسلمنه إياها لينتفع في مدته.

ومن نماذج الإيجارات بين عدة أوقاف ما سجّل بتاريخ 27 ربيع الأول سنة 1262هـ عندما إستأجر وإستحكر كل من الحاج محمد عبد القادر موسى المتولي على وقف الجامع العمري الكبير، والسيد مصطفى طه كلمني المتولي على أوقاف جامع الدّباغة والسيد مصطفى إبن الشيخ عبد الهادي قرنفل الوكيل عن عبد الله محمد خرما شقير المتولي على أوقاف جامع الأمير عسّاف (الشهير بجامع السرايا) من عبد الله خرما المتولى وقف التكيّة الكاينة عند بوابة المصلى، بمال وقف المساجد الثلاثة للمساجد المذكورة، والمؤجر المحتكر هو قطعة أرض مفرزة من جنينة التكيّة تبلغ مساحتها 1517 ذراعاً (على مدة عشرين عقداً متضايقة كل عقد منها يتبع الآخر وكل عقد ثلاث سنين بأجرة عن هذه المدة 36000 قرش موزعة على السنين المرقومة حساباً عن كل سنة 600 قرش ، وأذن للمتولين أن يبنوا ما شاءوا وأرادوا).