زاوية القصّار

يمكن القول بأن اسرة القصار مارست التجارة منذ زمن بعيد. فبموجب الوثيقة المؤرخة في الثامن من شهر محرم الحرام سنة 1098 هـ/1686م المسجلة لدى القاضي الشرعي في بيروت المحمية اشترى «فخرالأعيان حاوي العرفان الصدر الأجل المحترم الحاج مصطفى (شقيق واقف الزاوية الشيخ علي) بن المرحوم الخواجة محمد الشهير نسبة الكريم بإبن القصار من الحاج سيف الدين بن الحاج علي العالية الشهير نسبه بالسقعان (او الانسي الصقعان وقد اصبحت القاف الصعيدية جيماً السجعان فيما بعد) الحانوت الكائن بسوق الصبّانة قبلته البركة وشرقه حانوت وقف قفة الخبزوشماله وقف بني الكبّاس وذلك بثمن قدره أربعة عشر غرس فضة أسدية وقاصص البائع للمشتري بالثمن من أصل ما له في ذمته من الدين الشرعي من ثمن أرز. كان موقعها في سوق البازركان تجاه الباب الغربي للجامع العمري الكبير. وقد زار هذه الزاوية الشيخ عبد الغني النابلسي، وقال بأنها كانت نيّرة مرتفعة البنيان يتجمع فيا الحفاظ ما بين العشاءين يتدارسون بها القرآن الكريم.

وتشير الوثيقة الأولى من وثائق الشيخ علي القصار الى أهمية مركز الواقف الإجتماعي والديني فتصفه بالقول «أشهد على نفسه الكريمة فخر الفضلاء والحفاظ، عذب المنطق والألفاظ، الصدر الأجلّ الكبير المحترم مولانا وسيدنا الشيخ علي أبن المرحوم محمد الشهير نسبه الكريم بإبن القصار أعانه وأعزّه العزيز الغفار ..»

خمس وثائق

ونعود الى الوثائق الخمس لوقف الشيخ علي القصار فنتبين العائلات من اسماء أن الشهود الواردة أسماؤهم في الوثيقة الأولى وهم: فخرالمدرسين مولانا زين الدين المفتي. فخر الأعيان الحاج مصطفى شقيق الواقف وشقيقهما الحاج زين الدين. حسن وأحمد وشهاب الدين الغندور. وفخرالنقباء السيد علي نقيب الأشراف. الشيخ حسين خطيب الجامع. الشيخ إبراهيم الإمام. الشيخ حسن الحافظ وابنه الشيخ علي. الشيخ علي المجذوب. الخواجا عمر العيتاني وشقيقه ناصر الدين (قد يكون هذا الاخير هو الجد الملقب ببيهم؟).

وأما شهود الوثيقة الثالثة فهم الحاج محمد بن عبد الله البتروني ومحمد بن محفوظ كسبية وعمر بن سليمان بن قاسم آغا الطرابلسي ابن الدده والمحضر علاء الدين بن محمد والمحضر الثاني علي الخياط .

ومن شهود الوثيقة الرابعة الخواجة احمد بن سعادة. محمود بك. محمد بن ابي النصر بن جعنا. امين الدين ابن البيطار. حسن ابن الكردوش . احمد بن الغندور. يوسف العراوي. محمد المغربي الحاج مصطفى جعنا. مولانا الشيخ زين الدين المفتي. الخواجا محمد جلبي شاهبندر وولده الخواجا الشيخ علي. الحاج علي العيتاني وعز الدين.

وشهد على الوثيقة الخامسة محمد بن جعنا وشهاب الدين الغندور الحاج عبد الله آغا الشيخ محمود الرشيدي الشيخ عمر فتح الله الخطيب الحاج حسن قرنفل الحاج حسن العلماوي وعز الدين..

وقد وصف بالخواجا في هذه الوثائق كل من محمد القصّار والد الواقف و مصطفى شقيقه. وعمر بن محفوظ العيتاني وأحمد بن سعادة وعمر بن الحاج حسين الحلواني، كما ورد مضافا الى لقب الخواجا محمد جلبي شاهبندر وولده الشيخ علي.

ويتبين من وقفية دار احمد زنتوت الكائنة بمحلة باب المصلى قرب حمام ابن معن الشهير بالحمام الكبير. والمنظمة لدى قاضي بيروت عمر أفندي في السادس من شهر محرم الحرام سنة 1133 هـ / 1720م أن نزاعاً حول ثبوت واستحقاق وقف زنتوت نشأ بين أمين الدين بن علي زنتوت بوكالته عن زوجته رقية بنت محمد الشاهبندر (زنتوت) وبين عبدي آغا الدردار بقلعة بيروت ابن الحاج حسن القصار الوكيل عن زوجته مارية بنت الشاهبندر(زنتوت) أثبت القاضي بنتيجته الوقف.

وتفيدنا الوثيقة المؤرخة في شهر ربيع الثاني سنة 1155 هـ/ 1742م انه تم عزل الحاج جميل (الشهير بأبي بكر) إبن الواقف الشيخ علي القصار المتولي والناظر على وقف زاوية والده لأنه منح نصف وقف الزاوية للأمير اسماعيل ؟ وعُين علي ابن (المرحوم) عبدي آغا القصار ابن بنت الواقف الشيخ علي متولياً وناظرا. وشهد على ذلك عدة أشخاص منهم ناصيف الحسامي وعمر الغندور ومحمد سنو وعبده شهاب الدين وعبد الله البواب وحسن النقيب وعبد الحي فتح الله ومحمد الرشيدي وابن اخيه مصطفى وعبد القادر وابراهيم قرنفل وسعد الدين وحسن سعادة وعبد الحي ومحمد المكحل.

والدزدار كلمة فارسية تعني حافظ القلعة (من الدار بمعنى ممسك، حافظ) أطلقت على قائد القلعة. وتوالى على حراسة قلعة بيروت وقيادة حاميتها شجعان من عائلات بيروت حملوا لقب دزدار منهم عبدي آغا ابن الحاج حسن القصار المشار اليه (زوج لطيفة بنت الواقف الشيخ علي القصار) الذي كان دزداراً سنة 1720م. ومنهم إبراهيم آغا دزدار القلعة سنة 1743م. ومن محافظي القلعة عدة أشخاص من أسرة دية منهم صادق دية سنة 1772م. وعلي آغا دية الذي تولى أمن القلعة سنتي 1772 و1773م أثناء حصار بيروت وقصفها من الاسطول الروسي، وقد رثاه المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله بقصيدة طويلة مطلعها:

بكل الورى أمرُ المنون فنافذ    وفيها المنايا بالسّهام تراشقُ

ومنها:

علي السجايا ابن المكارم والندى   همامٌ به ذلت أنوفٌ شواهقُ

أقدم ما ذكر عن عائلات بيروت

وتمدنا وثائق اوقاف الشيخ علي القصار بأقدم ما ذكر عن عائلات بيروت سنة 1680م فكان منها أسر العيتاني والحلواني والدهان والخازن والمغربل وشاهين وقرنفل والناطور والقباني وفايد والعلماوي وعز الدين وزنتوت والغندور والرشيدي والعراوي والمغربي والبتروني والخياط والمجذوب وجعنا وكسبية وحندس. ونشير هنا إلى ما اشرنا في دراستنا عن جامع البدوي (اللــواء 17/10/2015) الى وقفية مسجلة سنة 1233 هـ / 1818 م وقف فيها درويش ابن علي آغا القصار (حفيد الواقف الشيخ علي) دكاناً على مسجد وضريح السيد البدوي في طنطا. وذكرنا من بين الشهود إسم الحاج يحيي «جعنا» إبن محمد سعادة مما يعني أن أسرة جعنا هي فرع من اسرة سعادة البيروتية ولا يزال هذا الفرع كما الأصل موجوداً حتى اليوم.

وكذلك أسرة كسبية من الكسب وهو لغة طلب الرزق يقال عن الشخص أنه طيب الكسب والمكسبة والكسبية وقد ورد ذكر لهذه الأسرة عند ذكر «بستان بكري كسبية» الكائن في مزرعة رأس النبع والذي كان بتملك أولاده حنيفة وحسن وظريفة ومحمد وذلك بموجب وثيقة مؤرخة في 16 من ذي الحجة سنة 1273 هـ/1857م.

ويبدو أن لقب حندس الذي ورد في وثائق زاوية الشيخ علي القصار هو أصل أسرة حنتس الذي سار على لسان البيارتة لصعوبة لفظ الدال قبل السين في حندس وسهولة لفظها تاء. وحندس لغة الظلمة ويقال أسود حندس أي شديد السواد كما يقال أسود حالك.

وتميزت وثائق الزاوية بذكر بعض علماء الدين ونقباء الأشراف والأئمة والمفتين منهم فخر المدرسين مولانا الشيخ زين الدين المفتي «الذي ظهر إسمه كشاهد في وثيقة 1091 هـ /1680م والإشارة الى تملك أولاده محلاً في الأسكلة. يذكر أن عبد الغني النابلسي أثناء زيارته لبيروت في شهر صفر الخير سنة 1105سنة هـ / 1693م (في الرحلة الكبرى) اجتمع فيها «بالفاضل الكامل العالم العامل الشيخ زين الدين مفتي الشافعية بتلك الديار (بيروت) كما اجتمع بعمر بن محمد سعادة، ويقول في الرحلة الأخرى (الطرابلسية) الى انه وصل الى بيروت في 20العشرين من شهر ايلول سنة 1700م / السادس عشر من شهر ربيع الأول سنة 1012 هـ وان الأديب الشيخ عمر وشقيقه الحاج احمد بن سعادة جاءآ الى زيارته وأنشده عمر لنفسه أبياتاً ودعاه الى الإيوان المطل على البحر قرب قلعة بيروت كما دعاه أحمد سعادة الى بيته.

يذكر أنه في سنة 1693م نزل النابلسي لدى وصوله الى بيروت «عند الصديق الصادق والرفيق المصادق عين الأعيان في تلك البلاد وخلاصة أبناء الزمان الحاج مصطفى المشهور بإبن القصار نشر الله ذكره الجميل في جميع الأعصار وهو رجل من أهل المروءات والكمالات وبتنا عنده...» والحاج مصطفى هو شقيق واقف الزاوية الشيخ علي القصار وترد في الوثائق في أسماء بعض الشهود القاب مثل حسن ابن الكردوش ومحمد الشاهبندر وابنه علي وابن الكاخية. فالكاخية أو الكيخيا نحتها الترك من كتخدا Kethuda اصطلح على إستخدامه لمن يعمل قائماً بأعمال رجال الدولة. والكردوش لعلها الكردوس لمن جسمه ممتليء باللحم (مكردس) وجدنا في جلّ البحر من مزرعة رأس بيروت قطعة أرض عرفت بأرض الكردوش وفقاً لوثيقة مؤرخة في الثالث والعشرين من شهر ذي القعدة 1285هـ /1869م.

أما محمد الشاهبندر وابنه علي فهما من آل زنتوت أقرباء آل القصار، فالشهبندر هو رأس الثغر والميناء.

عبد اللطيف فاخوري - محامٍ ومؤرخ