كان الشيخ هو الذي يعلم الأولاد القراءة والكتابة وتلاوة وحفظ القرآن الكريم وذلك لعدم وجود مدارس نظامية في الماضي أو لندرتها بحيث لا تتمكن من استيعاب كل الأولاد الذين هم في سن التعلم، كان مكان الشيخ يسمى فيما مضى (الكتَّاب) وجمعها كتاتيب وقد عرفت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وانتشرت مع انتشار الإسلام في مختلف البلدان الإسلامية .

كان هناك كتاتيب ابتدائية يتعلم فيها الأطفال قراءة القرآن الكريم وحفظه ومبادئ الدين الإسلامي وكتاتيب متقدمة لتعليم اللغة العربية وعلومها وعلوم الحديث وغير ذلك من العلوم .

تختلف سعة المكان المعد ليكون كتابا، فبعض هذه الكتاتيب كان يتسع لعدد كبير من التلاميذ وبعضها الآخر كان ينثر تلاميذه هنا وهناك في الهواء الطلق ، لكن معظمها كان صغير الحجم لا يشغل أكثر من غرفة واحدة من غرف بيت الشيخ أو الشيخة إذا كانت صاحبة الكتاب امرأة وتلامذتها بنات.

يجلس الشيخ على دكة مرتفعة وتفرش الغرفة بالحصر في معظم الأحيان ويتحلق التلاميذ متربعين حول معلمهم، كان الأولاد يذهبون إلى الكتاب في سن الخامسة، ويبقون فيه حتى سن الثانية عشرة من العمر لذا كان على الأهل تأمين من يرافق أولادهم في الذهاب وفي الإياب ويشترط في هذا المرافق أن يكون ثقة ومتأهلا ، أما المعلم فيجب أن يجمع الكثير من الصفات كالاستقامة والعفة والعدالة وأن يكون مهيبا ولكن في غير عنف لا عبوسا مقطبا ولا مبسطا مرفقا.

أما أوقات الدراسة في الكتاب فتحدد بعلامات طبيعية إذ تبدأ بشروق الشمس وتنتهي بأذان العصر وتعطل أيام الجمع والأعياد أو المطر الشديد . ويجري تكوين شخصية النابهين من الطلاب بأن يناط بهم المساعدة على تعليم المقصرين من لداتهم، كما يسند إلى هذا النابه مهمة العريف ويكلف من يتميز بصلاحه بالقيام بدور الإمام في الصلاة .

يبدأ الشيخ بتعليم الصبي كتابة الحروف منفصلة ثم متصلة وكان على كل صبي أن يكون معه محبرة من النوع المسحور الذي لا يخرج منه الحبر إذا سقطت المحبرة .

ويعنى الشيخ بتعليم الصبي جمال الخط فإذا تعلم كتابة الحروف يأخذ الشيخ بتعليمه (أبجد هوز) ولا بد من تعليمه كذلك كيفية كتابة الرسائل وخاصة مقدماتها، أما تعلم القراءة فيمر بالمراحل نفسها التي تتم بها الكتابة بل وترافقها فيعلم التلميذ لفظ الحروف مجردة من الحركة وبعد ذلك تضاف إليها حركات الشكل ثم تهجي حرفين متصلين مع الحركة، فإذا أتقن كل ذلك ينتقل إلى مرحلة القراءة وبالتهجي يردد التلاميذ ما يقوله الشيخ وبشكل جماعي: ألف لاشيء عليها وباء واحدة من تحتها وتاء تنتين من فوقها وثاء ثلاثة من فوقها. الخ....... 

وتعلم الكتاتيب تلاميذها كذلك الآداب الاجتماعية وتغرس فيهم العادات الحسنة كبر الوالدين والانقياد لأوامرهما وتقبيل أيديهما وكيفية التعامل مع الناس بذوق وأدب كإلقاء السلام على من يدخلون عليهم أو من يمرون بهم من الناس.

والكلام ممنوع في الدرس أما القراءة الجماعية فتحدث ضجة كبيرة تصل إلى خارج المكان وحتى إلى جيران الشيخ ،فإذا أراد الشيخ إيقاف القراءة ضرب بعصاه على الصندوق الموجود بقربه فينصت الجميع مرة واحدة أما إذا أراد أحد الصبية الخروج لقضاء حاجته أو لشرب الماء فإما أن يرفع يده إلى الأعلى أو سبابته فيؤذن له.

أما إذا ظهر من أحد الصبية حركة أو ضجة أو إذا تلفظ بكلام لا يعجب الشيخ فالعصا أو الفلقة بانتظاره وفلقة شيخ الكتاب مشهورة لا زال يضرب بها المثل وهي عبارة عن عصا غليظة يشد حبل على طرفيها وتوضع أقدام الولد بين الحبل والعصا وتشد لأجل تثبيتها وعند ذلك يبدأ ضرب الأقدام.

ويقتني بعض مشايخ الأولاد عصا طويلة يضعها إلى جانبه كثيرا ما تكون من القصب يستطيع أن يوصل بواسطتها ضرباته إلى أكتاف جميع الأولاد مهما كانوا بعيدين عنه. ولبعض هؤلاء المشايخ تصرفات شاذة إما لكبر سنهم أو لقصور في عقولهم لذلك فإن كتب الأدب القديمة تروي الكثير من الملح عنهم فيروى عن أحدهم أنه كان يغفو أثناء درسه ثم يروي لأولاده عندما يفيق من غفوته أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم. وحكى ابن الرومي ببضعة أبيات من الشعر قصة شيخ من هؤلاء كان يغني لزائريه وهو يعزف على طنبوره على الرغم من دمامته وبشاعة صوته قال فيه :

أبو سليمان لا ترضي طريقته لا في غناء ولا تعليم صبيان له إذا ما جاوز الطنبور محتفلا صوت بمصر وضرب في خراسان عواء كلب على أوتار مندفة في قبح قرد وفي استكبار هامان وتحسب العين فكيه إذا اختلجا عند التنغم فكي بغل طحان

كان حتى عهد قريب يجري احتفال عندما يختم أحد الأولاد قراءة المصحف

فتوقف الدروس في ذلك اليوم ويلبس المحتفى به ثوبا أبيض ويغطى رأسه بغطاء تزينه شرائط زاهية الألوان ثم يتجه التلاميذ كافة نحو بيت ذلك التلميذ وهم يسيرون في صفوف منتظمة وعلى رأسهم الشيخ وينشدون :

سلامي عليكم أتيناكم نهنيكم اليوم بهذا الغلام

سلامي دوما على المصطفى شفيع الخلائق يوم الزحام

سلامي عليكم سلام سلام سلامي عليكم فردوا السلام

ورد السلام طبعا هو المنحة المطلوب دفعها للشيخ من قبل الأهل . وفي المنزل تقرأ قصة المولد النبوي الشريف وتلاوة من القرآن الكريم وبعض الأناشيد، كما تفرق صرر من الملبس ويرش على الحاضرين ماء الورد وماء الزهر وعند الانتهاء من هذه المراسم تلعلع أصوات النساء بالزغاريد كإعلان بالفرحة . وتقيم العائلة في بيتها وليمة يدعى إليها الأقارب والأصدقاء مع أولادهم فيأكلون ويمرحون .

كانت بعض الكتاتيب تمنح شهادة مكتوبة للمتخرج. وبشكل خاص الكتاتيب التي تعلم الحساب ومسك الدفاتر وكانت هذه الشهادة تفيد صاحبها عندما يطلب عملا له علاقة بهذه المواد.