أحب اللبنانين الهجرة منذ وجدوا، فهجرة هؤلاء لها جذور تاريخية تعود الى عهد الفينيقين، وهم السكان الأوائل لسواحل لبنان، اذ حملوا تجارتهم وأبجديتهم الى موانىء العالم القديم .
الا أن الهجرة الحديثة التي شهدها لبنان بشكل لافت ومميز، بدأت بالقرن التاسع عشر وتكثفت في مطلع القرن العشرين، عشية الحرب العالمية الاولى نتيجة عوامل سياسية واقتصادية. ويعزو باحثون بداية تاريخ الهجرة من لبنان، الى اجتياح الأسطول الروسي لسورية عام 1772 وقصفه مدينة بيروت، فيما تحدث آخرون عن اجتياح نابليون بونبرت لفلسطين وهزيمة الجيش العثماني وما خلفه ذلك من استنفار عسكري واقتصادي طال الثغور مباشرة ومنها الثغر اللبناني .


فيما يحاول لبنان الخروج من أزمته الاقتصادية، تتواصل هجرة العقول من لبنان الى الخارج . الخبراء والفنيون والمتخصصون في القطاعات المصرفية والتأمينية والسياحية والهندسية، يتجهون الى بلدان الخليج . أما العلماء والباحثون في الطب والصيدلية والطب والكيمياء والذرة والأدمغة الالكترونية، فيختارون الهجرة الى الولايات المتحدة الأميركية أوكندا، حيث تتوافر معامل الأبحاث والمختبرات التي تمكنهم من اظهار قدراتهم وتطبيق اكتشافاتهم.
والإحصاءات المرتكزة على الخارجين والعائدين إلى لبنان تدل على أن 120 ألف لبناني لا يعودون إلى لبنان وان نسبة الشباب الذي تراوح أعمارهم بين 25 و 35 سنة هي مرتفعة جدا" .


ومن المفارقات الهامة أنه بين ربيع 1975 وحتى خريف 1990، هاجر من لبنان بصورة شبه نهائية الى بلاد الإغتراب البعيدة مثل كندا واوستراليا والولايات المتحدة وجنوب أميركا 400 ألف لبناني ولبنانية.


فيما تشير الإحصاءات الرسمية أنه منذ العام 1991، بلغ عدد اللبنانيين الذي هاجروا لبنان 820 ألفا بينهم 170 ألفا هاجروا العام 1997 و 180 ألفا هاجروا في العام 1998 (دراسة أعدها نائب رئيس مجلس الإنماء والإعمار الدكتور بطرس لبكي).

وتشير الإحصاءات الى هجرة 16% من أبناء البقاع و 6،19% من أبناء بيروت و2،22% من أبناء الشمال و 3،19% من أبناء الجنوب و3،17% من أبناء الجبل، مع غلبة واضحة للطوائف المسيحية بين المهاجرين، علما بأن نسبة الجامعيين بين المهاجرين هي 32% بينما هي بين المقيمين 4،22% والأمر كذلك بالنسبة الى التقنيين، فنسبتهم المئوية في شريحة المهاجرين هي 15% أي ضعف ما هي عليه في شريحة المقيمين 6،2%، ويفوق عدد المهاجرين الذكور عدد الإناث فيما يفوق عدد الإناث المقيمات عدد الذكور المقيمين .


وقد أوردت دراسة اقتصادية حكومية أن 16 ألف مواطن يهاجر شهريا من لبنان بينما يولد ثمانية آلاف، مما يعني أن لبنان يفقد سنويا حوالي مائة ألف من مواطنيه، أي ما يقارب مليون مواطن في عشر سنوات، فيتم استبدالهم بغير اللبنانيين.
وهكذا يواجه لبنان بعد انتهاء مرحلة الحرب هجرة الشباب المتعلم الى الخارج، فأعداد الشباب الذين يغادرون البلد منذ ثلاث سنوات تفوق أعداد العائدين.