آل ألرافعي

من الأسر الإسلاميّة البيروتيّة والطرابلسيّة واللبنانيّة والعربيّة، تعود بجذورها إلى القبائل العربيّة العمريّة، في شبه الجزيرة العربيّة لا سيما في مكة المكرّمة والمدينة المنورة، أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن أحد أجداد الأسرة يعود بنسبه إلى الولي أبي بكر الرافعي الحموي المدفون في زاويته في حماه، وهو إبن الشيخ لطفي البيساري إبن الشيخ علي الحموي العقيلي إبن القطب الشهير الشيخ عقيل العمري من منبج، وهو إبن الشيخ شهاب الدين أحمد البطائحي الهكاري إبن زين الدين عمر بن عبد الله بن زين العابدين عمر بن محمد بن زيد العمري المكي بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب «رضي الله عنهم أجمعين» حسبما جاء في كتاب «الدرر البهيّة لأنساب القرشيين في البلاد الشاميّة».

ومما يلاحظ، بأن أسرة الرافعي ارتبط اسمها عبر التاريخ بالعلم والمعرفة والرباط والجهاد والجرأة وقول الحق، كما ارتبط اسم طرابلس الشام والقاهرة والقدس باسم آل الرافعي طيلة العهد العثماني، وفي القرن العشرين، على اعتبار أنها منسوبة إلى الخليفة الراشدي عمر بن الخطّاب.

ويشير ابن الاثير في كتابه «اللباب في تهذيب الأنساب» إلى نسب آخر لأسرة الرافعي بقوله إنها منسوبة إلى أبي رافع وإلى رافع، ومن أجدادها المحدّث إبراهيم بن المنذر الخزامي والمحدّث بن إسحاق المسيبي، وقد انتقل إلى بغداد وتوفي بها.

كما برز من أجداد الأسرة أبو الحسن محمد بن إسحاق إبن إبراهيم بن أفلح بن رافع بن إبراهيم بن أفلح بن عبد الرحمن بن رافعة بن رافع الأنصاري الزروقي نسب إلى جده الأعلى، وكان نقيباً للأنصار في بغداد. توفي في جمادى الآخرة عام 366هـ .

عُرف من الأسرة الكثير من الأئمة والعلماء منهم السادة: ألفقيه الشافعي عبد الكريم الرافعي المتوفى عام 623هـ - 1226م من كبار فقهاء الشافعيّة. نشأ وتوفي في قزوين. تضلع في المذهب الشافعي والعلوم الإسلاميّة، وله مشاركة في التاريخ واللغة. أهم مصنفاته «فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي» و«ألتدوين في أخبار قزوين».

وبرز من الأسرة ألعلامة الشيخ عبد القادر الرافعي الكبير ألمتوفى عام 1814م، أحد متخرجي الأزهر الشريف في مصر. كما برز الفقيه الحنفي عبد الغني الفاروقي – 1821-1891م – نزع إلى التصّوف، وهو من مواليد طرابلس الشام. رحل إلى الشام ومصر واستانبول. ولي إفتاء طرابلس، ثم ولي قضاء تعز وصفاء في اليمن. توفي في اليمن معتكفاً متصوفاً. له «ترصيع الجواهر المكيّة في تزكية الأخلاق المرضية».

وفي مصر سبق أن برز الشيخ محمد الفاروقي الرافعي مفتي الديار المصريّة، وإمام الرواق الشامي في الجامع الأزهر والمتوفى عام 1882م. كما برز الشيخ عبد الحميد الرافعي – 1855 / 1932م – قاضي المدينة المنورة.

هذا، وقد برز من أسرة الرافعي مفتي الديار المصريّة خلفاً للشيخ محمد عبده الشيخ عبد القادر بن مصطفى الرافعي – 1832 / 1905م – شيح السادة الحنفيّة. ولد في طرابلس وتوفي في القاهرة. له «ألتحرير المختار لرد المحتار».

ومن علماء الأسرة الأديب أمين عبد اللطيف الرافعي – 1886 / 1927م – ولد في القاهرة وتوفي فيها. أديب وصحافي لبناني الأصل، طرابلسي الجذور. حرّر في عدة صحف مصرية. إنتقلت إليه «صحيفة الأخبار».

كما برز من الأسرة الأديب الشهير مصطفى صادق الرافعي – 1880 / 1937م – من أدباء ومؤرخي مصر وبلاد الشام. له العديد من المؤلفات الأدبيّة والتاريخيّة منها: «تحت راية القرآن» رداً على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي. وله «إعجاز القرآن» و«تاريخ أدب العرب».

وبرز من الأسرة الشيخ عمر تقي الدين الرافعي أحد علماء طرابلس في القرنين التاسع عشر والعشرين. كما برز في التاريخ الحديث والمعاصر السيد عبد الفتاح الرافعي ونجله قاضي الشرع الحنيف العالم الشيخ يحيى ناجي الرافعي من مواليد بيروت 24- شباط – 1938م. متأهل من السيدة هناء عبد الرحمن الدّنا، أستاذة اللغة والأدب والترجمة، في البعثة العلمانيّة الفرنسيّة في لبنان، ولهما أربع بنات «ثلاث منهنَّ محاميات» وإبن واحد. تلقى الشيخ يحيى الرافعي علومه بعد لبنان، في جامعة الأزهر الشريف والجامعات المصريّة الأخرى، وحصل على إجازات ودبلومات عليا في الشريعة والقانون والفقه المقارن، وتخصّص في القضاء الشرعي، والتربيّة، وعلم النفس، والصحافة، والتوثيق والمكتبات، تقدّم بأطروحة دكتوراه في فلسفة القانون المقارن في جامعة السوربون في باريس. وهو فضلاً عن إتقانه العربيّة، ملمّ باللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة. وقد منحه المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر، جائزة الدولة التشجعيّة، وشهادة الامتياز لأوائل الكليات في مصر. مارس الصحافة والتدريس والخطابة، وتولى مناصب إداريّة ودينيّة عليا، كمفتش عام للأوقاف الإسلاميّة، وأمين عام رابطة علماء المسلمين في دار الفتوى في لبنان، وتولى القضاء الشرعي في أغلب المحاكم اللبنانيّة، وكان أخيراً القاضي الأول في بيروت.

ومن مشاهيرهم المعاصرين في طرابلس الشام الدكتور كمال بن عبد الغني الرافعي الاختصاصي في علم الكمبيوتر، وشقيقه الدكتور الشيخ سالم الرافعي صاحب التآليف الباهرة ومنها «مختصر المجموع شرح المهذب»، ومتنه لأبي إسحق الشيرازي.

وعلى الصعيد السياسي برز من الأسرة في طرابلس الشام النائب السابق الدكتور عبد المجيد الرافعي 1927 – من مواليد حي الرفاعيّة في طرابلس، تلقى علومه في مدرسة لنجاح وكلية التربيّة والتعليم الإسلاميّة في طرابلس، ذاكرة عبد المجيد الرافعي لا تزال تعمل بحيوية وانتظام. مشهد انتفاضة أبناء مدينته طرابلس ضد الإنتداب الفرنسي عام 1936 هو الأكثر رسوخاً في ذهنه حتى اليوم. يومها أقفلوا مدينتهم لمدة أربعين يوماً وساروا في تظاهرات صاخبة طالبوا فيها بالوحدة بين سوريا ولبنان. اشتبكوا مع جنود الانتداب وسقط منهم عدد من الشهداء. أيام عديدة قضاها الرافعي معاوناً والده وعدداً من ثوار المدينة في توزيع المواد التموينية التي كانت تأتي سراً من سوريا، على سكان محلة أبي سمرا المحاصرين من الجنود الفرنسيين.

صور فوزي القاووقجي المنتشرة في أنحاء طرابلس عام 1938 أثارت اهتمامه، إذ علم من والده أنه ابن المدينة، وهو قادم من فلسطين لاصطحاب متطوّعين للقتال ضد اليهود والانتداب البريطاني. فقررالالتحاق بركب المجاهدين، لكن صغر سنه حال دون تحقيق أمنيته.

عام الاستقلال سنة 1943 كان مشهوداً في حياة عبد المجيد الرافعي، يومها دعا تلاميذ مدرسته إلى التجمع أمام جامع طينال فساروا في مسيرة احتجاجية ضد اعتقال الفرنسيين لحكومة الاستقلال، وأطلق الفرنسيون الرصاص على مقدمها فأصيب صديقه أمين هاجر الذي كان يسير إلى جانبه برصاصة في كتفه.

لم يكتف الفرنسيون بإطلاق الرصاص على المحتجّين، بل أطلقوا دباباتهم أيضاً في حملة مطاردتهم حيث سقط عشرة شهداء منهم دهساً. واقع الإهمال الاجتماعي والصحي الذي تعيشه طرابلس، سيطر على مشاعره منذ الصغر. ورأى في امتهانه الطب، حضوراً مباشراً لتخفيف ثقل المعاناة الحياتية عن كاهلهم.

لم تجر الرياح في القاهرة التي قصدها لدراسة الطب بما تشتهييه طموحاته، فالمنحة التي حصل عليها لدراسة الطب عام 1946 تحوّل مسارها فجأة إلى كلية التجارة. عاد إلى لبنان مجدداً وعينه على الجامعات الأوروبية، لكنه حوصر بأوضاع والده المادية الضيقة. غير أن باب الفرج ما لبث أن فتح، من خلال قريب له قصد النائب والوزير إميل لحود الذي كان على علاقة جيدة بمديري بعض الجامعات السويسرية، ولم يمض وقت طويل حتى طار عبد المجيد الرافعي إلى جامعة لوزان لدراسة الطب بقسط شبه رمزي.

أجواء المدينة الباردة لم تخفّض حرارة اهتمامه بالقضايا الوطنية، فكانت له اليد الطولى في تأسيس جمعية الطلبة العرب (آرابيا) التي لا تزال فاعلة حتى اليوم.

احتلت نكبة فلسطين عام 1948 حيزاً واسعاً من اهتمام عبد المجيد الرافعي ورفاقه الطلبة، فجمعوا كميات كبيرة من الأدوية وأرسلوها إلى النازحين. ومعهم، تحول المقهى الجامعي في لوزان منتدى أسبوعياً علت فيه الأصوات المحذرة من الخطر المتأتي من الاحتلال اليهودي لفلسطين.

سبع سنوات أمضاها في سويسرا،عاد بعدها إلى طرابلس حاملاً شهادة في الطب العام. كان الرافعي على مسافة أيام قليلة من السفر للعمل في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية، عندما أقنعه مدير المستشفى الاسلامي في طرابلس النائب الدكتور هاشم الحسيني بوضع مشروع السفر جانباً والعمل معه في مستشفاه. لم يلمع اسم الطبيب الشاب في سماء المجتمع الطرابلسي لمهاراته المهنية فحسب، بل أيضاً من دخوله إلى معاناة مهمشي مدينته، إذ كان الطبيب الشاب يقوم بجولات ليلية في الأحياء الفقيرة حاملاً معه العلاج والدواء إلى المرضى من دون مقابل.

سعى بعض الأحزاب السياسية في المدينة إلى ضم بعض الأسماء الفاعلة في الميدان المحلي إلى صفوفها، وفي طليعتهم عبد المجيد الرافعي وعدد من رفاقه الذين شكّلوا في ما بينهم لجنة لدراسة أفكار هذه الأحزاب وعقائدها لاختيار الأنسب لتطلعاتهم. وسرعان ما وجد الرافعي نفسه في تكيف مع أجواء حزب البعث العربي الاشتراكي، فنسج علاقات طيبة مع قياداته في المدينة الذين عبّروا عن ودّهم حياله باختياره عريفاً لاحتفالهم في الذكرى العاشرة لتقسيم فلسطين عام 1957، ولم يكن قد انتمى بعد إلى صفوفهم. واتبعوا ذلك، بترشيحه للانتخابات النيابية عام 1957 وهو لا يزال عضواً حديث العهد في الحزب.

المواجهة بأصوات المقترعين كتبت فيها الغلبة للرئيس رشيد كرامي، لكن مجموع الأصوات الذي حصل عليه الرافعي، أشعر زعامات المدينة بولادة منافس جدي لهم. بعد تلك الانتخابات، أصبح حضوره أكثر اتساعاً في الأوساط الشعبية والحزبية، فرشّح في الانتخابات الحزبية الداخلية للمؤتمر القطري وفاز بمنصب عضو قيادة قطرية في حزب البعث.

لم تأت الوحدة المصرية - السورية عام 1959 خالية من الشوائب، فبقاء السلطات الفعلية بيد عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج في الإقليم السوري، في مقابل صلاحيات شكلية لنائب الرئيس أكرم الحوراني، أثار احتجاجاً واسعاً في صفوف البعثييين، بحيث خشي رئيس البعث ومؤسسه ميشال عفلق من انقسامات داخلية، فانتقل سراً بواسطة زورق إلى طرابلس عام 1959، واجتمع بكوادر الحزب في منزل الرافعي. وخرج المجتمعون بنتيجة أن الوحدة كانت ولا تزال مطلباً قومياً ملحاً، ولكن جرى استعجالها قبل أن تنضج ظروفها. كما  جرى استعجال حلّ حزب البعث في سوريا.

شكلت انتخابات عام 1960 النيابية قمة المفارقات بالنسبة إلى عبد المجيد الرافعي، فقد أعلن المحافظ فوزه عشية فرز الأصوات في السرايا وقدم إليه التهنئة أمام جمع من الحضور، ليعود ويتصل به صباحاً ليعلمه بتبدل النتيجة في اللحظات الأخيرة لمصلحة الرئيس رشيد كرامي. المشهد أشعل فتيل التوتر بين مناصري الطرفين. فمؤيدو الرافعي حاولوا مهاجمة السرايا واشتبكوا مع حاميتها ومناصري كرامي. غير أن سخونة الموقف دفعت الرافعي إلى قبول مناشدة محافظ الشمال والتدخل لدى مناصريه للتهدئة، وإعلانه قبول النتيجة والتوجه بالتهنئة إلى الرئيس كرامي.

انهيار الوحدة المصرية - السورية عام 1961 صعق جمهرة واسعة من العرب، فقد انقسم البعثيون بين رافض لقرار الانفصال بقيادة ميشال عفلق ومؤيّد له بزعامة أكرم الحوراني الذين شكلوا الأكثرية. وقف الرافعي ضد الانفصاليين وهاجم موقفهم عبر الصحف ولقي موقفه تأييداً من الشارع الطرابلسي، فحمله المتظاهرون على الأكتاف وطافوا به في أنحاء المدينة. وفي المؤتمر القومي للحزب عام 1961، بقي على موقفه على رغم مطالبة القيادة له بالاعتذار لخروجه على النظام الحزبي. لكن تعارض المواقف لم يمنع انتخابه عضواً في القيادة القومية للحزب.

استمرت الأمور في التفاعل داخل حزب البعث العربي الاشتراكي والقيادة السياسية في سوريا، حيث سيطر بعثيو الجيش على مقاليد الأمور في الدولة والحزب عام 1963. اعتبر عبد المجيد الرافعي وعدد من رفاقه ذلك انقضاضاً على القيادة الشرعية للحزب، فتداعوا إلى مؤتمر قطري في 2 آذار وأصدروا بياناً عبروا فيه عن رفضهم لهذه التحولات. يربط الرافعي بين هذا الموقف واعتقاله على يد الأمن العام في اليوم التالي، ولم يكن قد مضى على زواجه أكثر من أسبوعين، إذ اتهم بالقيام بنشاط لحزب غير مرخص، وتعكير العلاقات مع دولة شقيقة. ثلاثة أسابيع أمضاها في السجن، خرج بعدها على وقع اعتصامات قام بها أنصاره في طرابلس. التناقضات في صفوف البعثيين أوصلت إلى الانشقاق عام 1966. إنحاز عبد المجيد الرافعي إلى تيار مؤسس الحزب ميشال عفلق الذي غادر إلى العراق، معتبراً أنه يمثل الشرعية الحزبية.

وجد موقف الرئيس جمال عبد الناصر سحب القوات الدولية من سيناء وقناة السويس قبيل أيام من حرب حزيران عام 1967، تعاطفاً كبيراً في الشارع اللبناني. وعقد اجتماع حاشد في الجامع المنصوري الكبير، خطب فيه عبد المجيد الرافعي معلناً تأييد القوى الوطنية لموقف الزعيم المصري. لم يتناسب ذلك مع حسابات السلطات اللبنانية التي حاولت بواسطة الشعبة الثانية، إثارة اقتتال داخلي بين الطرابلسيين. أطلق الرصاص والقنابل في وقت متزامن على أنصار الرئيس كرامي وعبد المجيد الرافعي بعد انتهاء المهرجان، ثم اعتقل الدرك الرافعي من منزله ووجهت إليه تهمة التحريض على القتل. سرى توتر في المدينة، وبدأ انصاره بالاحتشاد أمام السرايا في طرابلس. لم تستطع السلطات تحمّل الموقف واضطرت إلى إطلاقه بعد ساعات من اعتقاله.

على رغم الخلافات المستحكمة بين جناحي البعث السوري والعراقي، أعلن الرافعي تطوعه لمعالجة جرحى الحرب على جبهة الجولان عام 1967 بحيث أمضى ثلاثة أسابيع في المستشفيات السورية، مخففاً من آلامهم.

لم تحبط هزيمة حزيران من عزيمة عبد المجيد الرافعي ورفاقه، فتحركوا في اتجاهات عدة، نظموا الندوات الشعبية المؤيدة للثورة الفلسطينية في كل المناطق اللبنانية، وأرسلوا متطوعين للتدرب على السلاح في مخيمي البارد والبدواي.

تحول اعتقال أجهزة الأمن اللبنانية خلية فلسطينية في طريقها إلى الأرض المحتلة، أزمة متفجرة في طرابلس في 23 تشرين الثاني 1969. استنكر الطرابلسيون هذه الخطوة وساروا في تظاهرة حاشدة بقيادة الرافعي إلى السرايا مطالبين بإطلاق المعتقلين. ردّت الحكومة بفرض حظر التجول في المدينة. أطلقت قوى الأمن النار على المتظاهرين فقتل المحامي أحمد علم الدين وتحولت طرابلس ساحة حرب بين السلطة والمتظاهرين سقط فيها عدد من القتلى والجرحى. وعرفت الفيحاء بعد هذا الحادث حركة سياسية جديدة باسم حركة «24 تشرين الثاني» بقيادة فاروق المقدم.

توّج الرافعي نضاله المطلبي والشعبي بانتخابه نائباً عام 1972. ترأس قائمة في مواجهة لائحة الرئيس رشيد كرامي نجح منها وحده. خاض نضالاً مطلبياً واسعاً لتحقيق مطالب سكان المدينة، وشكل برلماناً شعبياً من مختلف قطاعاتها المهنية وأحزابها السياسية، للمطالبة بحقوقها المهدورة.

في بداية حرب السنتين عام 1975، رفض الرافعي اتخاذ موقف مؤيد لعزل الكتائب على رغم سقوط 12 عنصراً من «جبهة التحرير العربية» في حادث بوسطة عين الرمانة، معتبراً هذا القرارعزلاً لطائفة بأكلمها في تلك الظروف.

شكل حزبا البعث والسوري القومي الاجتماعي و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة» جبهة معارضة لتجاوزات حركة «فتح" داخل الحركة الوطنية وقيادة الثورة الفلسطينية، كان قادتها يجتمعون غالباً في منزل الرافعي في بيروت لتنسيق المواقف في ما بينهم. أحبط ياسر عرفات كل الخطط لإنقاذ تل الزعتر من الحصار، يقول عبد المجيد الرافعي، كان يماطل في تجهيز قوات من «فتح» للقيام بالمهمة ويلقي بالمسؤولية على غيره. انقسمت قيادات «الحركة الوطنية» حيال هذا الموقف، وكادت أن تتعطل اجتماعات المجلس السياسي لولا تدخل كمال جنبلاط.

مجزرة كبرى نجا منها مقر حزب البعث في طرابلس، عندما اكتشفت سيارة مفخخة بـ 150 كيلوغراماً من المتفجرات كانت معدة للتفجير أثناء دخوله مقر الحزب حيث كان موجوداً فيه أكثر من مئة شخص.

استمر الرافعي في معارضته للتدخل السوري في لبنان، على رغم تشكيل قوات «الردع العربية» عام 1976. شعر المحيطون به بخطر يتهدّد حياته، فأقنعوه بمغادرة لبنان. سنتان أمضاهما متنقلاً بين العراق ودول أوربية، ليعود عام 1979 إثر تحسن قصير الأمد  في العلاقات السورية - العراقية.

نمت المنظمات الاسلامية المتطرفة في مدينة طرابلس بدعم من «فتح» التي أمدتها بالمال والسلاح، فرفض الرافعي ممارساتها في حق أبناء المدينة المسيحيين وخصوصاً تفجير محلات المشروبات التي يملكها بعضهم. ولم تفلح محاولاته مع الشيخ سعيد شعبان في تخفيف التوتر. وفوجئ بزيارة قام بها القائد الفلسطيني «أبوجهاد» لمنزله عارضاً وساطته لإنهاء ذيول الأحداث. اتفق على اجتماع بين شعبان والرافعي في حضور «أبوجهاد»، لكن طالت المدة ولم يعقد الاجتماع، يقول الرافعي، وغاب المسؤول الفلسطيني عن السمع على رغم كل محاولات الاتصال به. فوجئ البعثيون بهجوم على مراكزهم من المنظمات الاسلامية بمشاركة عناصر من «فتح»، فأحرقت المراكز ونهبت وجرى دهس عناصر البعث بالسيارات في المنياء. بعدها انقطع الرافعي عن مدينته حتى انتهاء الأحداث في لبنان.

شارك في مؤتمر الطائف وسجل في مفكرته دقائق الحوارات وتفاصليها، وتنتابه اليوم غصة كبيرة وهو يتحدث عن مصادرة القوات الأميركية لهذه المفكّرة القيّمة، أثناء دهم منزله في العراق عام 2003.

يحاول النائب السابق نسج صورة لتلك الاجتماعات، متكلاً على ما تبقى منها في ذاكرته، فيقول إن منهجية الاجتماع كانت مقرّرة سلفاً بغالبية تفاصليها، قبل تفعيل طاولة الحوار. بدا ذلك له في ازدواجية الكلام التي كانت تظهر عند بعض النواب، والمواقف الكثيرة التي كانت تتغير ألوانها بين قاعة الاجتماعات والحوارات الجانبية التي كانت تعقد مع المسؤولين العرب. ويذكر كيف أن أحد النواب الذين كانوا يعارضون بشدة بقاء القوات السورية في لبنان، تبدلت لهجته بعد اجتماع ضمه إلى جانب الأمير سعود الفيصل والرئيس المرحوم رفيق الحريري وعبد المجيد الرافعي. في نهاية المؤتمر، أعلن الرافعي امتثاله للإجماع على بنود الطائف مسجلاً بعض التحفظات التي لا تزال مدونة في محاضر لدى الرئيس حسين الحسيني.

العلاقات القدسيّة الطرابلسيّة

تبادل أهل المدينتين مشاعر الود والتراحم والمصاهرات منذ عدة قرون حتى حرب عام 1967. وكان أهل القدس، حسب عدة حجج عثر عليها في سجلات المحكمة، يستوردون من طرابلس الشام في العهد العثماني الزنانير المصنعة من القطن أو الحرير خاصة.

وورد فيها أيضا أن موسى الفتياني أحد مشايخ القدس في القرن السادس عشر الميلادي كان يُلقي دروسا في مسجد قبة الصخرة، والتي شملت قراءة نسخة من تفسير البيضاوي وقفها مصطفى باشا ميرلوا طرابلس.

 ABEDRAFI

عبد المجيد الرافعي