آل سلام

أصالة بيروتية ولبنانية وعربية ومقاصدية

من الأسر الإسلامية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها وبفروعها المتعددة إلى القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية، والتي أسهمت في فتوحات بلاد الشام ومصر والمغرب العربي والأندلس، وبعض فروع آل سلام ينسب إلى عشائر وقبائل لحج والكرك والقحطانية وبطون طي وهمدان وقضاعة وسواها.

قصر آل سلام في منطقة المصيطبة

ومما يلاحظ بأن أجداد آل سلام (فرع الرئيس صائب سلام) توطنوا في بيروت المحروسة منذ مئات السنين لا سيما في منطقة المصيطبة، كما تملكوا أراضٍ في منطقة رأس بيروت ومناطق بيروتية عديدة. ومن خلال تتبعي لوثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة في القرن التاسع عشر، فقد توصلت إلى بعض ملامح شجرة العائلة الكريمة لا سيما من ولد وعاش في العهد العثماني وذلك على النحو التالي:

وتشير وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة في القرن التاسع عشر إلى محمد سلام البيروتي العثماني، وإلى نجله عبد الجليل، وإلى حفيده علي سلام أحد الوجوه التجارية في بيروت. كما أشارت وثيقة في السجل 1283-1284هـ، 1866-1867م إلى أن السيد علي بن الحاج عبد الجليل سلام قد قام بشراء أرض في سهل البركة في مزرعة رأس بيروت(2).

وتشير سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة إلى أن السيد علي بن عبد الجليل بن محمد سلام البيروتي العثماني كان يقطن في منطقة المصيطبة في القرن التاسع عشر، وقد توزعت تركته على ورثته بعد وفاته فقد أشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة عام 1302هـ-1884م إلى وفاته وإقامة أوصياء على القاصرين على النحو التالي(3): «في مجلس الشرع الشريف بمدينة بيروت بعد أن توفي السيد علي بن السيد عبد الجليل سلام، ولم يقم وصياً مختاراً على أولاده: عبد الجليل، ومحمد كامل، ومحمد مصباح، وخديجة وعاتكة وسارة القاصرين عن درجتي البلوغ والرشد، وقد احتاج الأمر لنصب وصي شرعي عليهم، فقد أقام ونصب من يملك نصب الأوصياء سيدنا ومولانا الحاكم الشرعي المومأ إليه بخطه وختمه أعلاه وصياً على القاصرين المذكورين أمهم فاطمة بنت السيد محيي الدين شاتيلا، وضم معها ناظراً عليهم الحاج زين أفندي ابن الشيخ عبد الله سلام بمعنى أنه شريك معها بالوصاية، وأذنهما بتعاطي جميع مصالح القاصرين المذكورين ولوازمهم الضرورية التي لا بد منها ولا غنى عنها بما فيه الأنفعية والأصلحية لجهتهم،  فقبل ذلك الحاج زين أفندي المذكور بالأصالة عن نفسه والنيابة عن فاطمة المذكورة قبولاً شرعياً عن الإخبار عن لياقتهما وصلاحيتهما لما ذكر من الحاج إبراهيم أفندي ابن السيد محمد طبارة والحاج عبد الغني بن السيد محمد الزاهد والسيد أمين بن السيد علي الجمال، وبالطلب تحرر ما هو الواقع في تاسع شوال من سنة اثنتين وثلاثمائة وألف.

شــهود الحال

- مكرمتلو الشيخ إبراهيم أفندي الأحدب

- الحاج إبراهيم أفندي الطيارة

- الحاج عبد الغني الزاهد

- السيد يوسف ابن أمين الأسطة

- السيد أمين الجمال

- السيد يوسف أفندي عز الدين محرر الأصل

 وفي وثيقة أخرى من وثائق المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة، تضمنت حصر إرث المرحوم السيد علي عبد الجليل سلام على النحو التالي(4): «علم بيان تحرير وترقيم تركة السيد علي ابن السيد عبد الجليل سلام المتوفى المنحصر إرثه بزوجته فاطمة بنت السيد محيي الدين شاتيلا وأمه الحاجة صفية بنت حسين الجمال وأولاده: سليم ونفيسة البالغين وعبد الجليل ومحمد كامل ومحمد مصباح وخديجة وعاتكة وسارة القاصرين عن درجتي البلوغ والرشد لا وارث له سواهم، وقد تحررت موجوداته بمعرفة كبار الورثة المذكورين والحاج زين أفندي ابن الشيخ عبد الله سلام الناظر على القاصرين المذكورين مع وصيتهم أمهم فاطمة المذكورة بموجب حجة شرعية تحريراً في تاسع شوال من سنة اثنتين وثلاثمائة وألف».

هذا، وقد برز سليم علي سلام (1868-1938) وأنجاله وأحفاده المشار إليهم في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والأعمال والتجارة والطيران وسواها، كما سنشير إلى نماذج من حياة وسير أفراد هذا الفرع على النحو التالي:

أولاً: سليم علي سلام (1868-1938) رجل الإصلاح والوحدة العربية(5)

ولد سليم علي سلام في بيروت المحروسة في 27 تموز 1868، وكان والده علي عبد الجليل محمد سلام من الوجوه التجارية في المدينة. تصاهر سليم سلام مع عائلة بيروتية فتزوج كلثوم ابنة عمر البربير، وقد أنجب منها (12) ولداً وهم السادة: علي، محيي الدين (توفي محمد عن عمر 22 سنة)، محمد، صائب، فؤاد، عبد الله، عمر، مالك، والسيدات: عنبرة، رشا، فاطمة.

ومنذ عام 1895 وبنتيجة لمركزه الاقتصادي والتجاري انتخب عضواً في غرفة التجارة وفي عام 1900 عين رئيساً للبنك الزراعي. وفي عام 1908 أصبح عضواً في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، ثم أصبح عام 1909 رئيساً للجمعية، كما تولى عام 1908 رئاسة بلدية بيروت.

والجدير بالذكر أن سليم سلام بدأ منذ فترة مبكرة يحتل حيزاً هاماً في السياسة العثمانية والعربية، وكان منذ تلك الفترة مؤمناً بوحدة البلاد السورية ولو ضمن إطار الدولة العثمانية، لذا توجه عام 1912 إلى مصر واجتمع هناك بالخديوي عباس حلمي ساعياً معه لوحدة البلاد السورية مع مصر، كما طلب سليم سلام من الخديوي السماح للضباط العثمانيين وللمجاهدين البيارتة واللبنانية بالمرور في الأراضي المصرية إلى طرابلس الغرب لمساعدة الشعب الليبي، وقد تجاوب الخديوي مع مطالبه، انطلاقاً من وحدة مصير الشعب العربي.

وثيقتان من وثائق المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة لعام 1302هـ-1884م، تتعلق الأولى بتنصيب أوصياء على القاصرين من أبناء المرحوم علي بن عبد الجليل سلام، والثانية تتعلق بحصر إرثه على زوجته ووالدته وأبنائه وبناته وحصر إرثه من عقارات وموجودات وأموال. (السجل 1302-1303هـ، قضية رقم (202) وقضية رقم (203) ص 73-74).

وثيقة أخرى من وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة لعام 1302هـ-1884م

تتضمن توزيع إرث المرحوم السيد علي بن عبد الجليل سلام على ورثته الشرعيين من أولاده وبناته بعد أن نالت والدته وزوجته (450) ليرة عثمانية من مال البالغين والقاصرين (السجل 1302-1303هـ، قضية رقم (207) ص 75).

رائد الحركة الإصلاحية في بيروت:

وبالرغم من أن سليم سلام كان عثمانياً عربياً باتجاهاته السياسية، غير أنه كان إصلاحياً مؤمناً بضرورة تطوير أوضاع الولايات العربية وبقية الولايات العثمانية. ولهذا قام مع أحمد مختار بيهم وكامل الصلح وأحمد طبارة وجان تويني وبترو طراد وسواهم من الأعضاء المسلمين والمسيحيين بتأليف «جمعية بيروت الإصلاحية» للمطالبة بإصلاحات جذرية في ولاية بيروت. واعتبرت هذه الجمعية يومذاك أنها الشرارة الأولى لليقظة العربية، كما أنها الجمعية الأولى غير الطائفية في لبنان، إذ تجمع فيها المسلمون المسيحيون على السواء. وفي الأول من شباط 1913 أعلنت الجمعية برنامجها المؤلف من (14) بنداً وأهم ما جاء فيه: تحقيق الاستقلال الذاتي على أساس اللامركزية بحيث تبقى الولايات العربية جزءاً من الدولة العثمانية، والاعتراف باللغة العربية لغة رسمية كاللغة التركية.

وقد أشارت التقارير القنصلية لا سيما البريطانية والفرنسية إلى مدى تأثر الولايات العربية الأخرى ببرنامج وأهداف الجمعية الإصلاحية، وقد أكد القنصل البريطاني في القدس ونائبه في يافا مدى هذا التأثر.

وفي 17 آذار 1913 أرسل القنصل الفرنسي في بيروت «قوجة» (Couget) تقريراً إلى وزارة الخارجية الفرنسية أوضح فيه أن أعضاء لجنة الإصلاح اجتمعوا بالوالي أبا بكر حازم بيك، وكان الأعضاء ممثلين بأبي علي سلام وقد قدموا له مطالب اللجنة. ومما ذكره القنصل عن سليم سلام بأنه العضو الأكثر تأثيراً في الجمعية، وأن سليم سلام لم يكن طائفياً بدليل أنه انتقد أمام الوالي واشتكى من عدم إعطاء المسيحيين نصف المناصب في داخل مجلس ولاية بيروت. وأضاف القنصل الفرنسي أنه نظراً لتمسك الإصلاحيين بتنفيذ برنامجهم ومن أجل تقوية موقفهم فإن سليم سلام قرر تقديم استقالته من مجلس الولاية، كما أنه وأصدقاءه لن يستلموا مراكزهم إلا بعد تنفيذ مطالبهم.

ونظراً لأثر الجمعية الإصلاحية سواء في بيروت أو في بقية المناطق العربية، فقد قرر الوالي حازم بك بأمر من حكومته حل الجمعية الإصلاحية وتوقيف نشاطها وإغلاق ناديها الكائن في باب إدريس. وقد أخبر الوالي هذا القرار لسليم سلام باعتباره مدير الجمعية الإصلاحية والمسؤول عنها أمام الدولة فما كان من سلام إلا أن قال للوالي: «إن الجمعية الإصلاحية قد تشكلت بصورة مطابقة للقانون وهي قائمة على قاعدة أخذت من سياسة جمعية الاتحاد والترقي وجمعية الحرية والائتلاف وغيرهما من الجمعيات السياسية التي تشكلت في الأستانة». ثم أرسلت الجمعية للوالي احتجاجاً على حل الجمعية وإقفال ناديها، كما أرسلت برقيات الاحتجاج إلى الصدر الأعظم، وأضربت مدينة بيروت المحروسة ومختلف الولايات العربية احتجاجاً على عمل الوالي.

كان من نتيجة أعمال الحركة الإصلاحية في بيروت ومحاربة الدولة العثمانية لأهدافها، أن تداعت الجمعيات والشخصيات العربية لعقد مؤتمر في باريس، وقد عقد فعلاً في 18 حزيران 1913. وكانت الجمعية الإصلاحية قد انتخبت وفداً يمثلها قوامه: سليم سلام، أحمد مختار بيهم، خليل زينية، الشيخ أحمد طبارة، د. أيوب ثابت والبر سرسق.

وبمناسبة انعقاد المؤتمر أرسل القنصل الفرنسي في بيروت تقريراً مفصلاً عن شخصيات الوفد ومما قاله عن سليم سلام أنه معروف باسم أبو علي وهو أحد البيروتيين الأصليين «قد من صخر قديم» (Vieille Roche) كلماته قاسية ولكنها مليئة بطعم ولون، كل شخصيته توحي بالقوة والعزيمة، وبالرغم من أن ثقافته بسيطة غير أن تأثيره لا ريب فيه سواء على أبناء طائفته أو حتى على سواهم، المميزات الخاصة فيه أنه يتميز بالرجولة.

ولقد تبين في المؤتمر العربي الأول في باريس من أن سليم سلام لم يكن يهدف إلى الانفصال عن الدولة العثمانية إنما اعتماد اللامركزية الإدارية. ورغم عثمانيته فقد اقترح في المؤتمر رفض كل منصب ما لم تتحقق المطالب الإصلاحية. ومن الملاحظ أن سليم سلام لم يحاول أن يستغل وجوده في باريس لإجراء اتصالات سرية أو علنية مع المسؤولين الفرنسيين وقد انتقد انتقاداً شديداً كل من الدكتور أيوب ثابت وخليل زينية بعد أن علم أنهما كانا يتصلان سراً بوزير الخارجية الفرنسية «بيشون» ويطلبان منه ضرورة احتلال فرنسا للبلاد السورية. وكان سليم سلام وأحمد مختار بيهم قد أفهما الوزير الفرنسي بأن العرب لا يمكن أن ينفصلوا عن الدولة العثمانية أو القبول بفرنسا بديلاً عنها، وقد اتخذوا باريس مقراً لمؤتمرهم نظراً لصداقة فرنسا مع الدولة العثمانية وبسبب الديمقراطية التي يؤمن بها الفرنسيون.

ونظراً لمواقف سليم سلام في باريس كتب وزير الخارجية الفرنسية إلى قناصله في بيروت ودمشق وبغداد حذرهم من سياسة سلام المؤيدة للعثمانيين رغم اتجاهاته الإصلاحية. ومما جاء في تقرير الوزير: خذوا حذركم منه ولا تثقوا به. ولما انتهى مؤتمر باريس دعت الحكومة العثمانية لإجراء اتصالات مع أعضاء المؤتمر، فما كان من المؤتمرين إلا أن انتخبوا وفداً للذهاب إلى الآستانة برئاسة سليم سلام وعضوية أحمد مختار بيهم والشيخ أحمد طبارة الذين وصلوا الآستانة في 16 آب 1913، وهناك اجتمعوا بالسلطان محمد رشاد وبالصدر الأعظم، وولي العهد ومما قاله سلام باسم الوفد لطلعت باشا الصدر الأعظم: «إننا خرجنا من البلاد ونحن عالمون بأننا غير راجعين يقيناً بأن الحكومة ستصدر الأوامر بعدم عودتنا لبلادنا العزيزة. وقد دخلنا اليوم عاصمة الملك ونحن موقنون أن علينا خطراً عظيماً، ولكن الوطنية فوق كل المخاطر فليرسخ في أذهان رجال الإدارة أننا لن نرجع عن تعزيز بلادنا بأية واسطة كانت. كما وجه سليم سلام الكلام للسلطان محمد رشاد حينما قابله الوفد في 23 آب 1913 ومما قال سلام بالتركية: «إن العرب يا صاحب الجلالة أشد الناس وطنية وأكثرهم غيرة على هذه الدولة، فهم يطلبون صلاح أمرهم واستقامة شأنهم ومراعاة كرامتهم ويعملون لحفظ بلادهم تحت راية الهلال الشريفة».

هذا وقد لقي الوفد كل مجاملة وترحيب وتعاطف مع المطالب العربية، غير أن الحكومة العثمانية نكثت بوعودها ولم تنفذ الإرادة السلطانية.

ومن الأهمية بمكان القول أن مواقف سليم سلام الإصلاحية سواء في بيروت أو في باريس أو في استانبول كانت سبباً رئيسياً في إلقاء جمال باشا القبض عليه في إبان الحرب العالمية الأولى، وكاد أن يعدم مع بقية المعتقلين، لولا أن تأكد جمال باشا من خلال إطلاعه على وثائق القنصلية الفرنسية في بيروت من أن سليم سلام وأحمد مختار بيهم كانا من المؤيدين للدولة العثمانية وإنهما لم يتآمرا عليها، وكل ما فعلاه أنهما كانا من رواد الإصلاح وتطور الولايات العربية وبينها ولاية بيروت. هذا ولا بد من الإشارة إلى أنه بسبب مواقف سليم سلام الإصلاحية انتخب منذ نيسان 1914 نائباً عن ولاية بيروت في مجلس المبعوثان العثماني.

رائد الوحدة السورية والعربية

بعد هزيمة الدولة العثمانية عام 1918 تشكلت الحكومة العربية في دمشق وأرسلت برقية إلى بيروت لإعلان الحكومة العربية فيها. وبالفعل فقد أعلنت ولادة هذه الحكومة برئاسة عمر الداعوق بينما كان سليم سلام المدير المسؤول لهذه الحكومة، غير أن فرنسا سرعان ما احتلت البلاد وقضت على كل تحرك استقلالي أو وحدوي، فاعتقلت السلطات الفرنسية سليم سلام عام 1919 لمدة أربعة أشهر وزجوه في الطابق الأرضي من السراي الكبير في بيروت ومنعوا عنه أية مقابلة. ولم يطلق سراحه إلا بعد مساع عديدة بذلها الأمير فيصل لدى رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو.

ولما تبين لسليم سلام وللقوى الوحدوية في البلاد السورية بأن فرنسا وبريطانيا تريدان احتلال البلاد طبقاً لإتفاقية سايكس – بيكو تداعى الجميع لعقد المؤتمر السوري العام في دمشق بين عامي 1919-1920 برئاسة الأمير فيصل، وقد انتخب سليم سلام ورضا الصلح وأحمد مختار بينهم ومحمد جميل بيهم ومحمود اللبابيدي وفريد كساب وجرجي حرفوش ومحمد الفاخوري وعارف الكنفاني وجان تويني مندوبين عن بيروت للمؤتمر، وكان من المرجح أن ينتخب سليم سلام رئيساً للمؤتمر السوري العام بعد وفاة رئيسه محمد فوزي باشا العظم، غير أن تأخر وفد بيروت في الوصول إلى دمشق دعا المؤتمرين إلى انتخاب هاشم الأتاسي على حد قول محمد جميل بيهم. هذا وقد بحث المؤتمر في مستقبل البلاد السورية وأكد على ضرورة بقائها وحدة مستقلة في إطار دولة عربية سورية موحدة. وفي عام 1920 وعندما واصل المؤتمر جلساته عرض الأمير فيصل على سليم سلام تولي رئاسة الحكومة العربية الجديدة بعد حكومة رضا الركابي غير أنه اعتذر لأسباب عديدة منها ما يتعلق بالوضع القائم في لبنان وضرورة بقائه فيه. وفي 7 آذار اتخذ المؤتمر السوري العام في دمشق قراراً تاريخياً شارك فيه سليم سلام في اتخاذه وقد تضمن ضرورة وحدة البلاد السورية واستقلالها ورفض إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين. غير أن فرنسا سرعان ما قامت بفرض سيطرتها على لبنان وسوريا، فقضت على الحكومة العربية في موقعة ميسلون، ثم أعلنت دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920.

وخلافاً لما هو متواتر، فقد أشارت الوثائق الفرنسية بأن سليم علي سلام وعمر بك الداعوق وأحمد مختار بينهم وبقية الزعامات الإسلامية حاولوا الاعتراف بدولة لبنان الكبير شرط إقامة العدل والمساواة وعدم الاستقواء بالسلطات الفرنسية، ولما لم تجد تلك الزعامات أذناً لبنانية وفرنسية صاغية، استمرت في مطالبتها بالوحدة السورية.

والحقيقة فإن سليم سلام والقوى الوحدوية استمرت في رفضها لصيغة لبنان الطائفي، ولم تعترف بإعلان غورو، وقد حدث أن ترأس سليم سلام وفداً وحدوياً وتوجه إلى عاليه لمقابلة غورو، وقد قدم له مطالب المسلمين الوحدويين وبينها رفضهم الانضمام للبنان الكبير أو حتى القبول بتذكرة الهوية اللبنانية. ونظراً لمواقف سليم سلام المعادية للفرنسيين سواء في مؤتمر باريس أم في عهد السيطرة الفرنسية على لبنان وسوريا، فقد بدأت السلطات الفرنسية تحاربه باستمرار وتداهم منزله في المصيطبة من فترة إلى أخرى، وفي ربيع عام 1922 داهمت السلطات منزله وبعثرت محتوياته وأوراقه، ثم سيق سلام لسجن القلعة في رأس بيروت كما سيق معه صلاح بيهم وحسين العويني وحسن القاضي، ثم ما لبث أن نفي جميعهم إلى قرية «دوما» في البترون في شمال لبنان، وأبقوا هناك قيد الاعتقال من 29 نيسان إلى أيلول 1922.

وتبقى السنوات المميزة في تاريخ سليم سلام هي جهاده في سبيل الوحدة السورية والعربية الشاملة، فبالرغم من الاضطهاد والاعتقال استمر يطالب مع القوى الوحدوية اللبنانية والسورية بإنهاء الانتداب الفرنسي وإعطاء البلاد السورية استقلالها لتقرر مصيرها وتقيم وحدتها. ولهذا فقد ترأس في عهد الانتداب المؤتمرات الوحدوية، ففي 16 تشرين الثاني 1933 عقد في منزله في بيروت وتحت رئاسته مؤتمر الساحل الوحدوي، وكان بين المشاركين: عبد الحميد كرامي، عبد اللطيف البيسار، عمر بيهم، محمد جميل بيهم، شوقي الدندشي، علي ناصر الدين، يوسف يزبك، صلاح بيهم، الشيخ أحمد عارف الزين، وناقش المؤتمرون الوضع السياسي في لبنان وانتهوا إلى الاتفاق على وضع مذكرة رفعها سليم سلام باسمهم إلى المفوض السامي ومما جاء فيها «... لقد سبق وقدمنا لأسلافكم في مناسبات عديدة عرائض واحتجاجات... ورفعنا مرات عديدة لحكومة فرنسا الفخيمة وإلى جمعية الأمم مطالبنا، وبأننا نحرص جداً على أن نكون ضمن الوحدة السورية العامة التي لا حياة لبلادنا بدونها».