الشرطة في الولايات العُثمانيّة:

عُرفت الشرطة في العالم العربي منذ قيام الدولة الإسلاميّة، أطلق عليها إسم (الشرطة) و(الشحنة). وأطلق إسم (الخفية) على رجال التحري والمباحث. كما أطلق على حراس الليل في المدن أسم (العسعس)، لحراستهم الأحياء والأبواب.

عرفت ولاية بيروت، وباقي الولايات العُثمانيّة، نظام الشرطة بمعناه الواسع الحالي، متضمنة الحرّاس، شرطة الأمن، ورجال التحري. أما جبل لبنان، فكان طيلة عهد الإمارات المعنيّة والشهابيّة منذ الفتح العُثماني ومن الأمير فخر الدين حتى بشير الثالث، يتولى حفظ الأمن المركزي فيه (خيّالة المير) ومن يقوم مقامهم من رجال الإقطاع أو مشايخ المناطق.

وبزوال الإمارة الشهابيّة ممثلة بالأمير بشير الثالث، أُقيم نظام القائمقاميّة ومن ثم نظام المتصرفيّة الذي إنتهى سنة 1916م.

ونظراً لأن هذا النظام أقر من قبل بعض الدول الأوروبيّة، كان بعض المتصرفين من الأوروبيين العُثمانيين التابعين، كعمر باشا النمساوي، أو من المسيحيين من رعايا الدولة العُثمانيّة أو من غيرهم. حيث أنشأ هؤلاء قوى أمنيّة على النسق الأوروبي الريفي. وبما أن متصرفيتهم كانت منطقة جبليّة ريفيّة، فقد شكلت قوى أمن شبه عسكريّة من خيالة ومشاة تدعى الجندرمة (الدرك) مماثلة لقوى النظام في الريف الأوروبي، خصوصاً فرنسا وإيطاليا وبعض أجزاء من إسبانيا، جنودها من أبناء المتصرفيّة وضباطها من الأجانب، ثم أصبح الضباط من أهالي البلاد، وكانوا يُعرفون لدى العامة بعسكر الجبل، كما كان المتصرف يُعرف بباشا الجبل ومركزه في بعبدا.

أما في بيروت وما تعنيه من مركز تجاري وحضاري مميّز نتيجة لموقعها، فقد كانت فيها قوى شرطة ازدادت تنظيماً وحداثة أيام حملة إبراهيم باشا، خاصة وأن بعض قواد هذه الحملة ومستشاريها كانوا من الفرنسيين، وكنت لهم اليد الطولى في بناء النهضة العسكريّة والعلميّة في مصر.

مركز الجندرما في المصيطبة سنة 1902 ويظهر فيه الأول من اليمين واقفاً الشاويش أحمد لاوند وإلى أمامه جالساً قائد المخفر عبد الحفيظ محيو وإلى يسار الصورة يظهر معاون أول محي الدين جارودي وإلى يساره الشاويش محمد سوبره يساره قائد عام المنطقة العليا عفيف الحسامي وإلى يساره معاون ثاني مصباح التنير كما يظهر في الوسط بعض العمال المصريين العاملين في لوجستية الجيش العثماني.

شرطة بيروت في العهد العُثماني:

أنشئت المخافر في المدينة بالتناسق مع المناطق المتقاربة والمتباعدة، فأنشئ مخفر للشرطة باسم منطقة النهر سُمّي مخفر النهر، كما أُنشئ مخفر الجّميزة في حي الجّميزة، ومخفر طريق الشام سُمّي على إسم الطريق المؤدية إلى فرن الشباك ودمشق. أما مخفر حبيش، فسُمّي باسم المفوض يُوسُف حبيش الذي إستشهد في منطقة رأس بيروت أثناء قيامه بواجب مطاردة بعض الخارجين على القانون في أول أيام الإحتلال الفرنسي.

أما في وسط المدينة، فكان المركز الرئيسي في السراي الصغير، حيث يعمل مدير الشرطة ومفوض المدينة، ويطلق عليه مفوض المركز. ويوجد فيه السجن المركزي للولاية ونظارة الشرطة، وهو مركز التوقيف المؤقت للمذنبين قبل ترحيلهم للنيابة العامة في العدليّة. وقد درج العوام على إطلاق إسم الضابطيّة على رجال الشرطة، وكذلك (مدعي العموم) على النائب العام.

وبحكم تبعيّة مديريّة الشرطة في ولاية بيروت للأستانة، كان يفصل للخدمة فيها مفوضون من باقي الولايات. من المفوضين الذين عرفوا في بيروت مفوض يوناني من سالونيك هو المفوض باولي، ومفوض تحري مشهور هو عارف بك إبراهيم التركي، وقد إستخدمته الدولة اللبنانيّة سنة 1944م نظراً لكفاءته وعيّنته مديراً للشرطة اللبنانيّة، وعرف كذلك محيى الدين بك التركي الأصل الذي عيّن مديراً للشرطة في بيروت.

القبعة:

ألغي لبس القلبق وفرض لبس (كاسكيت) بناء للإقتراح المفوض العام غرغور. وكانت القبعة على نسق قبعات الضباط الألمان في أول العهد النازي، ومن لون واحد مع جديلى مقصبة للضباط، مغلف أعلاها بقماش أحمر اللون للأفراد، مزنرة بجلد بني اللون للمعاونين والأفراد، وكانت شارة السلاح غصني أرز على الجانب الأيسر من الصدر (اليوم شارة سلاح معدنيّة لجميع قوى الأمن).

تطور الشرطة:

من شرطة دوريات تستعمل في مهماتها العجلات الهوائيّة، تجوب أقسام المدينة ومناطقها وسائلها الإتصاليّة هواتف المخافر، إلى دراجات بخاريّة وسيارات جيب إبتداءً من عام 1941م وأجهزة إتصال لاسلكيّة عام 1959م بسيطة ومحدودة المسافات، إنتهاءً بنهضة حقيقيّة بدأت أواسط الخمسينات حين تولى المديريّة العامة للشرطة القاضي ناصر رعد. وكان مشمولاً برعاية خاصة من رئيس البلاد، فاستطاع أن ينتزع للشرطة صلاحيات الأمن العام، وهي إصدار جوازات السفر، ومراقبة دخول الأجانب للبلاد في الحدود البريّة والمرفأ والمطار. فازدادت مسؤوليات الشرطة كما ازدادت ميزانيتها. وهكذا إستطاع المدير رعد أن يُرسل بعثة إلى سكوتلنديارد في بريطانيا عادت للعمل في جهاز أمني هو المباحث العامة ومكافحة الجرائم وملحقة المجرمين بالسرعة المطلوبة، وبأساليب جديدة لم تكن معروفة قبل ذلك. وقامت بينها وبين دائرة التحري التقليديّة، منافسة مهنيّة عادت بأحسن النتائج على الأمن. وأثناء رئاسة المقدم (الجنرال) عزيز الأحدب ارتأى إنشاء قوة شرطة ضاربة متميّزة، فعهد إلى المفوض الأول مختار العيتاني، بإختيار ثمانين عنصراً من اصحاب القوة الجسديّة واللياقة البدنيّة والشجاعة، فاخضعوا لدورات قتاليّة في معسكر عين حزير، وتميّزوا بلباس مختلف: بيريه حمراء وقميص، شملة حمراء فوقها حزام جلدي، بنطلون طويل مع نصف جزمة جلديّة.

وقد زودوا بأسلحة رشاشة وسيارات جيب مجهزة بلاسلكي (كانت الأولى) وأرسل المفوض عيتاني إلى القاهرة وعاد بأسلوب عمل شرطة النجدة ونماذج من نشاطاتها. وهكذا كانت إنطلاقة المغاوير أو ما عُرف بعد ذلك وإشتهرت باسم الفرقة 16، التي إتخذت شعاراً لها الأرزة يحتضنها .

عسكرة الشرطة والأمن العام:

دمج رئيس الجمهوريّة فؤاد شهاب سنة 1959م الشرطة والدرك بالشرطة البلديّة، تحت إسم قوى الأمن الداخلي برئاسة العميد نور الدين الرفاعي. وأبدل مدير الشرطة بقائد عسكري هو المقدّم عزيز الأحدب (من الجيش)، كما إستبدل مدير عام الأمن العام بقائد عسكري هو المقدّم جلبوط.

شرطة السير في عاليه ستة أشهر كل عام:

بالنظر لحسن أداء الشرطة ومحسن مظهر رجالها، وكيفيّة تعاملهم مع المواطنين، وبالنظر لكون مدينة عاليه كانت مصيفاً شهيراً من جهة، ومقراً لرئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء من جهة ثانية، فقد عهد إلى شرطة السير في بيروت بتنظيم السير فيها والإشراف على المواقف أمام الفنادق، وكانت تُفصل مفرزة برئاسة مفوض، للقيام بهذا العمل طيلة فصل الصيف.

الدوائر التابعة لمديرية الشرطة العامة:

يرأس الشرطة القضائيّة مفوض عام، يتبعها دوائر الأدلة الجنائيّة، قسم البصمات والكشف الجنائي الفني ما عدا الطب الشرعي، حيث كان الأطباء الشرعيون تابعين للنيابة العامة ويعملون بإستنابة منها مع الأدلة الجنائيّة والسجل العدلي ودوائر التحري في جميع المحافظات حيث توجد دوائر تابعة لها.

وكان للمباحث العامة وشرطة الآداب ومكافحة البغاء، صلة عمل وثيق مع البلدية وأطباء الصحة البلدية التابع لها، لعلاج المصابات من البغايا والأمراض السارية. وتشمل صلاحية شرطة الآداب مراقبة الفنادق والمقاهي والنوادي الليليّة، وتخضع جميع العاملات من وطنيات أو أجنبيات إلى المعاينة الطبيّة أسبوعيًّا بإشراف شرطة الآداب، وشرطة السير وهي أصلاً من صلاحيات البلدية، يقوم بها اليوم رجال قوى الأمن لتنظيم حركة المرور ومراقبة المخالفات.