WARD

للورد أكثر من لفظ مجانس ومطابق، أغلبها له علاقة بالماء، فبفتح معناه: نور الشجر، وأنوار البساتين، وبكسرها، شرب الماء وطريقة منهله، والحيوان والطير الوارد. وان عبر الورد عن الربيع والرواء، فمجانسه المطابق (الورد) يفيد معنى العطش والحمى والهلاك. وكان حضوره في التراث الإسلامي مع بقية النبات والزروع. عبر الكتب الطبية مثل "القانون في الطب" لابن سينا، "والجامع لمفردات الأدوية" لابن البيطار الأندلسي، وكتب الزراعة مثل "الفلاحة النبطية" ترجمة ابن الوحشية النبطي (القرن الرابع الهجري) وكان حول الزراعة ببابل، وكتب النثر الجامعة. مثل نهاية "نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويري، وكتب أخرى لم تصل إلينا. أقدمها كتاب "فضائل الورد على النرجس" لابن طيفور، وحسب علمنا كان من أوائل المهتمين المعاصرين بتراث الورد صلاح الدين المنجد، في بحثه "الورد في حياة الخلفاء العباسيين" عام (1942) م. ثم عبود الشالجي في بحثه الموجز "الورد" عام (1975) م.

وفي الحياة استخدام وأمثال في الأدب والشعر لكلمة الورد، وعرف الورد أيضاً بمجالس الخلفاء. بعد ظهور الترف فيها، غير أنه كان معروفاً في الجاهلية، فوردة اسم أم صاحب المعلقة طرفة بن العبد وهو القائل:

صغر البنون ورهط وردة غيب ما ينظرون بحق وردة فيكم

(لسان العرب)

واسم ابنة أحد الطائيين، متيمة داود بن سعد التميمي، وله مع النعمان بن المنذر حكاية مثيرة حول وردة (التنوخي، الفرج بعد الشدة). وهو القائل فيها:

مع الحب المبرح غير صاح مع الحسناء وردة إن قلبي
أقارع نجم وردة بالقداح وددت وكاتب الحسنات أني

ولا ندري، هل كانت تسمية وردة نسبة الى الورد الشجر، أم الورد عيون الماء؟ لن ورد (بفتح الواو) كان اسم والد الشاعر الصعلوك عروة بن الورد. والشاعر الجاهلي عنترة بن شداد قصد الورد بألوانه وبهجته بقوله:

ومبهرج ومهرج وجلل والورد بين مبهج ومفوح
كالزعفران وأبيض كالسنجل يزهو بأحمر كالعقيق وأصفر

كما قصده الشاعر الجاهلي مقري الوحش، بقوله:

نار على ماء الحياء لم تجمد والورد يحكي بالغصون مجامراً

 

وفي عصر الاسلام ورد جناس الورد في القرآن الكريم في سورة (هود) "فأوردهم النار ورئيس الورد المورود". وفي سورة (الرحمن) "فاذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان" أي الوردة الحمراء.

وشقائق النعمان، تسمية وشكلاً، من الورود والزهر الأكثر نصيباً في الأساطير، فلونه الأحمر القاني وظهوره بالبراري كرمه بأنه يكون رمزاً للشهادة، وقيل سمي بهذا الأسم نسبة الى النعمانيين، ملوك الحيرة، أو نسبة الى الدم، والنعمان أحد أسمائه. إلا أن المهتمين بالأسطورة قالوا: إن أسم النعمان وشقائقه مشتق من النعم (كسر النون)، ومن معانيها المخضوضر، ومنها تشتق كلمة الناعمة أي الروضة أو الحديقة (فراس السواح، لغز عشتار). وبالتالي، للشقائق علاقة بمعنى النعمان الأخضر.

وقال ابن البيطار الطبيب: "شقائق النعمان صنفان: بري وبستاني، ومن البستان ما زهره أحمر، ومنه ما يميل الى البياض".

وفي ورد الدفلى، قال ابن سينا، قبل تدجينه: "منه بري ومنه نهري، وعند ورقة شوك، وورده أحمر، مر المذاق جداً، ويقتل طبيخه البراغيث والأرضة. وترجم ابن وحشيه لورد الغار: "أنه مليح المنظر، وله منافع كثيرة، وذكر أن فلاحها رأى في المنام أنها عاتبته لعدم عنايته بها مثل بقية الشجر. كما ترجم للاقحوان: "أنه نبات بري نقله النبط من البراري، واتخذوه في البساتين، وهو نبات يحمل ورداً طيب الريح، ورقه أبيض، ووسط الوردة أصفر، وهو من المنومات، ويعين القوة على الجماع. وورد الياسمين طيب الرائحة، وهو من أحسن أنواع البنفسج، هو والنسرين كالأخوين. وذكر ابن وحشية قدرات ورد الخزام في الطب النفسي، منها أنه يزيل الهم والكآبة ويسكن الغضب. وفي الورد بشكل عام، قال ابن سينا: "مركب من جوهر مائي وأرضي، وفيه حرارة وقبض، ومرارة من قبض، قليل الحلاوة".

وحصر النويري أشهر ألوان الورد بالأحمر والأبيض وجمع أشعاره وحكاياته في فصل "الورد وما قيل فيه". منه قول العماد الأصفهاني:

قلت للورد ما لشوكك يُدمي كل ما قد أسوته من جراح
قال لي هذه الرياحين جند أنا سلطانها وشوكي سلاحي

ولعل العماد انتحل في البيت الثاني قول الخليفة جعفر المتوكل: "أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين، فكل أولى بصاحبه". قال الخليفة ذلك، وحرم الورد على الناس، فلا يُرى الورد إلا في مجلسه، وكان في موسمه يلبس الثياب الموردة، ويفترش الفرش الموردة (المنجد والشالشي، عن مطالع البدور للغزولي). ومن أخبار الورد في حياة الخلفاء، ذكر الطبري أن وزير المهدي، يعقوب بن داود، وصف مجلس خليفته بقوله: "مفروش بفرش مورد، متناه في السرور، على بستان فيه شجر، ورؤس الشجر في صحن المجلس، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والازهار من الخوخ والتفاح، فكل ذلك مورد يشبه فرش المجلس الذي كان فيه".

ومن شغف الوجهاء بالورد ذكر أن الوزير الشيرازي مدّ، على هامش وليمته للسلطان البويهي، الحبال على عرض دجلة، بين الرصافة والكرخ، ونثر الورد بكميات غطت الماء، فمنعته الحبال من الحركة. وقال التنوخي أنه رأى ورداً أصفر، عدد ورق ورده ألف ورقة، ورأى ورداً أسود حالك اللون، له رائحة ذكية، ورأى بالبصرة وردة نصفها أحمر ونصفها الآخر ابيض (نشوار المحاضرة).

واتفاق البشر على جمال الورد وروعته، لم يمنع ابن الرومي من هجائه بقوله:

يا مادح الورد لا تنفك عن غلط   ألست تنظره في كف ملتقطه
كأنه سرم بغل حين يخرجه عند البراز وباقي الروث في وسطه

 فرد عليه ابن المعتز:

غلطت والمرء قد يؤتى على غلطه يا هاجي الورد لا حييت من رجل
اذا تحلت يحاكي الوشي في نمطه هل تنبت الأرض شيئاً من أزهارها

 أما أبو دلف فكان صادقاً في تشبيهه تقلب الحبيب بموسمية الورد:

ولا خير فيمن لا يدوم له عهد أرى ودكم كالورد ليس بدائم
له زهرة تبقى اذا فنى الورد وحبي لكم كالآس حسناً ونضرة