في سنة 1865م إفتتحت في بيروت (المدرسة البطريركيّة) للروم الكاثوليك. وفي ظروف تأسيسها يقول عيسى إسكندر المعلوف، المؤرخ اللبناني: (أراد الخوري جرجس عيسى السكاف من رهبان دير مار يوحنا الصايغ في الشوير للباسيليين أن يؤسس مدرسة لرهبنته في بيروت، فسافر إلى إيرلنده، من جزر بريطانيا سنة 1861م مأذوناً من البطريرك كليمنضوس بحّوث، ومن رئيس رهبنته، فطاف بعض عواصم أوروبيّة وعاد إلى وطنه بما جمعه من المال نحو سنة 1864م، فاستقدمه إليه البطريرك غريغوريوس يُوسُف الأول وإتفق معه على أن يشيّد مدرسة بطريركيّة مستعيناً بما جمعه الأب من المال ويقيمه رئيساً، فأخذ البطريرك الرابية في محلة المصيطبة في مشارف بيروت، محل بيت الزند وكان قد إبتاعها البطريرك بحّوث وشيّد فيها المدرسة... ولما تمّ بناؤها فتحت أبوابها للطلبة في شهر تشرين الأول سنة 1865م.

ولما كانت سنة 1928م جدد البطريرك كيرلّس التاسع أعمالها بعد إنتهاء الحرب العالميّة الأولى 1914-1918م.

ولقد تعاقب على التدريس في الكليّة البطريركيّة نخبة من العلماء المعروفين في زمانهم أمثال الشيخ ناصيف اليازجي، والشيخ إبراهيم اليازجي، والشيخ إبراهيم الحوراني، والشيخ سعيد الشرتوني، والشيخ عبد الله البستاني، والشيخ إبراهيم المنذر، وهم من أدباء النصارى. وكان بين المدرسين الشيخ يُوسُف الأسير الشاعر الصيداوي المعروف وهو من علماء المسلمين، والشيخ محيى الدين اليافي الذي تولى الإفتاء في بيروت.

وقد تخرّج من هذه الكليّة جمٌّ غفير من علماء لبنان وأدباء العرب، منهم: الفيكونت فيليب دي طرازي مؤسس دار الكتب الوطنيّة في لبنان وأول مدير لها، والشاعر أمين نخلة والأخوان الشقيقان التوأمان يُوسُف وإبراهيم سالم، من وزراء الحكومة اللبنانيّة، وعبد الحليم الحجار محافظ طرابلس ومؤسس حديقتها العامة التي ما تزال متنفساً للطرابلسيين حتى اليوم، وإبراهيم حيدر النائب البعلبكي في مجلس النواب اللبناني الذي كان الكونت دي مارتل المفوض السامي الفرنسي بلبنان يلقبه بـ (جبّار البقاع) وإسحاق النشاشيبي الأديب الشاعر الناثر الفلسطيني الذي عرفته الأوساط الأدبيّة الراقية في بيروت في أكثر من مناسبة.