يروى أن الكاتب الراحل أنطوان الجميل رئيس تحرير جريدة الأهرام في بدايات القرن الماضي وصل إليه نعي أحد الأشخاص لينشر في صفحة الوفيات، لكن يبدو أن النعي وصله متأخرا، فكتب أنطون لعمال الجمع أسفل النعي «ينشر إن كان له مكان»، أي ينشر إذا كان هناك مكان في صفحة الوفيات، لكن النعي ظهر في صفحة الوفيات في اليوم التالي هكذا «فلان الفلاني... أسكنه الله فسيح جناته إن كان له مكان».

 

هذا أحد الأخطاء المطبعية الشهيرة التي تعج بها الصحف المصرية والعربية، والتي ترجع في الغالب إلى أحد ثلاثة أسباب أولها خطأ المحرر، أو خطأ عمال الجمع، أو خطأ المصحح الذي يقوم بمراجعة المادة الصحافية لغويا وإملائيا قبل الدفع بها إلى المطبعة، وتبرز من هذه الأخطاء المطبعية العديد من المواقف الكوميدية التي تبدو أحيانا حقيقية، وأحيانا تتسبب هذه الأخطاء في أزمات بين الدول، وقد تتسبب في إقالة رئيس تحرير الجريدة.

 

ولا يسلم الرؤساء ولا الوزراء من الأخطاء المطبعية، بالرغم من علو قدرهم، والاعتناء الشديد بمراجعة أخبارهم، والتدقيق الشديد فيها، فقد نشرت إحدى الجرائد المصرية خبرا في نهاية السبعينات عن وزيرة الشؤون الاجتماعية كان نصه «حكمت أبوزيد تتبول في كفر الشيخ» والصحيح «تتجول»، لكن الخطأ المطبعي حول الجيم إلى باء، أيضا نشرت جريدة الأهرام خبرا كان يبغي المدح لكن الخطأ حوله إلى الذم، وكان نص الخبر «الأهرام تثني على عمة الشيخ الخضري الكبيرة»، والصحيح «همة الشيخ» وهو ما أثار ثائرته، الطريف في الامر أن الشيخ الخضري كانت يملك «عمة» كبيرة بالفعل، وخبر ثالث كان يقول «عورة وزير الأوقاف» والصحيح هو «عودة».

 

ولم يسلم الرئيس المصري الراحل أنور السادات من الأخطاء، حيث نشرت جريدة عربية حديثا معه على صفحتين جاء في عنوانه خطأ مطبعي، حيث ظهر العنوان كالتالي «الرئيس المدمن يتضاءل بالبيض المحلي» والصحيح «الرئيس المؤمن يتفاءل بالبيض المحلي». وكان السادات يحب أن يلقب بالرئيس المؤمن، خطأ آخر حدث مع السادات حيث تداخل خبران أحدهما من صفحة الأدب والآخر من صفحة السياسة، فظهر الخبر كالتالي «أصدر الرئيس العاشق الولهان قرارا بـ ...» ولم يسلم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من الأخطاء لكن أشهرها هو الذي نشرته جريدة الأخبار في ابريل 1960 حين كانت مصر تتحدث عن أحد السفاحين واسمه محمود أمين سليمان، وكان يغتال الاثرياء، وكانت الصحف تنشر أخبارا عنه بانتظام، لدرجة أن الرئيس عبد الناصر نفسه كان مهتما بتفاصيل قضيته والقبض عليه، وحدث أن سافر عبد الناصر إلى باكستان في إحدى زياراته، ويروى أنه قال لزكريا محيي الدين وهو على سلم الطائرة «أرجو أن أعود وقد قبضتم على هذا السفاح»، وبالفعل قتل السفاح عقب سفر عبد الناصر، لكن جريدة الأخبار نشرت عنوان الخبرين في الصفحة الأولى أسفل بعضهما بنفس البنط، ما أعطى انطباعا أنهما خبر واحد «مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان» وهما عنوانان لكن نشرا على أنهما عنوان واحد. وتسبب الخطأ في حدوث أزمة كبيرة، خاصة وأنه كانت هناك أزمة بين الأخوين مصطفى وعلى أمين، وتسبب الخبر في أن يصدر صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية قرارا بمصادرة الأعداد ومحاصرة جريدة الأخبار، وإجراء تحقيق موسع لمعرفة من وراء نشر الخبر، ومن عبد الناصر إلى صديقه المشير عبد الحكيم عامر، الذي انتحر بعد هزيمة يونيو 1967 حيث نشرت إحدى الصحف خبر حضوره إحدى المناورات العسكرية هكذا «المشير عامر انتقل بعد المناورة إلى تل أبيب»، لكن أعداد الصحيفة صودرت بواسطة صلاح نصر ورجاله لتعود بعد تصحيح الخبر «المشير انتقل بعد المناورة إلى تل قريب».

 

وأحيانا يكون الخطأ مقصودا كأن يكون رئيس تحرير الجريدة يقصد إغفال معلومة أو إظهار أخرى، وهو ما كان يفعله إبراهيم سعدة رئيس تحرير جريدة الأخبار السابق بعد خلافه الشهير مع الفنان عادل إمام، الذي رفض القيام ببطولة إحدى قصصه، فأصدر سعدة «فرمانا» بعدم ذكر اسم عادل إمام، واستمر هذا الأمر طويلا لدرجة أنه عندما كان يجيء ذكر فيلم «طيور الظلام» الذي قام ببطولته عادل إمام، كان المحرر الفني يكتب أنه من بطولة رياض الخولي، الذي كان يقوم بدور ثانوي في الفيلم.

 

وقد يتسبب جهل المحرر أحيانا في العديد من المواقف الطريفة، فإحدى المحررات كتبت تصف تصادم قطارين «كان التصادم قويا لدرجة أن القضبان تكسرت والعربات أصبحت سبعات ثمانيات» تقصد انقلبت رأسا على عقب.

وقد يؤدي سوء الفهم أحيانا إلى مواقف أكثر طرافة، حيث كتب أحد المحررين يصف حادثة مرورية تسببت في سقوط جندي من فوق دراجته البخارية «انقلاب عسكري في مدينة» وهو ما فهم على أنه انقلاب على السلطة قام به العسكريون.

وعلمنا آباؤنا النحويون أن علامات الاعراب «الفتحة والضمة والكسرة» قد تتسبب في تغيير المعنى بالكامل، وكذلك فإن الأخطاء المطبعية في الصحف قد علمتنا أن النقطة قد تتسبب في قلب المعنى رأسا على عقب «وليس سبعات ثمانيات» فقط، و قد نشرت إحدى الجرائد أعلانا للترويج لها جاء فيه أنها «أوسخ الصحف انتشارا» والصحيح أنها «أوسع» الصحف، لكن الخطأ المطبعي آثر أن يبدل العين بالخاء. ونشرت جريدة الأهرام في العهد الملكي في باب التشريفات خبرا يقول «استقبل جلالة الملك فؤاد ضيوفه في قصره العاهر والصحيح «قصره العامر».

وأحيانا يصادف أن يكون الخطأ المطبعي مطابق للواقع الذي تريد الصحف تغييره، وهو ما حدث عندما نشرت إحدى المجلات المصرية الكبرى موضوعا بعنوان «مجلس الوزراء يقرر تحجيم الأسعار» لكن العنوان نشر هكذا «مجلس الوزراء يقرر جحيم الأسعار». ومن الأخطا الطريفة ما يرويه الكاتب الكبير الساخر أحمد رجب حيث أجرت معه إحدى الصحف حديثا مطولا، ونشرته مرفقا بصورة زعيم المافيا الشهير «جياكومو منجوزي»، وتداركت الجريدة الخطأ في العدد التالي معتذرة، ونشرت صورة أحمد رجب لكن أسفلها هذه المرة اسم «جياكومو منجوزي».

 

لكن أطرف الأخطاء هو ما نشرته صحيفة أمريكية عام 1875 خطأ عن وفاة الأديب الكبير فيكتور هوجو، وبعد عشر سنوات مات هوجو فعلا، فكتبت الصحيفة عنوانا كبيرا «نحن أول من أعلن وفاة هوجو». والمتابع لصحافة اليوم يجد أن لا جريدة تخلو من الأخطاء المطبعية، وقلما نجد صحيفة تخصص بابا لتصحيح أخطائها كاعتذار واجب لقرائها، وكلهم يقولون «كلنا خطاءون»، لكنهم لا يكملون «وخير الخطاءين التوابون».