تؤكد الوثائق الشرعيّة القديمة أن بيوت بيروت تميزت بما أطلق عليه (الفسحة السماويّة) . وهي فسحة أرضيّة داخل الدار مفتوحة على السماء، غير مسقوفة، تتوزع حولها في الطابق الأرضي وحدات وحجرات، متفاوته الأحجام والاستعمالات، كالاستقبال والجلوس وقضاء النهار، فيما تتوزع غرف الطابق العلوي للمنامة حول رواق (بالكون) يطل على الفسحة السماويّة.

ومن المعروف أن الهواء البارد يتسرب أثناء الليل أفقيّاً في الفسحة المذكورة، وهي صحن الدار، ويتسرب إلى الغرف فيبرد الحيطان والأسقف. ويبقى الهواء البارد، باعتباره أثقل من الهواء الساخن، إلى ساعة متأخرة من النهار.

أوجد العرب في بداية سكن المدن نموذجاً من التصميم المعماري ذي الصحن وقد عمموا استعماله في كافة البلاد العربيّة، ومن خصائص هذا النموذج، أن جزء المعيشة فيه يتكون من صحن مفتوح للسماء تطل عليه إيوانات الجلوس، مما يعطي للساكن أنواع الاتصال بالفراغ الخارجي ومختلف الأجزاء الداخليّة وإستمر استخدام هذا النموذج إلى أوائل القرن التاسع عشر.

ويُستدل على وضع الفسحة السماويّة من الوثيقة تاريخ 21 رجب سنة 1282هـ التي وقفت بها فاطمة بنت عبد القادر الجبيلي الشهير بأبي راسين، داراً مشتملة على إيوان فوقه تخت، ومربع ثاني لجهة الشرق يعلوه تخت من داخله تقيسة وفسحة دار مبلّطة سماويّة ومطبخ ومرتفق وأصل عنب وأصل ليمون مغروسين بحوض الفسحة المزبورة وقبو معقود بالمؤمن وأحجار.

فالفسحة مكشوفة للسماء توحي بالسهر على ضوء القمر وتأمل النجوم في القبة الزرقاء في سكون الليل ومناجاة الخالق الوهّاب الرزّاق وتوحيده، فيما تبعث خضرة نباتات الزينة وعطرها الفوّاح هدوء النفس وحبور الفؤاد، أما مياه البركة وسط الساحة فمنها الطهارة والبركة والنماء والحياة.

وتجدر الإشارة بأن توزّع الغرف حول الفسحة السماويّة مشابه لتخطيط الخانات، حيث تتوزع الغرف حول الصحن الداخلي.

ويُلاحظ في هذه المرحلة أيضاً أن الفناء الداخلي أو الفسحة السماويّة أُطلق عليها لفظة (دار) كانت الغرف تفتح عليها مباشرة. وفي مرحلة لاحقة غطى الجميع سقف فوقه قرميد.