إده

أسرة رائدة في السياسة من العهدين المعني والشهابي إلى التاريخ المعاصر

من الأُسر المسيحية البيروتية التي توزعت منذ العهد العثماني بين بيروت وإده ودمشق والقاهرة وسواها من مناطق لبنانية وعربية. تعود الأسرة بنَسَبها إلى القبائل العربية التي انطلقت من اليمن مع قبيلتي بني كعب وبني هوازن، وقد استقر أفراد منها في دمشق وحوران وتدمر، ومن ثم توطن فرع منها في العاقورة وبلدة إده في بلاد جبيل. وللأسرة صلات نَسَب مع آل حبيش وفياض ومرعي وكريم ويونان وسرسق والراسي وسواهم.  وللأسرة صلات نَسَب مع آل حبيش وفيّاض ومرعي وكريم ويونان وسرسق والراسي وسواهم.


أسماء لمعت كالشهب في تاريخ بيروت، قدّمت لمدينتها وللوطن من المواقف والإنجازات التي تجسّد ما يحمل تراث هذا المجتمع من قيم ومبادئ ثابتة لا تحول، ولا تزول مهما اشتدت العواصف، وعلت الأنواء.
أسماء نقشت في ذاكرة العاصمة والوطن، كما النقش في الصخر، تحضر إلى واقعنا في مده وجزره، لتشكّل نبراساً يقتدى، ومنارة توصل الى الشاطئ الأمين. هي ليست سير ذاتية، بل هي وقفة تقدير ووفاء لرجال من مدينة معطاءة، قدّموا لمدينتهم ووطنهم من المواقف والإنجازات ما زال أثرها قائماً حتى الآن.
نتذكرهم وهم الذين لبّوا النداء عندما نادى المنادي، وأطلقوا النفير عندما حان وقت اطلاقه.
رجالٌ هم جزء من نسيج العاصمة التي هي قلب الوطن وروحه. والتي تفتح مداه على الأفق الرحب، أبعد من كل حساسية وحزازة.
رجالٌ لهم كل الحق علينا، ليس أن نتذكرهم فحسب، بل أن نذكّر بهم، وقد وجب التذكير، من قبيل «وفي الليلة الليلاء يفتقد البدر» حتى يكونوا قدوة للأجيال الصاعدة.

قامت أسرة إده بدور سياسي بارز في العهد العثماني لاسيما في العهدين المعني والشهابي، وفي فترة متصرفية جبل لبنان، وفي عهود الانتداب الفرنسي والاستقلال. برز من الأسرة في أواخر العهد المعني وأوائل العهد الشهابي الشيخ يوسف إده، والأخوان الشيخان منصور وبطرس إده، وكان من جملة مساعيها الخيّرة بناء وتوسعة كنيسة مار جرجس المارونية في باطن بيروت. كما برز من الأسرة شاعر الأمير يوسف الشهابي الشاعر إلياس يوسف إده (1741 - 1828م) كما عمل في خدمة الأمير بشير الشهابي الكبير، وبرز من الأسرة في العهد العثماني إبراهيم إده ترجمان القنصلية الفرنسية في دمشق وهو والد الرئيس إميل إده. وبرز من الأسرة أيضاً قيصر إده عضو جمعية بيروت الإصلاحية عام (1913م)، وميشال أفندي إده الذي كان في استقبال الأمبراطور الألماني غليوم الثاني عام (1898م) عند مجيئه إلى بيروت المحروسة باعتباره في عداد وفد الاستقبال الرسمي؛ لأنه كان مدير الأمور الأجنبية في ولاية بيروت.
ومن الملاحظ أن تاريخ أسرة إده في التاريخ الحديث والمعاصر ارتبط برئيس الجمهورية اللبنانية إميل إبراهيم إده (1884 - 1949م) من مواليد دمشق عام (1884م)، حيث كان والده يعمل ترجماناً في القنصلية الفرنسية في دمشق. درس في بيروت في كلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين، وأنهى دراسته فيها عام (1900م)، ثم تابع دراسة الحقوق في فرنسا وتخرّج من جامعة أكس أن بروفانس عام (1905م). عاد إلى بيروت متدرجاً ومن ثم ممارساً للمحاماة، كما عيّن محامياً للقنصلية الفرنسية في بيروت بين أعوام (1912 - 1914م). وعند بداية الحرب العالمية الأولى عام (1914م) لجأ إلى الإسكندرية هرباً من السلطات العثمانية التي حكمت عليه بالإعدام غيابياً.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام (1918م) كان عضواً في الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في باريس الذي عقد في بداية عام (1919م)، وكان له إسهامات في إعلان دولة لبنان الكبير عام (1920م). انتخب نائباً عن بيروت عام (1922م) وفي الوقت نفسه ترأس نقابة المحامين، وعين في عام (1926م) عضواً في مجلس الشيوخ عن جبل لبنان. ثم انتخب وعيّن نائباً لغاية عام (1943م) باستثناء السنوات التي تولى فيها رئاسة الجمهورية. كما أنه تولى رئاسة الحكومة ووزارتي الداخلية والصحة عام (1929م). في عام (1936م) عيّنه المفوض السامي الفرنسي رئيساً للجمهورية إلى عام (1941م). كما تم تعيينه رئيساً للدولة ورئيساً للحكومة عام (1943م) بعد اعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصالح وبعض الوزراء والنواب، ومنذ هذا التاريخ تأثر وضعه السياسي وتراجع لبنانياً ووطنياً.
كان رئيساً للكتلة الوطنية المعادية عداء شديداً للكتلة الدستورية التي ترأسها بشارة الخوري. ونظراً لدعمه الانتداب الفرنسي بشكل مغاير للقوى اللبنانية الوطنية، ونظراً لموقفه من أزمة تعديل الدستور اللبناني والاعتقالات عام (1943م) فقد اجتمع المجلس النيابي وأسقط نيابته في 31 آذار عام (1944م) وعندما توفي في صوفر في 27 أيلول عام (1949م) منع بشارة الخوري باعتباره رئيساً للجمهورية جميع الرسميين من تشييع إميل إده الذي نقل من صوفر إلى بيروت ودفن في مدافن العائلة في رأس النبع. كان متأهلاً من السيدة لودي سرسق ولهما ريمون إده وبيار وأندريه إده.
وبرز من الأسرة: بيار إميل إده (1921 - 1977م) من مواليد بيروت (1921م). تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة الآباء اليسوعيين. درس الحقوق في جامعة القديس يوسف. وبسبب الحرب العالمية الثانية لم يتمكن من السفر إلى باريس، فقدم امتحان الحقوق في كلية الحقوق في مصر التابعة لجامعة باريس، ونال شهادة الإجازة عام (1941م)، ومن ثم زاول المحاماة متدرجاً في مكتب والده إميل إده الذي كان آنذاك رئيساً للجمهورية.
في عام (1951م) انتخب نائباً عن بعبدا والمتن، وفي عام (1953م) انتخب عن دائرة بعبدا، وفي عام (1957م) انتخب نائباً عن بيروت، في عام (1958م) أسس بيار إميل إده بنك بيروت الرياض، وتولى رئاسته لغاية عام (1968م). أسهم في تأسيس جمعية المصارف وتولى رئاستها فترة من الزمن، كما أسهم في تأسيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وله إسهامات مصرفية وإصلاحية عديدة بما فيه مشكلة بنك انترا.
في عام (1959م) انتخب رئيساً لاتحاد كرة القدم، وفي عام (1971م) أسهم في دمج صحيفة (L’orient) مع صحيفة (Le jour) وعيّن رئيساً لمجلس إداراتها.
بين أعوام (1953 - 1968م) تولى عدة وزارات منها:
- وزارة التربية الوطنية في حكومة الرئيس صائب سلام عام (1953م).
- وزارة المالية في حكومة الرئيس عبد الله اليافي عام (1953م).
- وزارة المالية في حكومة الرئيس سامي الصلح عام (1955م).
- وزارة المالية في حكومة الرئيس سامي الصلح عام (1958م).
- وزارة المالية في حكومة الرئيس عبد الله اليافي عام (1968م).
له عدة محاضرات في الندوة النيابية، تأهل من السيدة هيلدا الراسي ولهما: إميل وكارلوس وماريا دولسي. توفي في شهر آب عام (1977م).
ومن الزعامات البارزة من أسرة إده عميد الكتلة الوطنية ريمون إميل إده (1913 - 2000م) كانت ولادته في الإسكندرية عام (1913م)، بسبب إقامة والده إميل إده فيها هرباً من السلطات العثمانية. تلقى دروسه الابتدائية والثانوية في مدرسة الآباء اليسوعيين في الإسكندرية، حيث نشأ في كنف والدته وأخواله من آل سرسق المقيمين في مصر.
في عام (1931م) عاد ريمون إده إلى بيروت، والتحق بجامعة القديس يوسف، وتخرج مجازاً في الحقوق عام (1934م)، ثم تدرج في مكتب والده حتى عام (1936م) ومارس المحاماة من خلاله.
في عام (1949م) انتخب عميداً للكتلة الوطنية بعد وفاة والده، وأعيد انتخابه باستمرار حتى وفاته عام (2000م). وفي عام (1953م) انتخب نائباً للمرة الأولى عن منطقة جبيل، وأعيد انتخابه في دورات أعوام (1957، 1960، 1968، 1972م) باستثناء دورة عام (1964م)، غير أنه انتخب عام (1965م) إثر شغور المقعد بعد وفاة النائب الدكتور أنطوان سْعيد، ثم ظل نائباً منذ عام (1972م) حتى عام (1992م) استناداً إلى قوانين التمديد للمجلس النيابي.
عيّن ريمون إده وزيراً للداخلية ابتداء من تشرين الأول عام (1958م) في حكومة الرئيس رشيد كرامي، ثم عيّن وزيراً لوزارة الأشغال ووزارات أخرى عام (1968م) في حكومة الرئيس عبد الله اليافي، ووزيراً للأشغال العامة عام (1969م) في حكومة الرئيس رشيد كرامي.
تميّز ريمون إده بالجرأة والاستقامة والتحرر من الضغوط السياسية والمخابراتية، كان معارضاً لسياسة الرئيس بشارة الخوري متهماً إياه بتزوير انتخابات (1947م). شارك مع كمال جنبلاط وكميل شمعون في إنشاء جبهة المعارضة الوطنية التي أسقطت الرئيس بشارة الخوري. اتخذ عام (1958م) موقف الحياد من الأحداث الأمنية والحرب الأهلية. في عام (1968م) كان أحد أركان الحلف الثلاثي مع كميل شمعون وبيار الجميل ومن ثم مع صائب سلام وكامل الأسعد للإطاحة بالشهابية تمهيداً لانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية.. وفي عام (1974م) تحالف مع الرئيسين صائب سلام ورشيد كرامي في مواجهة الفساد في عهد فرنجية. اتهم بيارالجميل (حزب الكتائب) وكميل شمعون (حزب الوطنيين الأحرار) بتوسيع دائرة حرب السنتين (1975 1976م).
ترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية أكثر من مرة ولم يوفق لأسباب محلية وإقليمية ودولية. كان مشرعاً من الدرجة الأولى من أهم اقتراحاته وتشريعاته: قانون الأبنية الفخمة، قانون سرية المصارف، قانون إعدام القاتل، قانون حماية الشيك، قانون تحديد الحالات التي يكلف بها الجيش حفظ الأمن، قانون الزواج المدني وسوى ذلك. اشتهر باقتراحه الشهير حول الاستعانة بالبوليس الدولي (القوات الدولية) لحفظ أمن وحدود لبنان، كان معارضاً لاتفاق القاهرة (1969م)، كما رفض اتفاق (17) أيار (1983م)، ورفض دخول الجيش السوري إلى لبنان عام (1976م)، ورفض الحرب الأهلية في لبنان ولم يتورط هو ولا حزبه فيها، كما رفض مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان. حارب الشهابية وكل أساليب الحكم المخابراتية، ورفض إنشاء وطن مسيحي في لبنان. ميّز بين الاحتلال الإسرائيلي والوجود السوري. غادر لبنان إلى باريس عام (1976م) بسبب محاولات الاغتيال التي كان يتعرض لها، واستمر فيها إلى حين وفاته عام (2000م) حمل وشاح الجمهورية المصرية، ووسام الأرز الوطني من رتبة ضابط. توفي عزبياً في باريس في 10 أيار عام (2000م)، ونقل جثمانه إلى بيروت في 12 منه، ودفن في 14 منه في مدافن العائلة في رأس النبع.
هذا، وقد برز من أسرة إده في بيروت المحامي ميشال سليم إده (1928) الذي تولى الوزارة أكثر من مرة، ومن بينها وزارة الثقافة والتعليم العالي، ووزير دولة في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري (1992 - 1998م) وأطلق عليه لقب «البيروتي العتيق» لأنه من سلالة إده التي توطنت في بيروت منذ أكثر من ستمائة عام، وتتميز جدران دارته في بيروت بكثرة الصور التراثية عن بيروت المحروسة. تميّز ميشال إده بدراسات معمّقة عن الصهيونية وأخطارها على لبنان والعالم العربي، كما اشتهر بدفاعه عن القضية الفلسطينية.
ترأس لسنوات الرابطة المارونية، كما رشح عام (2008م) لرئاسة الجمهورية، ثم سحب ترشيحه من التداول. كما برز من الأسرة المهندس وزير التربية الأسبق هنري إده، والمهندس روجيه إده. وبعد وفاة ريمون إده عام (2000م) برز من الأسرة: كارلوس بيار إده الذي أصبح عميداً للكتلة الوطنية باعتباره الوريث للعميد إده. كما قام كارلوس إده بدور بارز في لبنان منذ عام (2005م) حتى اليوم.
هذا، وقد عرف من آل إده في التاريخ الحديث والمعاصر السادة: ألبير، أنطوان، إيلي، بول، بولس، بيار، جاك، جان، جورج، جوزيف، الطبيب الدكتور جبران، جوزيف، حنا، روبير، روجيه، شارل، فيليب، كريم، كميل، مارسيل، ميشال، نخلة، يوسف إده وسواهم.
أما لفظ: «إده» فهي تعني الرجل الذي يتميز بالبأس والقوة والشجاعة والصلابة، كما تأتي بمعنى الرجل المستعد والمتأهب للمخاطر باستمرار. وقد ورد في القرآن الكريم لفظ: «إِدَّاً» بقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}، وتأتي بمعنى: الشيء المنكر الفظيع الذي يقع فيه جلبة. كما أن إده بلدة من بلدات بلاد جبيل.