خانات بيروت المحروسة

شهدت بيروت العُثمانيّة الكثير من الملامح العُمرانيّة المرتبطة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والصحي والديني، وكانت بيروت كلما إتسعت بعمرانها، وكلما ازداد عدد سكانها وقاطنيها، كانت تحتاج إلى المزيد من الملامح العُمرانيّة متعددة الجوانب ومنها الخانات، ما يطلق عليه اليوم الفنادق.

لم تعرف بيروت العُثمانيّة الفنادق بمفهومها المعاصر اليوم، إنما شهدت قيام الخانات التي خصصت للقادمين من خارج المدينة بحراً أو براً، وهم عادة من التجار وأصحاب الأعمال، ومن الباحثين عن مشروع من المشاريع التجاريّة أو الصناعيّة، وكانت الدواب تبيت في مكان مخصص لها، ويُدفع للخانجي أجرة المقيم وأجرة دابته، علماً أن بيروت شهدت أيضاً وجود إسطبلات خاصة لإقامة الدواب فيها، ولا بد من الإشارة إلى أن بعض دور السينما في بيروت، والتي أقيمت في العهد الفرنسي وبعده بقليل كانت خانات للمكارين يهبطون بحميرهم وبغالهم صباح الاثنين ليعودوا إلى قراهم ببضائع من أسواق بيروت، ويذكر يوسف إبراهيم يزبك أن خان النقاش كان قبل الحرب العالمية الأولى إسطبلا لبهائم القرويين الذين يأتون بيروت من طريق النهر، وكان فيه مطعم عربي وفي طبقته العليا بضع غرف لنوم المسافرين، وكان الذين يدخلون كراج حمّانا يرون أحجار الزاوية الشرقيّة الجنوبيّة من بقايا برج الكشاف.

وهكذا حلّت سينما روكسي محل خان الشرتوني، وسينما أمبير محل خان الكنفاني، وسينما متروبول محل خان النقاش، وسينما دنيا محل خان محمود أحمد الذي كان بناؤه شرقياً قديماً مستديراً، صحنه للحمير والبغال وفوق القناطر غرف للمكاريين والنازلين من القرى، وحلّت سينما أوبرا مكان خان الوحوش.

الخانات أبنية استخدمت لاستقبال المسافرين الغرباء عن المدينة ولإيوائهم ودوابهم، والقيساريات أبنية استعملت كمستودعات للبضائع وأماكن للبيع والشراء وغالباً ما اختلطت التسميتان، والأمر الملاحظ أن أكثر الخانات البيروتية كانت بالقرب من ميناء بيروت حيث يسهل للقادمين بحراً للنزول فيها، في حين أن بعضها الآخر كان في الجهة العليا من المدينة.

اشتهرت بعض الخانات بأسماء البضائع التي تخزّن أو تباع فيها وبعضها إشتهر بإسم بانيه أو مالكه والبعض الآخر عُرف بإسم المحلة أو الحي الواقع به.

والخان عادة بناء مربع الشكل أو مستطيل أو مستدير، في وسطه ساحة سماوية مكشوفة  ترابية أو مرصوفة بالبحص، ويتألف الخان من طبقتين: أرضيّة وعلويّة وتستعمل الأرضيّة كإسطبل للدواب ومعالف لإطعامها ومشارب لشربها، ويستعمل جزء منها كمنافع صحيّة ومغاسل للنزلاء، في حين يُخصّص القسم الأكبر من هذه الطبقة مخازن للمؤن والبضائع، أما الطبقة العليا فمخصّصة للنوم، كثرت الخانات في بيروت مع ازدهارها التجاري وتزايد الاهتمام بها.

أقدم خانات المدينة الخان المنسوب لتنكز، نائب الشام من قبل السلطان النصر محمد بن قلاوون، وقد ذكره صالح بن يحيى في تاريخه، ومن الخانات القديمة التي ذكرها القس حنانيا المنير خان الوحوش الذي أنشأه الأمير فخر الدين المعني الثاني، ويذكر أن انقطاع الأمطار وتزايد المرض دعت الأهالي إلى الخروج إلى سهلة البرج في تشرين الثاني سنة 1861م للاستسقاء، فاجتمع الرسميون على سطح خان الوحوش المذكور وعلى رأسهم فؤاد باشا ناظر الخارجية والعلماء والمشايخ وبطريرك الروم الأرثوذكس وقساوسة الموارنة والروم الكاثوليك وحاخام اليهود، وخان الملاحة الذي بناه الأمير ملحم، كما أقام الأمير يوسف قيسارية الصاغة، والأمير سليمان أبو اللمع قيسارية البارود، والأمير يونس القيسارية المعروفة باسمه، والشيخ عبد السلام العماد قيسارية في رأس سوق العطارين، والشيخ شاهين تلحوق قيسارية قرب القيسارية العتيقة الخاصة بأم دبوس زوجة الأمير أحمد الشهابي، ويُذكر أن بعض الخانات القديمة أصبحت من الأراضي الأميرية بدليل الإعلان الذي نشر سنة 1878م بمقتضى الإرادة السنية لبيع غرف الخانات بالمزاد العلني على الشكل التالي:

·       25 أوده في الخان القديم، أسكي خان

·       27 أوده في خان الأمير منصور

·       17 أوده في خان الشيخ شاهين

·       أوده واحدة في خان الأمير يونس

·       دكان في خان الشيخ شاهين

يُذكر أن كاييه Caillier رئيس المهندسين الجغرافيين في فرنسا رسم سنة 1833م خان الملح أو خان الملاحة وأشار إلى تقسيماته وشكل بنائه .

موقع الخان المذكور في محلة المرفأ يدخل إليه من جهة الرصيف عبر ممر على جانبيه، يصل إلى بابه المفتوح للشمال ويتألف الخان من طبقتين، أرضيّة وعلويّة، طوله 48 متراً وعرضه 30 متراً، تبلغ طول ساحته الداخليّة 27.50 متراً ، وعرضها 21.50 متراً وتبلغ عدد غرفه ومخازنه إثنتين وسبعين.

وكان الخان المذكور من أملاك الدولة العُثمانيّة، حاول هنري غيز قنصل فرنسا في لبنان خلال سنتي 1833–1834م استئجاره ليكون مقراً للقنصلية الفرنسيّة ولإسكان التجار الفرنسيين، ويذكر أن الخان المذكور إتخذ سنة 1833م مقراً للفرق المصرية التي دخلت بيروت ثم أنزل فيه المرضى، بحيث إعتبر محجراً صحيّاً (كرنتينا)، وقد وصف القنصل الفرنسي هنري غيز سنة 1837م على أنه خراب هائل يصلح لإقامة مسافري الدرجة الدنيا، أودع فيه الملح الوارد إلى بيروت، وربطت فيه الدواب التي تنقل هذه السلع، وذكرت السجلات الشرعية أن خان الملاحة هو خان الشونة وقد بيع بالمزاد العلني سنة 1911م بمبلغ 6500 قرش.

وتمدنا سجلات المحاكم الشرعية بمعلومات مفصّلة عن بعض خانات بيروت، سواء بجهة موقعها ومحتوياتها أم لجهة مالكيها ومستثمريها، ومن هذه الخانات:

·       الحلواني

·       طاسو

·       الصاغة

·       الدباغة

·       الأورام

·       السادات بيهم

·       الصغير

·       البربير

·       الكنفاني

·       النقاش

·       رمضان

·       أنطوان بك

·       فخري بك

·       البارود

·       القرنفل

·       التوتة

·       الأمير منصور

·       الجديد

·       الحلاج

·       التيّان

 

·       الأصفر

·       فرج الله

·       سيّور