CHARIF

أمين فتوى بيروت

من علماء بيروت الأفاضل رجل كان له مركز الصدارة بين علماء عصره وفقهائهم المدققين الباحثين المتعمقين، الذين نشروا العلم والمعرفة، وإشتهروا بالفضل والتقى والورع، تخرج على أيديهم الكريمة كوكبة من العلماء الأجلاء.

هو العالِم العلاّمة البحر الفهّامة إمام وقته وفريد عصره ووحيد مثاله الشريف محمد هاشم بن الشيخ عبد القادر بن حسن، والدته السيدة الفاضلة أسماء الزعني.

الحسينيّ نسبة الى الحسين بن عليّ بن أبي طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء بنت محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المدني أصلاً، الخليليُّ مولداً نسبة الى الخليل بلدة في فلسطين تنسب الى إبراهيم بن آزر خليل الرحمن صلى الله عليه وآله وسلم، البيروتيُّ موطناً ووفاة، الحنفيُّ مذهباً، الأشعريُّ عقيدة، القادريُّ طريقة.

ولد في العام 1284 للهجرة الموافق 1867 للميلاد، تلقى علومه الأولية في بيروت ولمّا بلغ الثامنة عشرة من عمره رحل الى مصر قاصداً جامعة الأزهر الشريف، درس على شيوخ الأزهر وفطاحل العلماء وبرع في اللغة والفقه والحساب والمنطق، أجازه أساتذته وشيوخه بالفتيا على المذاهب الأربعة، وحمل إجازة بالتدريس وقّعَ عليها ما يربو عن العشرين عالماً كلّ في حقل إختصاصه.

عاد إلى بيروت في العام 1311 هجرية الموافق 1893 ميلادية، عيّن مدرساً وخطيباً في مساجد بيروت، درّس في الجامع العمري الكبير وكانت له حلقته العلمية في مسجد المجيدية، تولى التدريس في المدرسة السورية وعين مديراً لها في العام 1328للهجرة 1910 للميلاد كما درّس في مدرسة الحقوق السورية في دمشق إبّان الحرب العالمية الأولى.

عيّن عضواً في مجلس إدارة جمعية المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت الذي كان قد ساهم في تأسيسها (النشأة الثانية) مع شيوخٍ وأفاضل آخرين وذلك في العام 1332 للهجرة الموافق 1913 ميلادي.

عيّن أميناً للفتوى في بيروت عام 1333 للهجرة 1914 للميلاد في زمن المغفور له مفتي بيروت فضيلة الشيخ العارف الصالح مصطفى نجا رحمه الله تعالى، وبهذا يكون أوّل أمين للفتوى في بيروت، وبقي في منصبه الى أن توفاه الله تعالى في التاسع والعشرين من شهر رجب الخير من العام 1351 للهجرة الموافق السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني 1932 للميلاد. وقد ناهز الخامسة والستين من العمر أمضاها في التعلّم والتعليم والبحث والإرشاد والفتوى والتربية والتوجيه.

أُذّن له عند موته بالمآذن وشيعته بيروت بأكملها في جنازة مهيبة كما صُفّت الخيل مع الخيّالة على جانبيّ الجنازة من منزله وحتى مثواه الأخير في جبانة الباشورة رحمه الله تعالى وقبره معروف فيها الى الآن.

تخرَّج على يديه كثير من العلماء وقرأ عليه كثير من الأفاضل العلوم بشتى مجالاتها نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر فضيلة العلاّمة الفقيه المحدّث أمين فتوى بيروت الشيخ محمد العربي العزوزي الإدريسي الحسني نسبة لسيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وفضيلة العلاّمة اللغويّ الأديب الشاعر الفقيه الخطيب المفّوه الشيخ أحمد العجوز وفضيلة المربي الفاضل أستاذ الأجيال الشيخ محمود الشميطلّي وفضيلة الشيخ عبد الغني غنّوم رحمهم الله تعالـى .

وكان رحمه الله تعالى مثال العالم العامل كثير الصمت حسن السمت عظيم المهابة شديداً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، كثير الصيام والقيام ورِِعاً زاهداً جواداً كريماً سخياً لم يُسأل عن شيء في سبيل الله إلا بذله حتى ثوبه الذي يلبسه، وأوقف مكتبته الكبيرة بعد وفاته لطلبة العلم صدقة جارية رحمه الله تعالـى وأجزل ثوابه.

يذكره الناس بالتقوى وسعة العلم وحدة الذكاء والكرم والعفة والشهامة والحزم وصدق القول والشدة على أهل الريب والفساد.

لم يترك له إصلاح الناس وتربيتهم وتعليمهم والإنكباب على شؤون الفتوى والتدريس وقتاً للتأليف ومع هذا فقد ذُكر انّ له مؤلفات لم يعرف عنها شيٌ سوى كُتيب أسماه {الوجيز في تجويد القرآن}.

ونظراً لمكانته الدينية والعلمية كرمته بلدية بيروت باطلاق اسمه على شارع هام من شوارع بيروت في منطقة دار الفتوى الزيدانية رقم 70 .

تزوج من السيدة الفاضلة آمنة بنت حسن الكوسا ورزقه الله من الذرية أربعة ذكور وأُنثيين من الإناث هم:

01      المرحوم عبد القادر ( كان مفتشاً في بلدية بيروت ومؤذناً في مسجد المصيطبة)

02      المرحوم الأستاذ حسن ( كان استاذاً في مدرسة دار الحمراء الحديثة ومعهد التربية الوطنية، كما عمل موظفاً في مصرف لبنان )

03      المرحوم فضيلة الشيخ محمد ( كان قاضياً مستشاراً في المحكمة الشرعية السنية العليا في بيروت )

04      المرحوم صلاح الدين ( كان موظفاً في بلدية بيروت وعضواً في نقابتها)

05      المرحومة أسماء ( توفيت في صباها قبل أن تتزوج )

06      المرحومة سنية (وتزوجت من السيد شفيق العرجة )

وقد قيل بالشيخ العلامة الشريف محمد هاشم الكثير من الكلمات التأبينية ودبجت فيه قصائد الرثاء ومن بينها مرثية نظمها الشيخ الشريف محمد عادل أمين فتوى المملكة الأردنية الهاشمية الأسبق الذي قال :

قف خاشعاً نحو الشريف المرتضى       هو هاشم حاز المكارم والتقى

الألمعي الذاكر الله بلا             شك فذلك زاده يوم اللقـا

أكرم به من لوذعي عاقل       نحر العلوم وصاغها متحققا

كان الأمين لدار فتوى بلدة       بيروت يا دار المعارف والنقا

منيت بفقد مجاهد متواضع     سبر الأمور مجرباً ومصدقا

يا رب صب على ضريح إمامنا فيضاً عميقاً دائماً متوثقـا

شيخ العطايا ذو المواهب كلها    هو هاشم من كان حقاً ذا تقـى

كما رثاه ابن عم له من الأشراف فقال :

رحمات ربي تنزلن عليك يا      شمس الهدى والعلم أيضاً والتقى

خطب دهى بيروتنا في موت من          أحيا الورى بهدي دين المصطفى

أمين فتواها سمّيَ محمد       آل الشريف فريد قوم قد ثوى

يا هاشم عظُمُ المصابُ وإننا                في الأرض نبكي والملائك في العلى

المصادر والمراجع:

1- مجلة الرسالة الإسلامية العدد 101 تشرين الثاني 1989 ص 46 (علماء أنجبتهم بيروت).

2- مقالة من إعداد خليل برهومي (علماء مسلمون من لبنان 25) جريدة اللواء في 13/10/1998.

3- فضيلة الشيخ الشريف محمد بن صلاح الدين ( حفيد المغفور له ) .

4- آل الشريف.