انشراح موسى ـ الجاسوسة التي ضاجعت مسؤول الموساد في تل أبيب

لماذا أنقذها السادات من الإعدام.؟
 انشراح موسى ـ الجاسوسة التي ضاجعت مسؤول الموساد في تل أبيب
حب الجواسيس كحب الأفاعي .. مدمر وعجيب.

فالجاسوس عندما يعشق امرأة يبث فيها سمومه رويداً رويداً... فتموت ... أو قد تنقلب مثله إلى أفعى سامة... عندئذ تكون سمومه مصلاً واقياً يقيها خطره الفتاك ... فتتوحش... وتقوى لديها روح المغامرة... وتقامر بحياتها لمرة واحدة فقط.

والمرأة ... عندما تعشق جاسوساً.. فإن حبها له قد يحوله – أحياناً – من ثعبان قاتل إلى قط أليف لا يستخدم مخالبه... وربما منحه الثقة ليعمل بفاعلية أكثر ... تدعوها إلى مشاركته والدخول معه إلى وكر الجواسيس.

فالحبيبة التي صارت حية رقطاء... تضحي – تأكيداً لحبها – بكل ثمين في سبيل حبيبها.

وفي عالم الجاسوسية ... من باعت الوطن في سبيل الحب ... ما عزّ عليها بيع أولادها... أو قذفهم إلى وكر الثعابين..

وهذا ما فعلته انشراح بسبب الحب ... !!!

أزمة لم تطلْ

في مدينة المنيا ولدت انشراح علي موسى عام 1937 لأسرة متوسطة الحال .. وبرغم التقاليد المتزمتة في ذلك الوقت دخلت الفتاة الصعيدية المدرسة وواصلت تعليمها حتى حصلت على الشهادة الاعدادية عام 1951.

وبعد نجاحها بأيام قليلة أراد والدها مكافأتها فاصطحبها معه إلى القاهرة لحضور حفل عرس أحد أقاربه.

كانت انشراح ذات وجه مليح وعينان نجلاوان .. وجسد دبت به معالم الأنوثة وخرطته خرطاً... فبدت أكبر كثيراً من سنها.. مما لفت الأنظار اليها واخترقتها سهام الباحثين عن الجمال... فكانت تقابل تلك النظرات بحياء فطري غلف ملامحها مما أزادها جمالاً فوق جمال.

وفي حفل العرس اصطدمت نظراتها البريئة بنظراته.. فتملكها الخجل وتوردت خدودها للسلع لذيذ أحست به يجتاح مشاعرها.. فيوقظها من رقدتها.. معلناً عن مولد مشاعر جديدة غزت عقلها وقلبها لأول مرة.

كان فتاها الذي حرك فيها دماء الأنثى هو إبراهيم سعيد شاهين ابن العريش المولود عام 1929... الذي ما غادر الحفل إلا وعرف عنها كل شيء. وبعد أيام قلائل فوجئت به يطرق باب بيتها في المنيا برفقته والده.. طارت انشراح من السعادة وحلقت بين السحب بخيالها تستطلع مستقبلها الهنيء... فمنذ رأته في الحفل انغرس حبه بصدرها... وباتت ليالي تحلم به وتترقب الليل لتسرح معه طويلاً... وتطوف مع نظراته الحانية في عوالم الأمل... والحبور...

وانزعجت الفتاة الصغيرة عندما اعترضت والدتها في أمر زواجها منه... متحججة ببعد المسافة بين المنيا والعريش... وبكت بحرقة وهي ترى أحلامها الوردية تكاد أن تحقق... ثم سرعان ما تنهار في ذات الوقت .. دون أن تقدر على عمل شيء..

وأمام عيونها الصامتة .. سألها أبوها:

Ø     أتوافقين عليه يا ابنتي.. ؟

فكان في صمتها إجابتها..

وأعلنت الخطبة..

وفي أول حديث مع خطيبها صارحته بأنها أعجبت به مذ رأته في حفل القاهرة... وازداد إعجابها به حينما سعى وراءها حتى المنيا ليطلب يدها.

وأكد لها الشاب الولهان أنه تمناها زوجة له منذ النظرة الأولى.. ويومها عاهد ربه ألا تضيع منه أبداً..

وفي حفل أكثر من رائع انتقلت انشراح إلى بيت الزوجية في العريش... تحفها السعادة بحبيبها الذي أيقظ فيها مشاعر دفينة لم تكن تدركها... وأرسل إلى قلبها سهام الحب فأسلمت اليه نفسها.. وتدفقت موجات متلاحقة من الحب مع كل نبضة من نبضات قلبها الصغير.

كان إبراهيم شاهين يعمل كاتب حسابات بمكتب مديرية العمل بالعريش... وهو أيضاً لم يحصل سوى على الإعدادية مثلها... لذلك... اتفق وانشراح على أن يواصل أولادهما تعليمهم حتى أعلى الشهادات العلمية... وأصبح هذا الأمل هو هدفهما الذي يسعيان اليه ويعملان على تحقيقه مهما كانت الظروف.

ومرت بهما الشهور حلوة هنيئة تحفل بالبشاشة والانسجام... فلم يكن إبراهيم يرى في الدنيا زهرة أجمل من وجه حبيبته... ولا يسمع صوتاً أرق من صوتها... ولا يظل عقله بمكانه كلما انفرد بها وهي ترقص له بملابسها الشفافة.. فهي تحب الرقص ويستهويها الجنس .. وهو يعشق هذا الجسد الذي يتلوى وينثني أمامه عارياً... وتحول الجنس عندهما كالهواء، ماتا لو لم يتعاطيانه كل يوم... إنه يطلبه منها صراحة... وتطلبه هي تدللاً، وبنظراتها فوران من الرغبة كالجحيم. وكانا إذا ما أظلتهما سحابة حزن فسريعاً ما تنقشع... حتى اشتهر حبهما بين الأهل والأقارب وبدا قوياً عتياً لا يقطعه الملل أو يضعفه الكلل.

وفي أواخر عام 1955 زرقا بمولدهما الأول "نبيل"... ثم جاء المولود الثاني محمد عام 1956، ثم عادل في 1958، فعظم حبه لها لأنها ملأت عليه الدنيا بهجة... وملأت بيته بضجيج الأبناء الثلاثة... وهكذا سارت بهما الحياة ترفل في أهازيج الفرح وأغاريد الوئام.

وفي عام 1963 – وكما اتفقا من قبل – أرسلا بأولادهما إلى عمهم بالقاهرة ليواصلوا الدراسة هناك... وليعيشوا حياة رغدة بعيداً عن مظاهرة البداوة وظروف الحياة الأقل حظاً من العاصمة.. وفي أكتوبر 1966 ضبط إبراهيم يتلقى الرشوة وحبس ثلاثة أشهر.. خرج بعدها ليكتشف مدى قسوة الظروف التي تمر به... والمعاناة الشديدة في السعي نحو تحقيق آماله في الارتقاء والثراء.

وذات يوم من أيام التاريخ المكفهرة – اجتاحت إسرائيل سيناء واحتلتها في يونيو 1967 ... وأغلقت فجأة أبواب السبل أمام السفر إلى القاهرة... فتأزمت انشراح نفسياً قلقاً على أولادها... وكانت كلما نامت تراهم في المنام يستغيثون بها فتصرخ وتستيقظ... ويحتضنها الزوج الملتاع في حنان ويهدئ من روعها... وإن كان هو الآخر لا يقل عنها قلقاً واشتياقاً لهم.

هكذا تظل انشراح تبكي معظم الليل والنهار حتى قارب عودها على الذبول.. وأوشك جمالها أن ينطفئ.. ووجد إبراهيم أن الحياة في العريش كما لو كانت في الأسر.. فالحزن يخيم على البيت الذي ما عرف إلا الضحك والفرح.. والمعيشة أضحت في أسوأ حال.. فمنذ الغزو وهو عاطل عن العمل لا يملك المال الذي يشتري به أبسط الأشياء.. كالشاي.. والشاي عند البدوي يعد من الضروريات الأساسية في حياته... فاستعاض عنه إبراهيم بعشب بري يعرف باسم "المرمرية" له مذاق طيب.. وأصبحت المرمرية مشروباً مستقلاً في بيته بعدما كانت وريقاتها تضاف إلى الشاي كالنعناع.

وسط هذا المناخ كانت المخابرات الإسرائيلية تعمل بنشاط زائد.. وتسعى لتصيد العملاء بسبب الضغوط المعيشية الصعبة وظروف الاحتلال... فالاحتلال الفجائي لسيناء وقع على سكانها كالصاعقة، فاختنقت نفوس الأهالي برغم اتساع مساحات الأرض والجبال... ولكونهم ذوي تقاليد بدوية ومحبين للحركة والتجوال والتنقل، أحسوا بثقل الأمر ولم يطيقونه ... لكن الظروف التي وضعوا فيها اضطرتهم إلى محاولة تحملها لثقتهم أنها أزمة لن تطول. لكن ما كان يحز في نفوسهم هو تضييق الخناق عليهم في المعيشة والتنقل.. فكانت التصاريح التي يمنحها الحاكم العسكري الإسرائيلي لا تتم بسهولة... وأصبح السفر إلى القاهرة يحتاج لمعجزة من السماء. فالتعنت في منح التصاريح بلغ منتهاه.. واشتدت عضات الغضب في الصدور.. إلى جانب آلام الجوع التي تنهش الأبدان وتجتث الصبر والقوة.