آل الشدياق

من الأسر المسيحية والإسلامية في بيروت، كما حمل هذا اللقب الكثير من الأسر في مختلف المناطق اللبنانية بعد أن تخلت عن أسمائها الأصلية. وقام أفراد من أسرة الشدياق المسيحية بدور بارز في العهود الشهابية في جبل لبنان من بينهم بطرس الشدياق منذ عهد الأمير حيدر الشهابي، ومن ثم منصور الشدياق، ويوسف منصور الشدياق مدير الأمير يوسف الشهابي، والمؤرخ طنوس يوسف الشدياق (1791-1861) صاحب كتاب «أخبار الأعيان في جبل لبنان» والمعلم أسعد الشدياق وغالب يوسف الشدياق مدير الحسابات في ديوان محمد علي باشا الكبير وكاتب ديوان الأمير بشير الشهابي الثاني الكبير، كما برز شقيقه العلامة أحمد فارس الشدياق (1805-1887) الذي اعتنق الإسلام. كان مفكراً وعالماً، أنشأ صحيفة «الجوانب» لذا كان له أثر كبير في مصر واستانبول وتونس ومختلف الأوساط العثمانية. ترك عدة مصنفات أدبية وسياسية منها «الجاسوس على القاموس» و»الساق على الساق في ما هوا الفارياق». توفي عام 1887 ودفن في مدفن عثماني خاص في منطقة الحازمية (للمزيد من التفاصيل راجع د. عماد الصلح في كتابه عن أحمد فارس الشدياق).

وبمناسبة مرور خمسين سنة على وفاته، أي في عام 1937، اجتمع في بيروت المحروسة جمهرة من كبار العلماء والأدباء والأعيان ورجال الحكومة، واختاروا لجنة لإعداد حفل تكريمي للعلامة أحمد فارس الشدياق، برئاسة العلامة محمد جميل بيهم وعضوية السادة: بطرس البستاني، الشيخ يوسف زخريا، واصف بارودي، مارون عبود، راشد طباره، قسطنطين زريق، عمر فاخوري، كرم ملحم كرم، أنيس نجا، نقولا بسترس، الشيخ الياس زخريا. وقد تم الاتفاق على جمع الأموال من بيروت ولبنان والعالم العربي، للإنفاق منها على مهرجان التكريم الكبير للعلامة أحمد فارس الشدياق، وذلك برعاية رئيس الجمهورية الأستاذ اميل اده.

وبهذه المناسبة، فقد نشرت اللجنة سيرة ذاتية عن حياة العلامة أحمد فارس الشدياق (نسخة أصلية بحوزتي من أرشيف العلامة محمد جميل بيهم) جاء في مقدمتها ما أشارت إليه صحيفة «الاجبسيان غازت» (Egypthien Gazette) قولها: «ضع الكتبة الإنكليز سكيث، وأمرسون، وداوردروث، ووايكلف، وبلويز، في شخصية واحدة، فيمكنك أن تتصور جيداً عظمة الرجل، ولو ولد الشدياق في أوروبا لدفن مع نخبة العظماء، ولنصبت له التماثيل في أكثر مدن بلاده». وفيما يلي النبذة عن حياته كما جاءت في نشرة لجنة التكريم.

◄«حياته ومؤلفاته»

أحمد فارس الشدياق من نوابغ القرن التاسع عشر. ولد في عشقوت (لبنان) سنة 1805، ولأحوال سياسية انتقل والده إلى حدث بيروت سنة 1809، فترعرع فيها، وتعلم في مدرسة عين ورقة الشهيرة، ولما مات والده سنة 1820 احترف نسخ الكتب، وانكب على المطالعة.

وفي سنة 1825 هاجر إلى مصر فعلّم المرسلين الأميركان اللغة العربية، واتصل بالأئمة المصريين ومشايخ العلم فلمع نجمه الثاقب يوم عهد إليه خديو مصر بكتابة (الوقائع المصرية) جريدة حكومته.

وفي سنة 1834 ذهب إلى مالطه بناء على طلب المرسلين الأميركان، ولبث في تلك الجزيرة أربع عشرة سنة يعلم في مدرستهم ويصحح مطبوعات مطبعتهم.

وفي سنة 1848 طلبته وزارة خارجية انكلترا من حاكم مالطه ليعاون الدكتور (لي) على ترجمة التوراة، فلبى ونهض بالعمل الخطير، ثم غادر لندن إلى باريس. وقضي في أوربا زهاء عشر سنوات تعرف في أثنائها بأكبر نوابغها وجامعاتها، وألف في هذه الأثناء: الواسطة، وكشف المخبأ والفارياق الذي طبعه في باريس سنة 1855.وفي باريس اتصل بباي تونس وقال في مدحه قصيدة خطيرة، فاستقدمه الباي إلى تونس على باخرة حربية خاصة، وولاه أسمى مناصب دولته. وكتب في جريدة الدولة (الرائد التونسي) فاتجهت إليه أنظار العالم الإسلامي في الشرق والغرب حتى طلبه السلطان عبد المجيد من الباي فقضي في الاستانة سنوات يدير المطبعة السلطانية ويصحح مطبوعاتها.

وفي سنة 1861 أنشأ جريدته (الجوائب) فكانت لسان حال الشرق ومرجع صحف أوربا في المسألة الشرقية، كما كان أحد لسان العرب الجسور في القسطنطينية. ولم يقل شأن الجوائب الأدبي عن مقامها السياسي، فكانت مدرسة العرب الجديدة في كل قطر، وظلت هكذا حتى قضت السياسة بإسكاتها سنة 1884.

وفي سنة 1886 زار الشدياق مصر فأكرمه الخديوي توفيق باشا ونوَّه بخدماته للشرق أعظم تنويه، فعاد من مصر مغتبطاً جداً، ومات في الاستانة سنة 1887 (20 أيلول) فرثته صحف العالم على اختلاف لغاتها، ونعاه البرق إلى العواصم، ومثلت الذات الشاهانية في مأتمه، وكان يوم نقل جثمانه إلى لبنان من أعظم أيامه ودفن في الحازمية.

◄منزلة الشدياق

قلما بلغ رجل في القرن التاسع عشر منزلة الشدياق في الأدب والسياسة، فقد كان أستاذ ذلك العصر في كل بحث ومطلب، وله في التجديد أبلغ أثر يعرفه من قرأ آثاره الجليلة، فهو الشاعر المطبوع، واللغوي المحقق المستنبط، والكاتب الأديب المبدع الذي جرت الحياة حيث مرَّ قلمه الساحر، والسياسي الداهية الجريء في أحرج المواقف وأخطرها.

◄آثار الشدياق

كثيرة، منها: سر الليال، وهو كتاب ضخم كشف فيه ما استتر عن الأفهام دهوراً من أسرار اللغة، فكان لانتشاره بين العلماء أروع وقع، فدل على نبوغ واضعه وعبقريته العجيبة.

الجاسوس على القاموس – اسمه يدل عليه، بين فيه مغالط الفيرزابادي وغيره من علماء اللغة أصحاب المعاجم، وهو ضخم جزيل الفائدة.

الفارياق – كتاب أدب حي يفاخر به العرب أدباء العالم، فهو بمنزلة أسمى آثارهم الفتية القديمة والحديثة، وروائعهم الخالدة.

كشف المخبأ، والواسطة – كتابان جليلان فيهما درس للشؤون الاجتماعية، وليسا وصفاً جافاً لاوربا ومالطة كما يفعل عادة كتاب الرحلات.

وله غير هذه: ترجمة الكتاب المقدس، اللفيف في كل معنى طريف، كتاب نحو وصرف، غراماطيق فرنسوي، غراماطيق إنكليزي، ترجمة كتاب: أسرار طبائع الحيوان، منتخبات الجوائب ستة أجزاء، النفائس في إنشاء أحمد فارس، الروض الناضر في أبيات ونوادره البديع، وسائل ومحررات أدبية واجتماعية، ديوان شعر، إثنان وعشرون ألف بيت، منتهى العجب في خصائص لغة العرب، الخ. وقد نشر كتباً عديدة نادرة الوجود فأغنى بها المكتبة العربية، عدا ما وضع من ألفاظ حديثة كانت لنا ثروة.

وخلاصة ما يقال في الشدياق أنه ركن عظيم من أركان النهضة الأدبية الحديثة، وعلم من أعلامها الخالدين. (انتهى ما جاء في النشرة). وهكذا، نرى بأن أحمد فارس الشدياق يستحق من بيروت والبيارتة واللبنانيين والعرب كل التقدير والتكريم.

عرف من الأسرة في العهد العثماني أيضاً، واستناداً إلى سجلات المحكمة الشرعية في بيروت العائدة لعام 1259هـ، السيد أحمد الشدياق الذي كان يقطن في باطن بيروت، كما أشارت السجلات إلى السيد محمد الشدياق في باطن بيروت أيضاً. وأشارت السجلات أيضاً إلى بني الشدياق بالقرب من زاوية الدركة في باطن بيروت. كما أشارت السجلات إلى أحد أسرة الشدياق المسيحية في بيروت المدعو غازي شديد الشدياق شاهداً على عملية بيع قطعة أرض في منطقة الصيفي للخواجة بطرس يارد إلى الخوري ميخائيل.

كما عرف حديثاً من أسرة الشدياق المسيحية والإسلامية في بيروت السادة: إبراهيم، ادغار، ادمون، اسطفان، الياس، انطوان، بشاره، بيار، جان، جورج، جوزيف، والمحامي حنا الشدياق، خليل، شارل، شربل، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد الرزاق، عبد الودود، عفيف، والدكتور عمر، والسفير غازي الشدياق، غسان، كمال، كميل، محمد، محمود، محيي الدين، مروان، يوسف، وسواهم الكثير من الأسرتين الإسلامية والمسيحية.

والشدياق لغة رتبة كهنوتية عند المسيحيين، وهي رتبة الشماس الإنجيلي، أو الكاهن الذي يرئس قسماً من ابرشية.