آل منجّد

نزحوا من دمشق وامتهنوا «التنجيد» ولهم في بيروت سوق بإسمهم

من الأسر الإسلامية البيروتية واللبنانية والدمشقية والعربية، تعود بأصولها إلى القبائل والأسر العربية التي انتشرت في مصر وبلاد الشام والمغرب العربي. وقد شهدت بيروت المحروسة منذ العهد العثماني الكثير من الأسر الإسلامية والمسيحية واليهودية ممن حملت لقب « المنجد». كما شهد باطن بيروت ضمن السور «سوق المنجدين» الواقع شرقي السراي الكبير، وكان غالبية المنجدين من الطائفة اليهودية على ما أشار المرحوم الحاج علي مجبور الذي هو بمثابة ذاكرة بيروت.

وأشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة لا سيما السجل (1259هـ) إلى توطن آل المنجد في باطن بيروت بالإشارة إلى «دار المنجد». كما شهدت بيروت في العهد العثماني والعهدين الفرنسي والاستقلالي وفادة عدة أفراد من آل المنجد من دمشق ومن مناطق شامية أخرى.

عرف من أسرة المنجد في التاريخ الحديث والمعاصر السادة: إسماعيل، حسن محمود المنجد وشقيقه محمد محمود، وهما من سكان منطقة الطريق الجديدة قبل انتقالهما إلى مناطق بيروتية أخرى. كما عرف من الأسرة السادة: حمزة، خالد، رياض، سمير، صلاح الدين أحد مسؤولي مؤسسة كهرباء لبنان، عبد الحفيظ خالد، عبد الحفيظ قاسم، عبد الكافي، عبد الله، عدنان، علي، عمر، فؤاد، قاسم، ماجد، محمد، محمود، محيي الدين، مروان، مصطفى، هيثم المنجد والمنشد الديني الكبير توفيق المنجد وسواهم.

MOUNAJED

المنشد الشهير توفيق المنجد

من مهنة «التنجيد» إلى ريادة الإنشاد الديني في سوريا

حالة من الشرود والتأمل بدأ يتعايش معها يومياً أثناء تواجده  في محل والده المجاور للجامع الأموي ،وأخذ يتواصل بإحساسه وروحه مع أنغام المدائح و الموشحات الدينية و تجويد القران التي تنبعث من المسجد  في ليالي دمشق الرمضانية، إلى أن كانت اللحظة الفاصلة في حياته عندما نظر ذات يوم الى اعلى مئذنة مسجد بني امية مستمعاً الى والده ذي الصوت الجميل وهو يؤذن للصلاة كعادته أحياناً،من هنا كانت الخطوة الأولى في حياة توفيق المنجد، رائد الانشاد الديني في سوريا والذي بقي صوته حاضراً في كل المناسبات الدينية وعلى مدار ستة عقود، لم يكن صوته من اللون «الطربي» انما يمتلك من الشفافية والاحساس يأخذ المستمع إلى عالم يتسم بالروحانية و صدق الإحساس حتى غدا حالة متميزة ذات هوية وطبيعة خاصة قل نظيرها في ساحة الغناء والانشاد الديني في البلاد العربية.

«حي القيمرية..» حي القيمرية في دمشق شهد ولادة توفيق المنجد (1910- 1998) في اسرة يتمتع أفرادها بصوت جميل الذي لم يقتصر على والده فقط انما تمتع بهذه الموهبة والدته واشقاؤه وهذاما شكل الاساس الذي انطلق منه وساهم بتنمية موهبة الغناء لديه بالإضافة لسماعه اسطوانات الشيخ سيد درويش.

في البداية التحق توفيق المنجد بمدرسة الاسعاف الخيري في دمشق في نفس الوقت ذاع صيته بين اهل الحي بعد أن لاحظ الناس جمال صوته مما شجعه على تأليف فرقة من مجموعة من العازفين والمنشدين واصبح يحيي الحفلات بالخفاء عن والده ولم يكتف بهذا والتحق بمعهد الموسيقى الشرقي.

إلى ان جاء يوم اوكل اليه بأن يكون منشد الحفلة التي اقيمت على مدرج الجامعة السورية مع مجموعة من الموسيقيين، للوهلة الاولى وقف خائفا مرتجفا من رهبة الجمهور خاصة وان هذا الحفل كان بحضور رئيس الدولة آنذاك «تاج الدين الحسني» في اواخر عشرينيات القرن الماضي.

في البداية غنى مونولوج «دمعي اشتكى من اوجاعي وخف نداه» من الحان الموسيقار «كميل شامبير» وبعد ان انهى طلب منه رئيس الدولة غناء قصيدة «يا ليل الصب متى غده» مبديا اعجابه بصوته الجميل في نهاية الحفل، اخذت شهرته تزداد بعد ذلك فتعاقد مع شركة كولومبيا في لبنان وسجل معهم عدداً من الاسطوانات من موشحات وقصائد وعاود يتابع نشاطه بشكل واسع متنقلا بين دمشق والمحافظات لإقامة حفلاته وامسياته هناك حتى اصبح يُطلق عليه ولجمال صوته «بلبل الشام».

«رمضان تجلى وابتسم..» «منشد شهر رمضان» لقب أُطلق على توفيق المنجد لأن أناشيده ومدائحه النبوية ظلت ولعقود طويلة تذاع في شهر رمضان خاصة وقت السحور، ومن اناشيده التي تتغنى بالشهر الفضيل «جل طهر الصائمين»، «يا الله هلّ شهر الصيام»، «يا فرحتي بلقاك بعد زماني.. وتشوقي وجداً وطول حناني»، «روّح فؤادك قد اتى رمضان.. فيه الهدى والبر والاحسان»، «رمضان اهلا يا حبيب»، ولوداع الشهر الكريم انشدنا «رمضان تجلى وابتسم.. طوبى للعبد اذا اغتنم» وانشودة «فودعوه ثم قولوا يا شهرنا عليك السلام».

في مناجاة وحب الله تغنى المنجد بعدة اناشيد منها «اتيناك بالفقر يا ذا الغنى»، «الهي سبّحت بحمدك الاشياء»، «يا ارحم الراحمين»، «مالك المُلك»، «بحمدك يا الهي»، «لك الحمد يا مستوجب الحمد»، «الله تجلت قدرته»، «مولاي كتبت رحمة الناس»، «انت العليم بحالي»، «حسبنا مولى العرش»، الهي لا تعذبني»، «يا اله الكون»، «مولاي ضاقت بي الارجاء»، «عليك اعتمادي ايها الصمد»، «قل لنسيم السحر.. لله بلغ خبري» و»سبحانك يا اول بلا بداية.. سبحانك يا آخر بلا نهاية».

في مدح وحب الرسول عليه الصلاة والسلام غنى توفيق المنجد «يا رسول سلام عليك»، «يا خير خلق الله»، «دعوني اناجي حبيبي»، «يا إمام الرسل»، «رسول الهدى يا رحمة الله»، «من مثل احمد»، «يا نبي الهدى»، «اشرقت انوار محمد»، «اهدي النبي تحيتي وسلامي»، «أنار الوجود بخلقه خير البرية»، «محمد نبينا سراج الأنام»، «يا ابن عبدالله يا املي»، و»لغة الكلام كما رأيت على فمي خجلى.. ولولا حب محمد لم أتكلم».

بالاضافة للغناء كتب ولحن المنجد بعض اغانيه ومنها «يا رايحين يم المصطفى.. بلغوا سلامي للحبيب»، و»انت العليم بحالي» والمعروف عن المنجد انه لم يكن يعلن عن الاناشيد التي يقدمها من الحانه كي لا يُحرج بطلبات التلحين ورغبة منه للتفرغ للغناء فقط، ومن مساهماته ايضا مشاركاته في حلقات الفرق الصوفية خاصة «المولويه» وكانت هذه الحلقات تغص بالناس للاستماع اليه، لم يقتصر فنه داخل سوريا فقط وكانت له مشاركات عديدة في بلاد عربية واجنبية مثل السعودية ومصر بالاضافة لحفلته الشهيرة في فرنسا وحظي بالعديد من الجوائز من الملوك والرؤساء وقبل وفاته بشهور قليلة اقيم له حفل تكريم متميز في لبنان بحضور العديد من المنشدين والفنانين.

«رابطة المنشدين..» في اواسط خمسينات القرن الماضي تشكلت في دمشق «رابطة المنشدين» ويعتبر توفيق المنجد احد ابرز اعلامها بالإضافة لـ»نعيم ابو حرب»، «وجيه الحلاق»، «عارف الصباغ»، «عادل الشوا» و»محمود الشيخ» واهم ما يميز هذه الرابطة ان أعضاءها من المنشدين توارثوا هذا الفن عن الأباء والاجداد فبقي الانشاد محافظا على اصالته وعراقته ،ويعود الفضل في تأسيس فن الإنشاد في سوريا للشيخ عبدالغني النابلسي في القرن الثامن عشر ،ابتدأها بكتابة وتلحين العديد من الموشحات والابتهالات الدينية وتخرج على يده العديد من ابرز المنشدين، واهم الاسس التي وضعها النابلسي في تطوير فن الإنشاد ، الاذان الجماعي والتذكير والصمدية والتسابيح والتراحيم والموشحات الدينية.

المسجد الاموي كان المركز والمقر الذي تقام فيه الأمسيات الدينية مثل الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وشهر رمضان والاعياد مما عزز تواجد وشهرة أعلام الانشاد الديني في سوريا، في اواسط الاربعينات ومع تأسيس اذاعة دمشق بدأت الناس تتعرف وتتواصل مع فرق الانشاد واهمها فرقة توفيق المنجد وفرقة مسلم البيطار وفرقة الشبان الحديثة.

رغم التزايد في عدد المنشدين وفرقهم ظلت «رابطة المنشدين» هي الأبرز خاصة بعد ان انضم اليها أسماء هامة في هذا المجال مثل حمزة شكور وسعيد فرحات وسليمان داود وفي عام 1974 صدر في سوريا مرسوم رئاسي باعتبار رابطة المنشدين الفرقة الوحيدة المخولة بأحياء  المناسبات الدينية في الجامع الاموي، المنجد كان اول من ترأس الرابطة لغاية وفاته عام 1998 ثم استلم مهام الرئاسة سليمان داود وبعد ان وافاه الاجل بعد ذلك ترأسها حمزة شكور وتطورت كثيرا في هذه الفترة وكان لها مشاركات عديدة في العديد من البلاد العربية والاجنبية.

والمنجد لغة لقب أطلق على الرجل الذي يمارس مهنة تنجيد الفرش واللحف والوسائد (المخدات)، الممتلئة بصوف الأغنام أو القطن. وكان المنجد في بيروت إما يمارس مهنته في محله أو في منازل البيارتة، وقد روى البيارتة الكبار في السن ومن بينهم الحاج علي مجبور المولود في «سوق المنجدين» أن من عادة بعض البيارتة في العهد العثماني وضع مقتنياتهم من ليرات الذهب والحلي في الفرش أو اللحف أو المخدات، وفي حال وفاتهم فجأة، فإن المستفيد الأول من هذه المقتنيات كان المنجد الذي يعثر عليها، لا سيما المنجد اليهودي؟!