باب الدركة

كان موقع هذا الباب عند رأس شارع اللنبي المعروف عند الجمهور باسم (شارع المعرض)، وكان بالقرب منه عدد من المنشآت الدينيّة الإسلاميّة والنصرانيّة، وكذلك بقايا آثار تعود إلى العهدين الروماني والبيزنطي في هذه البلاد، من المنشآت الدينيّة الإسلاميّة مسجد صغير باسم (جامع الدركة)، ومن المنشآت النصرانيّة (الكنيسة المسكوبيّة) التي بنيت منذ أكثر من مائتي سنة على أثر الشقاق الذي حصل بين الروم الكاثوليك عند تغيير الحساب الشرقي إلى الحساب الغربي، ودير الآباء الكبوشيين الذي أخلاه رهبانه عام 1870م وبداخله كان المقر الرسمي للقنصل الفرنسي في أواخر العهد العثماني. وكان على مقربة من هذا الباب حمام عمومي يرتاده الناس قبل شيوع الحمامات في البيوت السكنيّة، وعين ماء جارية مصدرها محلة رأس النبع، هذه المحلة التي كانت قديماً إحدى ضواحي المدينة وهي الآن واقعة في صميمها، ولعلها العين الوحيدة التي كانت في بيروت القديم، ومنها كانت مياه الحمام الذي بقرب الباب.

جميع ما كان بجوار (باب الدركة) من المنشآت الدينيّة والعمرانيّة والطبيعيّة قد آل إلى الخراب، وما كاد العقد الثالث من القرن العشرين ينتصف حتى زالت من على وجه المنطقة جميع المعالم الدالّة على تلك المنشآت، وكذلك الحال بالنسبة لباب الدركة نفسه الذي أفتقده البيروتيون للأبد وغاب أسمه عن أذهانهم كما نسته ألسنتهم ولم يعد يخطر لهم على بال، إلا أن الآثار اللبنانيّة أرادت أن تستكشف عاديَّات الأرض التي كانت بجوار هذا الباب، فقامت بحفريات في تلك المنطقة أدت إلى ظهور أنقاض أعمدة ضخمة في الجهة الشرقية منه وفيها ثلاثة منتصبة كان السياح الأجانب يدعونها (سواري الأربعين) بينما كان الأهالي يطلقون على المكان الذي دفنت في السواري الثلاث وبقية أنقاض الأعمدة الأخرى، أسم (رجال الأربعين)، وذلك بسبب خلفيات من التقاليد الشعبيّة المتوارثة، سواء عند المسلمين أو عند النصارى من أبناء هذه المدينة.

 

آثار باب الدركة

أما الدركة التي نسب إليها الباب فهي اللفظ العامي لأسم فارسي مركب من كلمتين: دُرْ بمعنى باب، وكاه بمعنى قصر، فيكون الباب يحمل في الأصل أسماً فارسياً مما يجعلنا نميل الظن، بل الترجيح، بأنه من بقايا قصر قديم ذهب به البلى، ولم يبق منه سوى بابه الذي أصبح فيما بعد أحد أبواب مدينة بيروت القديمة عندما بنى أحمد باشا الجزّار سورها وبقية أبوابها، ومما يحملنا على هذا الظن والترجيح ما كنا قد يعتبر باب الدركة أجمل أبواب بيروت القديمة لما كان عليه بناؤه من متانة وإتقان.