ديّة ـ الجندي

ديّة ـ ويقال أبو ديّة ـ إسم أسرة من أسر بيروت الإسلاميّة. والإسم عربي من الديّة وهي حق القتيل. ويتناقل أبناء الأسرة أن أصولهم تعود إلى المغرب العربي الكبير. لم يؤرخ لتاريخ هجرتهم إلى الشرق أو سبب تلك الهجرة، وقد أرجعها البعض إلى نكبة الأندلس الأولى سنة 1492م ثم إلى الخروج النهائي للعرب منها سنة 1609-1610م. وأرجعها البعض الآخر إلى أسباب إقتصاديّة وسياسيّة ودينيّة. قدم المغاربة إلى المشرق للمرابطة أو المتاجرة أو إستقروا في المشرق أثناء أدائهم فريضة الحج ولا تزال توجد في الجزائر أسرة شهرتها (بوديّة). ونعتقد أن شهرتهم تدل على أصل التسمية. فديّة المقتول واجبة الأداء على القاتل وعلى عائلته.

والمعقلة هي الديّة. والعاقلة الذين يعقلون العقل أي يؤدون الديّة وتُسمى الديّة عقلاً ومعقلاً لأنها تعقل الدماء من أن تسفك. وعاقلة الإنسان أهل ديوانه أو أهل قريته أو عشيرته وذلك للتناصر وقيام البعض بأمر البعض بحال إذا وقع لواحد منهم أو قاموا معه في كفايته فهم العاقلة. ومع تقدم الزمن يضيق أمر العاقلة بحيث يتحملها كبير العائلة، أو الثري منهم، فيُعرف عندها بأبي الديّة، وتصبح شهرة له ولأولاده وأحفاده من بعده ثم تقتصر على الديّة.

  ويبدو أن أبناء ديّة كانوا محاربين فيظهر أول إسم لأحدهم في بيروت وهو صادق ديّة الذي أقامه الأمير يُوسُف الشهابي سنة 1772م دزداراً على قلعة بيروت.

ويُرجح كون أول أفراد ديّة الذين نزلوا بيروت كانوا محاربين، إضافة إلى توليهم حماية القلعة، أن فرعاً من أبنائهم كان يحمل لقب الجندي إلى جانب شهرته ديّة. ورد إسم حسن محَمّد الجندي ديّة في الوثائق الشرعيّة. وإسم محَمّد بن محَمّد الجندي ديّة. ومحَمّد بن محَمّد بن محَمّد الجندي. وأن لقب هذا الفرع إقتصر فيما بعد وحتى الآن على شهرة الجندي. وبقيت كذلك عائلة ديّة.

ولعب أبناء أسرة ديّة بفرعيها دوراً بارزاً في تاريخ بيروت. في سنة 1778م توفي علي آغا ديّة الذي كان دزدار القلعة سنة 1773م (سنة الحصار الروسي لبيروت) فرثاه مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله بقصيدة قدم لها واصفاً علي آغا بأنه (جناب الشمس المعالي والكمال وبدر المحاسن والجمال، فخر أمثاله).

كما تولى صادق ديّة وعبد الله أبو ديّة دزدارية القلعة وتولى هذا الأخير حكم بيروت فعيّن متسلماً لها عندما إتفق أهلها على عدم قبول مرابطة عسكر الجبل أثناء الخلاف بيهم درويش باشا والي حلب وعبد الله باشا والي عكا. وقد نوه المفتي فتح الله بعبد الله المذكور فقال فيه:

أكرمتَ عبد الله بالشرف العلي ومُنحت فيه بقلة الأشبـاهِ
يكفيك أنك للأمجاد سيّــــد يسمو وأن لا زلتَ عبدَ اللهِ

           

تعاطى بعض أبناء ديّة التجارة وتملكوا دوراً ودكاكين وأراض. كان أحمد إسماعيل علي ديّة يملك دكاناً في سوق الفشخة (الذي أصبح فيما بعد يُعرف باسم الشارع الجديد ثم شارع ويغان) قرب مبنى بلديّة بيروت الحالي، باعه على يُوسُف حمّود الذي وقفه سنة 1248هـ لصالح قفة الخبز، وكان محمد بن محمد الجندي ديّة أحد شهود وثيقة الوقف. وقد رتّب درويش أبو ديّة حكراً على بيته، سجّل في وثيقة سنة 1863م بإجراء سبيل ماء في بيروت لوجه الله تعالى.

ولا يزال المعمرون من البيارتة يذكرون عبد الكريم ديّة، شقيق الحاج موسى، الذي كان قبطاناً على الباخرة العسكرية التركيّة (عون الله) التي أغرقها الأسطول الإيطالي عندما ضرب بيروت سنة 1912م.

ومن أدبائهم المتأخرين الشاعر مليح ديّة الذي ألّف سنة 1913م أغنية شعبيّة لحنها نقولا المتني وغنتها الست ناجية الشامية ومن بعدها سميرة توفيق التي غيرت العبارة الأخيرة إلى آخ يا راسي، يقول فيها:

الله يقصف عمر الحب طيّر عقلي من راسـي
أولتو لـــوز وسكر وآخرتو ضرب كراسي