كان رواد المقاهي يمضون أوقاتهم فيها بالثرثرة وتدخين التبغ والتنباك وشرب القهوة التركيّة.

وكانوا قديماً يدخنون التبغ بالقصبات المعروفة بالغليون أو الشبق أو الجبق. وكانوا يغالون بالغلايين، فالوجهاء يتخذونها من عود الياسمين وربما بلغ طولها ثلاثة أذرع أو أكثر، والأغنياء يجعلون في فم القصبة حلمة عظميّة قد تكون بحجم بيضة الحمام وقد تكون مرصعة بالأحجار الكريمة أو من الذهب الخالص.

كان مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله من مدخني التتن بالقصبة، وردته كمية منه هدية من عكا سنة 1229هـ 1813م فقال في قصباته:

قصباته ممتدة قدامـــه يعلو على السحب العوال دخانها

قد خلتها مثل الرماح وإنها      في الهم تطعن والدخان سنانهـا

وقال في أبزازها:

قصباته أبزازها من كهربــا     أحسن بها، قوى الآله جنانها

كالأمهات المرضعات رضيعها  أفلا تراها أرضعته دخانهــا

وقال في شارب التبغ:

يا شارب التبغ والغليون في يـده        يعلو دخانا يعرف كالرياحين

ها أنت بحر الندى والجود مع كرم      وعادة البحر حمل للغلاييـن

وكان قاضي بيروت ومفتيها الشيخ أحمد الأغر من مدخني التبغ أيضاً، قال سنة 1239هـ 1823م في ليلة كان فيها الدخان في مجلسه من الجماعة من كثرة شربه حتى كأنه السحاب:

طما فينا دخان كالسحاب         فصرنا منه في عين الحجاب

كأن وجوهنا فيه نـجوم            تراءت للمـلا بين السـحاب

وقال في ذلك أيضاً مرتجلاً:

وجلسنا لقد أضحى سماء        وأهلوه النجوم بلا أرتياب

كأنا والدخان بــه بدور           قد استترت بأذيال السحاب

                    

وكان الشاعر عمر الأنسي من مدخني النارجيلة وسماها (الشيشة) كما يلفظها المصريون، فقال في ذمها:

تبا لشيشة تنباك ولعت بها      من صنع طهماز كانت للأذى شركا

تهيج البلغم المكنون قحتها      وتترك الصاغ من صدر الفتى شركا

ثم هجر الناس القصبات وصاروا يستعملون التبغ باللفات (السجائر) فراجت تبغاً لذلك أنواع مختلفة من ورق اللف، أقدمه ورق أوروبي جلبه مخزن الكف الأحمر في سوق الطويلة مطبوع عليه صورة الكف الأحمر، وقد صار لنوعه الحسن قبولاً عند كثيرين ممن يحبون التدخين في بيروت، وهم بلا ريب يتأكدون أنهم سيحصلون دائماً على أجود نوع من هذا الورق. وقد سجلت ماركته في المحكمة الشرعيّة في بيروت بتاريخ 7 كانون الثاني عام 1882م عملاً بالقانون الصادر في 11 جمادى الأولى سنة 1287هـ وجرى تقليده فحكم على مقلده بالغرامة وإتلاف المقلّد.

ومن الطريف أن مستورده كان يروج لهذا الورق برسم يتبين منه جودة صحة من يدخن به. في حين كان السادة مصباح غندور وشركاه قد أحضروا نوع الورق المعروف باسم (بنفسج بيروت) كفلوه من الغش وسجلوه أصولاً في المحكمة الشرعيّة. وقالوا إن من حسناته (حفظ الأسنان من الوضر. وصيانة الصدر من الضرر وفتح مجاري التنفس وحل عقد اللسان ـ وكل ذلك ـ يكون من شرب الدخان بورق بنفسج بيروت).

كما أحضروا ورق سيكارة فرنسي إسمه (قطر الندى) وتعهدوا لمحبي التدخين بمداومتهم على جلبه. وجلب سلطاني ونجا ورقاً نباتيًّا إسمه (زهر الجنائن) على أنه أحسن جنس.

وراجت في حينه دعاية لورق إسمه (رز مصري) (Papier Riz Egyptien) على أنه (علاج للأسنان والصدر من ناتر ورق السيكارة من إختراع معمل الخواجا سليمان روز نزويك في مرسيليا). وأعلن س. روز (S. Roses) صاحب معمل ورق سكاير في مرسيليا المعروف بعلامة (Passe Partout) المشهور محليًّا بالورق الفرنساوي أن البعض أخذ يقلد ماركته ( بدون مراعاة الذمة والشرف ونبّه المدخنين لئلا يلتبس عليهم الأمر. وقام سليم تيّان الذي كان يستورد دفاتر ورق السيكارة المعروف بـ (ورق الحمام) بتسجيل علامته في نظارتي العدليّة والتجارة والنافعة في الآستانه سنة 1905م وإستحصل على العلم والخبر بذلك. وجلب مصباح الغندور سنة 1908م ورق سيكارة بماركة (الطاووس) المسجلة باسمه وحذر من تقليدها تحت طائلة الملاحقة.

وجلب آل بيهم ورق السيكارة المعروف باسم (الأميركاني المشرشر) وقد نظّموا حملة إعلانيّة مبتكرة لترويجه، تعطي فكرة عن أسبقيّة تجّار بيروت في إستخدام وسائل في مجال الإعلان تبدو للبعض حديثة. من ذلك تقديم صاحب المعمل الخواجا سالطو حفلة سيماتوغراف وصفها بأنها ليلة فوق العادة في مرسح زهرة سوريا، وجعل الدخول مجاناً على شرط أن يستصحب الزائر ستة غلافات من دفاتر ورق السيكارة المذكور. ومنها تقديم هديّة مجانيّة عبارة عن ساعة فضيّة إلى كل من يجمع غلافات الورق المذكور المطبوع على ظهرها باللون الأحمر حرف من الحروف الأبجديّة التي يتكون منها الورق الأميركاني المشرشر. ومنها أيضاً من يجمع سبعين غلافاً من دفاتر الورق المشار إليه بحيث يؤلف من إنضمام حروفها لبعضها جملة ما، بأخذ هدية سلسلة ساعة ماركة الورق المذكور، ووضع ساعة شهرياً بتصرف المستهلكين في كل من بيروت ودمشق والقدس ويافا وطرابلس وحيفا وعكا وصيدا وزحلة وجونية.

والذين لا يزالون يلفون التتن، يستعملون النوع المعرف (ورق الشام) وشعاره تاج كتب حوله (فليحيى الوطن) وكتب تحته (إليك أيها العربي الصميم. إليك أيها الحر النبيل ورق الشام المتاز على سائر الماركات وهو صاحب التاج المرصع بالنسبة لنظافته ونقاوته من كل غش، بعد جهود خمس سنين توفقنا لأحسن ورق مخفف لأضرار الدخان وسميناه بالشام تيمناً بعروس بلاد العرب، فيجب على من يحب أن يخدم وصنه وصحته أن يستعمل ورق الشام وتبع ذلك:

يا بني الاوطان جمعاً    وَرَقُ الشام خذوه

فهو صحيًٌ لذيـــذٌ       جرّبوه تعرفــوه

ومن الغشّ خِلــيٌّ       فاشتروه واشربوه

نظمت الدولة إنتاج التبغ وبيعه وتصديره وحددت الرسوم عليه بموجب نظام إدارة الدخان الصادر سنة 1278هـ 1862م وتعديلاته اللاحقة. وفي سنة 1883م منح حق إحتكار إنتاج التبغ إلى شركة أجنبيّة عُرفت باسم (الريجي)، شملت الأراضي العُثمانيّة ما عدا متصرفيّة جبل لبنان. مما شجع التهريب بأساليب متنوعة.

وفي سنة 1897م جلبت إدارة حصر التبغ نوعاً مخصوصاً من السكاير (برسم البيع إلى ذوي الفاقة في بيروت ويوجد منها عند جميع الباعة ولا تباع إلا بالمفرق بسعر نحاسة واحدة كل سيكاره ومحرر على كل منها علامة (إستعمال سوريا).

ونشطت معامل الدخان في متصرفيّة جبل لبنان لإستثنائه من الحصر، منها معمل سمعان صوايا وأولاده في الشوير وزحلة، ومعمل أسعد أندراوس في عاليه، الذي أعلن سنة 1913م بأنه وفق على حد قوله (إلى طريقة نزعت بها من الدخان مادته السامة من غير أن يتغير طعمه فأصبح دخاناً بالغاً أبعد غاية من الإتقان).

أما النارجيلة فكان وجود سوق للنرابيج دليلاً على رواج إستعمالها، وكان يُوسُف السمن ممن إشتهر بشغلها، وكانت أنواعها كالعجمي والحموي والحجازي والبلدي (البيروتي) والإسلامبولي تباع في محل عبّود بسوق النرابيج.

وكانت الدولة تستوفي ليرة عثمانيّة ضريبة على كل كيس تنباك يرد من بلاد العجم (إيران)، فعرضت الشركة إحتكار التنباك مقابل دفع الليرة المذكورة على كل كيس يضاف إلى مجموع أربعين ألف ليرة مما أغرى الدولة فمنحتها الإحتكار، وعمدت الشركة إلى التصرف بالأسعار كما تريد فجعلت أقة التنباك 35 قرشاً بعد أن كان 12 قرشاً وكانت حواصل المتلزمين في خان البربير بإدارة عبد الرحمن نعماني أحد مديري شركة نعماني وصباغ ونحاس وشركاهم.