آل الصلح

أسرة الصلح: نسب شريف وأصالة عائلية لبنانية وعربية

وإسهامات سياسية وفكرية وعلمية وإدارية وخيرية

من الأسر الإسلامية البيروتية والصيداوية. تعود بجذورها إلى القبائل العربية الأولى التي أسهمت في الفتوحات العربية في مصر وبلاد الشام. وقد قامت الأسرة بدور بارز في العهدين المملوكي والعثماني لا سيما في السياسة والإدارة والاقتصاد، والمناصب العسكرية، مما دعا البعض للظن أن الأسرة من أصل تركي، علماً أنها من قبائل اليمن المعروفة.

تولى أحد أفراد الأسرة رتبة آغا قلعة صيدا منذ عام 1660م، وطيلة العهد العثماني توارثت الأسرة هذا المنصب. وبرز من آل الصلح في القرن التاسع عشر أحمد أفندي الصلح الذي أصبح فيما بعد أحمد باشا الصلح (ت 1893) الذي انتقل من صيدا إلى بيروت. وحسب سجلات المحكمة الشرعية في بيروت لا سيما السجل (1285)هـ، القضية (165) فإن أحمد باشا الصلح تملك في محلة الروشة في مزرعة رأس بيروت قرب أملاك عبد الخالق وشاتيلا. وأوضح لي السيد سميح بك الصلح مدير عام الداخلية السابق، بأن أحمد باشا الصلح انتقل فيما بعد إلى ملك له بالقرب من ميناء الحصن (تجاه فندق السان جورج اليوم) وقد أقام في المنزل نفسه نجله رضا بك الصلح، في حين أن حفيده رياض الصلح انتقل فيما بعد إلى منطقة رأس النبع. بينما أقام سامي بك الصلح في منطقة حوض الولاية ردحاً طويلاً من الزمن لغاية أحداث عام 1958، في حين أن الرئيس رشيد بك الصلح أقام في منطقة محاذية هي منطقة برج أبي حيدر، ومن ثم انتقل إلى منطقة عين التينة.

بدأ أحمد باشا الصلح حياته كترجمان لوالي صيدا محمد باشا، ثم أصبح فيما بعد متصرفاً في الدولة العثمانية. وكان له نفوذ واسع لدى الولاة العثمانيين والسلطة العثمانية. أُرسل عام 1271هـ-1854م إلى عماطور والمختارة من قبل مجلس ولاية بيروت في وفد مع مفتي بيروت الشيخ محيي الدين الباقي، ومتولي بيروت عبد الفتاح آغا حماده، وذلك لضبط الحوادث المحلية، وإجراء التحقيقات اللازمة حول حوادث الجبل بين العائلات الدرزية. كما شارك أحمد باشا الصلح في السنة ذاتها مع كبار المسؤولين في إجراء المصالحة بين عائلات عبد الصمد وأبي شقرا، وكان منصبه في هذا العام أي في 1854م ناظر أملاك بيروت، وكان لقبه «الفقير إليه تعالى أحمد صلح زاده». وقد أشارت سجلات المحكمة الشرعية إليه كثيراً.

وبرز من أسرة الصلح في العهد العثماني محمد أفندي الصلح قاضي القضاة في صيدا. كما برز من الأسرة أبناء أحمد باشا الصلح: كامل الصلح (ت 1917)، الذي قام بدور بارز في السياسة العثمانية، وفي الحركة الإصلاحية عام 1913، وتولى فترة رئاسة محكمة استئناف دمشق، ومحكمة استئناف طرابلس الغرب. وابنه الثاني منح الصلح (ت 1921) قام بدور سياسي وإداري وتربوي بارز، لا سيما تأسيسه جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وابنه الثالث رضا بك الصلح (1860-1935) الذي قام بدور سياسي بارز في العهدين العثماني والفرنسي، انتخب عام 1909 وعام 1913 نائباً في مجلس المبعوثان عن ولاية بيروت الجنوبية، وتولى متصرفيات عديدة بين أعوام 1919-1920 كان عضواً في المؤتمر السوري العام، كما أصبح وزيراً للداخلية في حكومة الأمير فيصل بن الشريف حسين في دمشق ابتداءً من عام 1918. ويعتبر رضا الصلح أول نائب عربي نبه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين، ومدى أخطار الهجرة اليهودية إلى الأراضي المقدسة، وذلك منذ العهد العثماني. ثم برز ابن رضا بك الصلح رياض بك الصلح (1893-1951) الذي نفاه جمال باشا ووالده إلى خارج البلاد، لاشتغالهما ضد الدولة العثمانية. كما اضطهد رياض الصلح زمن الانتداب الفرنسي. وشارك في مؤتمرات لبنانية وعربية وإسلامية من أجل القضايا العربية والإسلامية في مقدمتها قضية فلسطين.

ومن الشخصيات البارزة من آل الصلح عبد الرحيم بك الصلح ونجله سامي بك الصلح (1887-1968) القاضي والسياسي الشهير في تاريخ بيروت ولبنان الذي أعلن ترشيحه الأول في الانتخابات النيابية منذ عام 1914 ضد سليم علي سلام. كما أصبح نائباً عن بيروت، ومن ثم رئيساً لوزراء لبنان ابتداء من عام 1943 ولعدة مرات، آخرها عام 1958، ثم أعيد انتخابه نائباً عن بيروت 1964-1968 حيث توفي نائباً عام 1968.

وبرز من الأسرة السفير عبد الرحمن ابن الرئيس سامي الصلح ونجلاه رياض وسامي الصلح. كما برز عفيف الصلح عضو االمؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق عام 1920، وعادل منح الصلح رئيس مجلس بلدية بيروت رئيس حزب الاستقلال الجمهوري. كما برز كاظم منح الصلح (1909-1976) أحد واضعي الميثاق الوطني مع رياض الصلح، وفي مقدمة المعترضين على قرارات «مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة» الذي عقد في منزل سليم علي سلام عام 1936.

كان أحد المؤمنين بلبنان وطناً نهائياً لأبنائه، ورافضاً فكرة فرض الوحدة السورية أو العربية بالإكراه. وهو مؤسس «حزب النداء القومي» وصحيفة «النداء». وكان نائباً ووزيراً وسفيراً. وبرز من هذا الفرع نجله المفكر منح الصلح الذي اشتهر بعمق كتاباته ودراساته السياسية والوطنية، أمين عام «دار الندوة» في بيروت. نال أوسمة ودروع تقديرية عديدة ورئيس سابق للمركز الثقافي الإسلامي.

وبرز من الأسرة أيضاً رئيس الوزراء الرئيس رشيد الصلح ونائب بيروت ووزير عدة مرات. كما برز رئيس الوزراء الرئيس تقي الدين الصلح. وبذلك تكون أسرة الصلح هي الأسرة الإسلامية الوحيدة التي تبوأ أربعة من رجالاتها منصب رئيس وزراء لبنان هم على التوالي: سامي الصلح، رياض الصلح، رشيد الصلح، تقي الدين الصلح.

وبرز من الأسرة أيضاً السيدة ليلى ابنة رياض الصلح وزيرة الصناعة في حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004-2005 وشقيقاتها السيدة لمياء الصلح زوجة الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، والدة الأمير الوليد بن طلال، والسيدة منى الصلح زوجة الأمير محمد شقيق ملك المغرب السابق محمد الخامس والسيدة علياء الصلح إحدى الناشطات في الحقل السياسي والأدبي. كما برز الدكتور عماد الصلح صاحب كتاب «أحمد فارس الشدياق». كما برز الشيخ سعد الدين الصلح مفتي صيدا السابق، ومحمود منح الصلح، ومحمد منيب الصلح أحد مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا. وعرف من الأسرة وحيد الصلح والسيدة منيرة الصلح والسيدة فريدة الصلح، والسادة: رغيد الصلح، أحمد، أكرام، أمين، جهاد، والدكتور الطبيب حسان، خلدون كاظم الصلح، خليل، رامي، رغيد كاظم الصلح، المهندس رفيق، رياض، سامي، سميح الصلح مدير عام وزارة الداخلية سابقاً، ونجله مصطفى سميح الصلح قنصل لبنان الفخري في إمارة موناكو، رئيس جمعية قناصل البلاد الأجنبية الرسميين في موناكو (2009-2014) (اللواء 16/6/2009 ص 20)، كما برزت السيدة سناء الصلح رئيسة مؤسسة الأمل للمعاقين. والضابط في الأمن العام هشام الصلح، طلال، عادل، عبد الرحمن، عبد السلام، عبد الغني، عدنان، عفيف كامل، علي، عماد منح، فاروق، قاسم، محمد، والدكتور محمود، والطبيب الدكتور مصطفى الصلح، ممتاز، منح، منيب، منير، نبيل، نزيه، نسيب، هشام، والدكتور هلال الصلح الأستاذ الجامعي، وسام وسواهم الكثير.

فرع آل الصلح في سوريا:

برز في سوريا من آل الصلح ممن توطن فيها منذ القرن التاسع عشر المحامي الأستاذ محمد ربيع الصلح عميد آل الصلح في سورية المتوفى في 10 نيسان 2010 في منزله في يعفور إحدى بلدات ضواحي دمشق، وقد دفن في جبانتها. زوجته المرحومة السيدة سمية السفرجلاني أولاده: د. بشار الصلح، المهندس وضاح الصلح، السيدة لينا الصلح.

رضا الصلح )‎‏1860 – 1935‏(‎

ولد رضا الصلح عام 1860 في مدينة صيدا، وكان والده أحمد باشا الصلح من أعيان المدينة وقد تولى مناصب حكومية مهمة، وفي مقدمتها منصب متصرف اللاذقية، عرف عن أحمد باشا حبه وتفانيه في خدمة سكان المنطقة، أشار يوسف الحكيم قاضي اللاذقية (عين وزيراً فيما بعد في عهد الأمير فيصل والانتداب الفرنسي) بأن أحمد باشا الصلح جاء متصرفاً منذ أن بدأ التنظيم الإداري يطبق في اللاذقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأنه وفق في إدارة المتصرفية «وكان رائده إقامة العدل وتوطيد الأمن».

من بيروت إلى «المبعوثان»:

انتخب رضا الصلح في تشرين الثاني 1908 نائباً عن ولاية بيروت لمجلس المبعوثان العثماني، وانتخب معه يومذاك سليمان البستاني، بينما انتخب فؤاد خلوصي عن لواء طرابلس الشام.

إرهاصات الثورة العربية:

لما ابتدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914 تبين بأن رضا الصلح وابنه رياض الصلح بدآ يعملان من أجل حكم عربي بالاتفاق مع بعض المعارضين العرب وبعض الأحزاب العربية. وتبين بأن اجتماعات عديدة عقدت بين رضا الصلح وابنه رياض من جهة وبين عبد الكريم الخليل من جهة ثانية. وكان عبد الكريم الخليل يسعى لتدبير ثورة عسكرية ضد الدولة العثمانية. وفي صيف 1915 جاء كامل الأسعد إلى بيروت واجتمع بسليم سلام وقال له: بأن رضا الصلح وعبد الكريم الخليل وبعض مؤيديهما اجتمعوا في صيدا وقرروا القيام بثورة على الدولة العلية، وأن جمال باشا استدعاه ليأخذ معلومات منه حول هذا الاجتماع. وحرصاً على رضا الصلح وعبد الكريم الخليل فقد طلب سليم سلام من كامل الأسعد عدم الإفصاح لجمال باشا عن اجتماعات صيدا.

المؤتمر السوري العام:

وفي عام 1918 أطلق سراح رضا الصلح وابنه رياض وبقية المنفيين إلى الأناضول، وعاد رضا الصلح إلى مسرح السياسة العربية من جديد للتعاون مع الأمير فيصل لما فيه إنشاء دولة عربية واحدة تضم ما عرف فيما بعد باسم لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق أو بمعنى آخر تضم البلاد السورية أو سوريا الكبرى في دولة واحدة. ولما بدأت تتألف الوفود حضور جلسات المؤتمر السوري العام الذي ابتدأت جلساته عام 1919 واستمرت إلى عام 1920 حتى انتخب رضا الصلح مندوباً عن بيروت مع سليم سلام ومحمد جميل بيهم ومحمد فاخوري وأحمد مختار بيهم وعارف الكنفاني ومحمد اللبابيدي وفريد كساب وجرجي حرفوش وجان تويني، بينما رياض الصلح انتخب عن مدينة صيدا كمندوب للمؤتمر. ولما تشكلت أول حكومة عربية برئاسة رضا الركابي اختير رضا الصلح فيها ليكون وزيراً للداخلية، ثم أصبح رئيساً لمجلس شورى الدولة، ثم عاد وزيراً للداخلية في الحكومة الفيصلية الثانية.

وكان المؤتمر السوري العام قد اتخذ قراراً مهماً في 7 آذار 1920 شارك رضا الصلح في صياغته، وقد تضمن الرفض العربي القاطع لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وبالتالي المطالبة بوحدة وحرية واستقلال الولايات العربية وإعلان فيصل ملكاً عليها.

رياض رضا الصلح (1894-1951):

من صيدا ومواليد بيروت (ميناء الحصن)، في 17 آب سنة 1894. كان لوالدته نظيرة أعظم الأثر في تنشئته، فبعد وفاة أربعة من أولادها الخمسة، في أثناء حياتها، علقت آمالها على رياض، فكانت معلمته الأولى، إذ زرعت فيه حب القراءة والتاريخ والشعر وعلم النبات. لم يرسل إلى المدرسة إلا في وقت متأخر من طفولته، وبصورة متقطعة. وعندما بلغ التاسعة، تعاقد والده مع معلمين اثنين لتعليمه في المنزل، ومرافقة العائلة في أثناء أسفارها، أحدهما حسين الجندي من دمشق، علمه العربية والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا، والآخر جوزف خوري، علمه اللغة الفرنسية، وبعضاً من التركية والفارسية واللاتينية.

في سنة 1905، أدخل رياض إلى الكلية العثمانية الإسلامية، التي أنشأها الشيخ أحمد عباس الأزهري في بيروت عام 1895. وبعد فترة قصيرة نقل إلى مدرسة اللعازارية في عينطورة في جبل لبنان، ثم أمضى بضع سنوات في الكلية اليسوعية في بيروت، أتقن خلالها الفرنسية، واكتسب معرفة الكثير من الأصدقاء، منهم أسعد داغر.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عاد رياض الصلح إلى دمشق، وانضم مع والده إلى فريق الأمير فيصل، فعينه حاكماً على مدينة صيدا، في حين عين والده وزيراً للداخلية، في الحكومة الفيصلية في دمشق، لكن الفرنسيين سرعان ما حلوا المجلس البلدي في صيدا، وأجبروا رياض الصلح على التنحي، فغادر المدينة إلى دمشق حيث ضغط على والده للاستقالة من الوزارة، بعدما تبين له رضوخ فيصل لضغوطات الفرنسيين، وموافقته على مشاريعهم الانتدابية في سوريا الطبيعية.

أمضى رياض الصلح فترة، متخفياً متوارياً عن أنظار الفرنسيين، سواء في فلسطين أم في القاهرة، أم أوروبا. وقد استمرت هذه الفترة نحو ثلاث سنوات ونصف، تعرف خلالها إلى العديد من الشخصيات العربية والوطنية، فتعرف عن قرب إلى الأمير شكيب أرسلان وميشال لطف الله، والدكتور عبد الرحمن الشهبندر والسيد رشيد رضا وإحسان الجابري وشكري القوتلي. وفي هذه الفترة شارك في المؤتمر السوري الفلسطيني، الذي عقد في جنيف في سويسرا، في صيف سنة 1921، بصفته أحد ممثلي حزب الاستقلال، وكانت أبرز مقرراته: الاعتراف باستقلال سوريا ولبنان وفلسطين وسيادتها.

شارك إلى جانب رفيقه الأمير شكيب إرسلان وإحسان الجابري، في نصرة الثورة السورية الكبرى، التي قادها سلطان باشا الأطرش في سوريا بين سنتي 1925 و1926. فعمل إلى جانبهما بشكل متقطّع، وانهمك في الكتابة، والقيام بالحملات الإعلامية والسياسية، محاولاً التأثير في السياسة الفرنسية تجاه سوريا.

انضم رياض الصلح إلى الكتلة الوطنية، التي تشكلت من شخصيات سورية ولبنانية، وكانت مطلبها الأساسي إعادة المدن الساحلية، والأقضية الأربعة التي سلخت عن سوريا، وضمت إلى لبنان سنة 1920، ليصبح كبيراً. كما شارك إلى جانب سليم علي سلام وعبد الحميد كرامي، في إنشاء مؤتمر في بيروت، عُرف باسم مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة، وقد التأم عدة مرات في سنة 1928، ومرتين في سنة 1933، ومرة في سنة 1936. وكانت شكواه الرئيسية توسيع الفرنسيين «لبنان الصغير» بصورة اعتباطية، وتقسيم ما تبقى من مملكة فيصل، إلى دويلات صغيرة.

واكب رياض الصلح القضية الفلسطينية منذ بدايتها، وتعرف إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، فنشأت بينهما صداقة منذ سنة 1918، لهذا، فقد عمل طيلة حياته من أجل قضية فلسطين، ومحاربة الصهيونة والكيان الصهيوني.

وفي سنة 1931 دعا رياض الصلح والحاج أمين الحسيني، إلى عقد مؤتمر إسلامي كبير في القدس، لتركيز انتباه المسلمين على الوضع المأساوي والمتفجر في فلسطين، بسبب استمرار الهجرة اليهودية. وقد مثل رياض في المؤتمر، صديقيه الأمير شكيب إرسلان وإحسان الجابري لعدم تمكنهما من السفر إلى القدس، فقام رياض بدور مهم في جلسات المؤتمر، وعهد إليه بمهمة الدعاية الخارجية، من خلال التعريف بالمخاطر التي تواجهها فلسطين وسكانها العرب.

هذا، وقد حرص رياض الصلح على النضال من أجل حرية لبنان والبلاد السورية، ومحاربته ضد الاحتلال والصهيونية، الأمر الذي تبناه زعماء الكتلة الوطنية في سوريا، وفي طليعتهم جميل مردم بك وسعد الله الجابري وشكري القوتلي وفارس الخوري وغيرهم، خصوصاً بعد توقيع المعاهدتين السورية – الفرنسية، واللبنانية – الفرنسية سنة 1936.

أيّد رياض الصلح ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941، لا سيما بعد احتلال القوات الألمانية لبعض الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا، وترأس عدة اجتماعات حماسية تضامناً مع هذه الثورة، إذ رأى في نجاحها فرصة للتخلص من الانتدابين البريطاني في العراق، والفرنسي في سوريا ولبنان، خصوصاً بعد أن أمدتها قوات هتلر، بالوقود والأسلحة. وقد جاء سقوطها ليشكل ضربة قوية له وللوطنيين العرب في المشرق.

في 25 أيلول سنة 1943، شكل رياض الصلح حكومته الأولى، ومن أركانها حبيب أبو شهلا. والأمير مجيد أرسلان، وسليم تقلا، وكميل شمعون، وعادل عسيران، ونالت ثقة المجلس النيابي على أساس بيان وزاري، كان أبرز بند فيه، تعديل الدستور اللبناني، وتحرير البلاد من قيود الانتداب الفرنسي وتعريب الدولة، ورغم معارضة الفرنسيين، فقد اجتمع المجلس النيابي في الثامن من تشرين الثاني، وأقر التعديلات الدستورية بإجماع ثمانية وأربعين نائباً، وامتناع نائبين فقط، عن التصويت، وانسحاب اثنين قبل التصويت.

ردت المندوبية الفرنسية بشخص المفوض السامي جان هللو، باعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصلح، والوزيرين كميل شمعون وعادل عسيران. والنائب عبد الحميد كرامي، وزجهم في قلعة راشيا. وقام هللو بإلقاء خطاب بثته إذاعة بيروت، أعلن فيه أن الوقت قد حان لوضع حد لنظام رياض الصلح، واعتبار التعديلات الدستورية ملغاة، وتعليق عمل مجلس النواب، ووضع السلطة التنفيذية، بيد رئيس الدولة البديل، ورئيس الحكومة المعين إميل إده، يساعده مجلس مديرين من موظفي الفئة الأولى في الدولة اللبنانية.

اجتاحت الشعب اللبناني موجة من الغضب عمّت مختلف المناطق والمدن، وقاد الثورة المسلحة في بشامون، الوزيران الأمير مجيد إرسلان وحبيب أبو شهلا، ورئيس المجلس النيابي صبري حمادة، بعد أن منعه الفرنسيون من عقد جلسة عامة للمجلس النيابي.

واجهت رياض الصلح صعوبات عديدة أثناء ترؤسه الحكومة الاستقلالية، فشكل حكومة ثانية في تموز سنة 1944.

عاد رياض الصلح إلى تولي رئاسة الحكومة فعين:

- رئيساً لمجلس الوزراء، في كانون الأول سنة 1946، في عهد الرئيس بشارة الخوري.

- رئيساً لمجلس الوزراء، في حزيران سنة 1948، في عهد الرئيس بشارة الخوري.

- رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للعدلية، في تموز سنة 1948، في عهد الرئيس بشارة الخوري.

- رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للتربية الوطنية، في تشرين الأول سنة 1949. ثم تخلى عن وزارة التربية، وتولى الداخلية، بموجب التعديل الوزاري الذي جرى بعد أسبوع من تشكيل الحكومة.

أصبح رياض الصلح في السنوات الأخيرة من حياته سيد الساحة اللبنانية، ورجل الدولة ذا المكانة الدولية، فسيطر مع بشارة الخوري على مجمل الحياة السياسية، الأمر الذي دفع بهذا الأخير للتفكير بتجديد ولاية رئاسية ثانية، لذلك اتفقا على إجراء انتخابات نيابية تؤمن الأغلبية المطلوبة لتعديل الدستور، والتجديد للرئيس، فأجريا في أيار سنة 1947 انتخابات أمنت لهما تأييد 47 نائباً من بين ما مجموعه 55 مقعداً. ثم وقع 46 نائباً عريضة لتعديل الدستور، وتمكن بشارة الخوري من الترشح لولاية ثانية. وفي 21 نيسان أقر مجلس النواب التعديل الدستوري. وفي 27 أيار سنة 1948، وفي جلسة خاصة لمجلس النواب، وافق الأعضاء الـ46 الحاضرون على إعادة انتخاب الخوري بالإجماع.

عشية إعلان الدولة اليهودية في 14 أيار سنة 1948، قام رياض الصلح بتنسيق ظاهر لجمع القيادات العربية بهدف القيام بتدخل عسكري في فلسطين، وذلك من خلال اتصالاته مع الرئيسين بشارة الخوري وشكري القوتلي، والملكين فاروق وعبد الله. وفي اليوم التالي لإعلان الدولة اليهودية، قامت الجيوش العربية ابتداءً من 15 أيار، بالعبور إلى الأراضي الفلسطينية، من الأراضي المصرية والأردنية والسورية واللبنانية. وعلى الرغم من التقدم الجزئي الذي حققته الجيوش العربية، غير أن تقدمها اصطدم بدفاعات المنظمات اليهودية، التي ما لبثت أن استعادت المبادرة، خصوصاً بعد إعلان مجلس الأمن الدولي، وقف إطلاق النار والاتفاق على الهدنة ابتداءً من 29 أيار، بعد أقل من أسبوعين على قيام الحرب.

اعتبر رياض الصلح مسؤولاً عن إعدام أنطون سعادة، أولاً لأنه أقنع حسني الزعيم بتسليم سعادة إلى السلطات اللبنانية، وثانياً لتنفيذ حكم الإعدام فيه، لذلك كان مستهدفاً، فجرت أول محاولة لاغتياله في التاسع من آذار سنة 1950، في بيروت، عندما أطلق توفيق حمدان النار عليه.

سافر رياض الصلح إلى الأردن، وهناك اجتمع بالملك الذي كان يروج لمشروع قيام اتحاد بين الأردن والعراق خوفاً على عرش الأردن، على أن يكون برئاسة ابن أخيه عبد الإله، الأمر الذي يحمي عرش الأردن ويحقق حلم الملك عبد الله. وأنهى عبد الله حديثه لرياض بالقول «أنت الوحيد من بين جميع الشخصيات العربية، من تمتلك خصائص القائد، لا في بلدك فحسب، وإنما في الخارج أيضاً، وأنت تحظى بثقة الجميع، لذلك اخترتك لإقناع العرب بهذا المشروع».

استجاب رياض الصلح على مضض لدعوة الملك عبد الله، فزار الأردن في تموز سنة 1951 وعقد اجتماعاً مهماً مع الملك عبد الله، وفي طريقه إلى مطار عمان للعودة إلى بيروت في 16 تموز، تعرضت سيارة رياض الصلح، وكان إلى جانبه طبيبه الخاص الدكتور نسيب البربير والصحافي محمد شقير والضابط عبد العزيز العرب، لإطلاق نار من سيارة أخرى، فأصيب إصابة قاتلة، وتبين فيما بعد، أن المهاجمين كانوا ثلاثة من أعضاء الحزب القومي السوري، الذين كلفوا باغتيال الصلح انتقاماً لإعدام زعيمهم أنطون سعادة. وقد كشف المؤرخ باتريك سيل في كتابه «رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي» عن معلومات خطيرة، تضمنت تورط سوريا الشيشكلي، وبريطانيا وإسرائيل والحزب القومي السوري الاجتماعي باغتيال الرئيس الشهيد رياض الصلح، خاصة وأن الكيان الصهيوني كان يتخوف جداً من إمكانيات الجيش العراقي، وبدون أدنى شك، فإن الوحدة بين العراق والأردن، يجعل الجيش العراقي على حدود فلسطين، لذا، تقاطعت المصالح الإسرائيلية مع المصالح المحلية والعربية والدولية، فكان قرار الاغتيال.

ولا يستبعد أن تكون دعوة رياض الصلح إلى الأردن، لتسويق فكرة الاتحاد بين عرشي العراق والأردن من الأسباب الرئيسية لاغتياله. وبعد مرور أربعة أيام على اغتيال الصلح، اغتيل الملك عبد الله، في 20 تموز 1951 عند مدخل المسجد الأقصى في مدينة القدس القديمة.

نقل جثمان الرئيس الشهيد رياض الصلح من عمان إلى بيروت على متن طائرة خاصة، وشيع في مأتم رسمي وشعبي حضره نصف مليون شخص، ودفن بجوار مقام الإمام الأوزاعي. أبّنه رئيس الجمهورية بشارة الخوري، فقال فيه: «فجعلك سبحانه وتعالى أكبر رجال لبنان قيمة، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة، وأعزهم بأساً، وأشجعهم نبراساً، وألينهم عريكة، وأودعهم خلقاً، وأبهاهم خلقاً». وباستشهاد رياض الصلح، خسر الرئيس بشارة الخوري مدماكاً قوياً للاستقلال اللبناني والعربي، وكان ذلك مقدمة لانهيار النظام اللبناني، واستقالة بشاره الخوري في أيلول من عام 1952.

في نيسان سنة 1953 قرر مجلس بلدية بيروت، إقامة تمثال له في وسط المدينة، فوضع الفنان ليون مورا دوف نموذجاً أقرته اللجنة المكلفة بذلك، ووضع التمثال في الساحة التي لا تزال تحمل اسمه في وسط بيروت، وكانت تُعرف باسم ساحة «عالسور». كما أطلقت بلدية بيروت اسم زوجته فائزة الجابري على أحد شوارع منطقة حي المزرعة – البسطا الفوقا.

كان والده قد اختار له عروساً من عائلة العظم الثرية الدمشقية، لكن رياضاً آثر الزواج سنة 1930 من السيدة فائزة الجابري الحلبية، ابنة أخ صديقه سعد الله، وكانت تجيد الألمانية والفرنسية والتركية والعربية، ورزقا خمس بنات هنّ: لميا وعليا وبهيجة ومنى وليلى (الوزيرة). أطلقت بلدية طرابلس اسمه على أحد شوارع طرابلس الميناء.

سامي الصلح ‏(1890-1968)‏

ولد سامي الصلح في عكا في 7 أيار عام 1890، نظراً لوجود والده فيها، باعتبارها مدينة تابعة آنذاك لولاية بيروت. عاش بين عكا وصيدا وبيروت واستانبول ومكدونيا ودمشق وأضنه وسالونيك وسواها، وذلك استناداً إلى وظائف والده عبد الرحيم الصلح المتنقل بين تلك المناطق حتى وفاته عام 1905. لذلك، كانت فرصة لسامي الصلح أن ينفتح على ثقافات غربية وشرقية، وعلى لغات عديدة استطاع أن يتقنها.

في عام 1905 عاد سامي الصلح إلى بيروت المحروسة بعد وفاة والده، وتابع دراسته، سرعان ما قصد بريطانيا، ثم استكمل دراسته الجامعية في استانبول، حيث التحق في كلية الحقوق تحقيقاً لتطلعاته بأن يكون قاضياً. وكانت استانبول تئن بالصراعات بين الاتحاديين والائتلافيين بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش عام 1909، لا سيما بين كامل باشا وأنور باشا وطلعت باشا وكامل باشا. ونظراً للتطورات العثمانية والعربية والدولية، قرر وابن عمه رياض الصلح الذي كان يتعلم في استانبول أيضاً، العودة إلى بيروت، غير أن سامي الصلح تم تعيينه مستشاراً قضائياً في حلب.

سامي الصلح والانتخابات النيابية عام 1914

في عام 1914 بدأت الاستعدادات للانتخابات النيابية، وبدأ المرشحون عن ولاية بيروت بالاستعداد لخوض المعركة، ومن بينهم سامي الصلح. وكان الشرط للتقدم للانتخابات أن يكون المرشح في سن الثلاثين كما ذكر في مذكراته، فما كان منه وهو في الثالثة والعشرين، إلا أن تقدم من دائرة النفوس بطلب لتغيير سنه ليصبح في سن الثلاثين، فأصبح رسمياً من مواليد عام 1883 علماً أنه عثر على تذكرة هوية له تثبت أنه من مواليد عام 1887. ومهما يكن من أمر، فبعدها التقى بوالي بيروت البكير سامي بك (بكر سامي بك) الذي أيد ترشيحه، كما أن أحمد مختار بيهم وسليم علي سلام طلبا من الوالي تأييده. ونظراً لخلافات حادة مستجدة بين العائلات البيروتية، وإشكالات سياسية ومالية بما فيها قضية أراضي الحولة، فقد بدّل الوالي رأيه ودعم ترشيح سليم علي سلام، ميشال إبراهيم سرسق، وكامل الأسعد، وقد فازوا في 9 نيسان 1914 ضد المرشحين: سامي الصلح، جان نقاش، طه المدور.

سامي الصلح مستشاراً وقاضياً

في عام 1918 انتهت الحرب العالمية الأولى، وهزمت الدولة العثمانية، واحتلت البلاد العربية من قبل بريطانيا وفرنسا، فأقام سامي الصلح ثلاثة شهور في القاهرة للاطلاع على السياسة المصرية والبريطانية، ثم عاد إلى دمشق والتقى بالأمير فيصل بن الشريف حسين. وبعد عودته إلى بيروت نهائياً عام 1920، وقبل الانخراط بقوة في السياسة، فقد تأهل من شقيقة ابن عمه رياض الصلح السيدة بلقيس رضا الصلح (طليقة رجل من آل غندور) وأنجب منها عبد الرحمن (السفير فيما بعد) والسيدة مي (حرم السيد أنيس ياسين). وفي بيروت تولى سامي الصلح منصب مستشار في محكمة التمييز، وكان طيلة حياته القضائية مؤمناً بالقانون والعدالة الألهية، وأحياناً كثيرة أصدر أحكاماً ببراءة متهمين لعدم قناعته باقترافهم ذنب ما. وبالرغم من تباين الآراء بينه وبين السلطات الفرنسية، غير أنها لم تستطع التخلي عنه، فقامت بتعيينه قاضياً في محكمة الجنايات، ثم عُين عام 1925 مفتشاً عاماً للقضاء، ثم عُين في منصب مدعي عام التمييز عام 1936، ورئيساً أول لمحكمتي الاستئناف والتمييز. وكانت ممارساته القضائية وسمعته واستقامته سبباً رئيساً في تزايد شعبيته البيروتية واللبنانية.

سامي الصلح نائباً ورئيساً للوزراء

في تموز من عام 1942، تم اختيار سامي بك الصلح رئيساً لمجلس الوزراء في عهد الرئيس ألفرد نقاش، وقد عرفت حكومته باسم «حكومة الرغيف»، واستطاع في فترة قصيرة القضاء على الاحتكار والمحتكرين، كما استطاع تأمين «الأعاشة» للفقراء، لهذا، لقب «بأبي الفقراء»، علماً أن فترة توليه رئاسة الحكومة كانت من أصعب الفترات بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

ونتيجة لنجاحه في مهام رئاسة الوزراء، فقد خاض غمار الانتخابات في 29 آب عام 1943 (مجلس الـ 55 نائباً) على رأس لائحة بيروتية، فازنصفها والنصف من اللائحة الأخرى. اما الفائزون فهم السادة: سامي الصلح، عبد الله اليافي، صائب سلام، ألفرد نقاش، حبيب أبو شهلا، محمد بيضون، أيوب تابت، موسيس دركالوسيان، هراتشا شامليان.

وما هي إلا سنوات قليلة حتى عاد سامي الصلح إلى رئاسة الوزراء في 22 أب 1945 واستمر فيها حتى 23 أيار عام 1946 متعاوناً مع رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، وقد عرفت هذه الوزارة باسم وزارة الاستقلال الثالثة، لأنها قامت باستكمال مقومات الاستقلال، ورفع العلم الوطني، وتنظيم الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب، ومن ثم جلاء القوات الأجنبية، ولا يمكن أن ننسى دوره، ومن قبل دور رياض الصلح في تأسيس جامعة الدول العربية وتأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945 بانتداب علماء وفقهاء قانون بارزين للإسهام في هذا التأسيس يأتي في مقدمتهم العلامة الدكتور صبحي المحمصاني. كما لا يمكن أن ننسى دوره الداعم لقضية فلسطين طيلة سنوات، وتسلم المصالح المشتركة، وتطور مشاريع التربية والتعليم، والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والمائية، والاهتمام بالمناطق اللبنانية، وقضايا العمال، كما أسهم سامي الصلح خلال مسؤولياته الحكومية في الإسهام في ضبط الأوقاف الإسلامية الضائعة، وفي تنظيم منح الجنسية اللبنانية. ومن يطلع على مواقف سامي الصلح وخطبه بين أعوام 1920-1968 يدرك أهمية آرائه ومواقفه من هذه القضية.

في شباط عام 1952 عاد سامي الصلح رئيساً للوزراء في عهد الرئيس بشاره الخوري والتي استمرت إلى 9 أيلول عام 1952، وهي الوزارة التي قضت على العهد. ومما ساعد على استقالة بشاره الخوري الثورة البيضاء التي قامت بها المعارضة عام 1952، وفساد شقيق الرئيس المعروف باسم «السلطان سليم الخوري» سبق ذلك استشهاد الرئيس رياض الصلح في عمان في تموز عام 1951، كما أن ثورة 23 يوليه (تموز) عام 1952 في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ألهبت حماس الجماهير اللبنانية ضد الفساد والفاسدين. وقد أكد الرئيس بشاره الخوري في مذكراته أثر ثورة مصر على الثورة البيضاء في لبنان.

سامي الصلح رئيساً للحكومة في عهد الرئيس كميل شمعون

إن استقالة سامي الصلح من رئاسة الحكومة لا يعني مطلقاً استقالته من السياسة والحكم والنيابة، بل ظل نائباً عن بيروت، يقوم بأعباء النيابة لا سيما الخدمة العامة، ومساعدة المعوزين وأصحاب الحاجة، وتفريج هموم الناس، غير أن السياسيين في لبنان لا سيما الرؤساء يدركون أهمية تعاونهم مع سامي الصلح، لهذا، فإن الرئيس كميل شمعون رأى ضرورة الاستعانة به، وتكليفه رئاسة الوزراء في 16 أيلول 1954 واستمر في رئاستها إلى 9 تموز 1955. وقد عرفت هذه الحكومة باسم «رأس السمكة» استناداً إلى المثل الشائع «رأس سمكة خير من ألف ضفدعة» واعتماداً على أهمية بدء الإصلاح من فوق لا من تحت.

هذا، وقد تولى سامي الصلح رئاسة الحكومة مجدداً في تموز من عام 1955، جاء من بعده الرئيس عبد الله اليافي في آذار عام 1956، ثم كلف عبد الله اليافي ثانيةً في حزيران عام 1956، وقد استمرت حكومة اليافي، وكان من ضمنها صائب بك سلام وزيراً إلى تشرين الثاني عام 1956.

إرهاصات وأسباب ثورة عام 1958

اضطر الرئيس كميل شمعون للتعاون مجدداً مع الرئيس سامي الصلح، فأوكلت إليه مهمة تأليف الحكومة في أجواء لبنانية وعربية ودولية على غاية من الخطورة والتعقيد، ولا يمكن لأحد أن يقبل بمثل هذه المهمة الكأداء. وبالرغم من ذلك، فقد قام بتأليف حكومته في 18 تشرين الثاني 1956، والتي استمرت إلى 18 آب 1957، ولوحظ أنه لأول مرة عُين قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب وزيراً للدفاع الوطني، وذلك لمواجهة عدد احتمالات أمنية، غير أنه استقال في 3 كانون الثاني 1957. وما هي إِلا شهور حتى استقالت الحكومة، وتألفت حكومة أخرى برئاسته في 18 آب 1957، وقد استمرت حتى 14 آذار عام 1958، وتم اختيار المحامي جميل مكاوي (عن السنة) وزيراً للمالية.

والأمر الملاحظ، أن الوزيرين جميل مكاوي وخليل الهبري هما من سكان الطريق الجديدة (شارع حمد) وهو الشارع الذي شهد اصطدامات بين الدرك والمعارضة وإحراق سيارة الهبري ومقتل خمسة وجرح خمسين من المتظاهرين، كما شهدت منطقة مستشفى المقاصد الاعتداء على الرئيس صائب سلام، وذلك كله في 30 أيار 1957.

وفي 14 آذار عام 1958 تألفت حكومة جديدة برئاسة سامي الصلح، واستمرت حتى 22 أيلول  1958، واختير خليل توفيق الهبري (عن السنة) وزيراً للأشغال العامة. وقد واجهت هذه الحكومة الاستثنائية أوضاعاً استثنائية قل مصيرها في تاريخ لبنان الحديث.

كانت بيروت مرتبطة إلى حد كبير بأسماء سياسية أمثال الرئيس عبد الله اليافي والرئيس صائب سلام، وأسماء لامعة أخرى في مختلف المناطق اللبنانية، فإذا بهذه الأسماء تغيب عن التمثيل الشعبي في الانتخابات النيابية في حزيران عام 1957. وفي المجلس النيابي الجديد (مجلس الـ 66) مثل بيروت السادة: سامي الصلح، خليل الهبري، جميل مكاوي، فوزي الحص، بيار إده، نسيم مجدلاني، رشيد بيضون، جوزيف شادر، شفيق ناصيف، خاتشيك بابكيان، موسيس دركالوسيان. وبدون أدنى شك، فإن تزوير نتائج انتخابات عام 1957 والعوامل المشار إليها سابقاً أثرت تأثيراً مباشراً على أوضاع لبنان، وعلى اندلاع ثورة عام 1958، وقد قال الرئيس صائب سلام في أوساطه آنذاك: «إن سامي الصلح بموافقته لكميل شمعون بإسقاطي في الانتخابات، يريد أن ينتقم مني ومن والدي سليم علي سلام المتهم مع والي بيروت بإسقاطه في انتخابات عام 1914...».

ومن الأهمية بمكان القول، بأن الثورة اللبنانية التي أطلقتها المعارضة في أيار من عام 1958 هي ذات أبعاد لبنانية وعربية ودولية (تماماً كالحرب اللبنانية 1975-1990) غير أن السبب المباشر الذي أشعلها، إنما تمثل في اغتيال الصحافي نسيب المتني صاحب صحيفة «التلغراف» ليل 8 أيار 1958، سبقه اغتيال الصحافي غندور كرم على يد أحد السوريين. وكان ذلك بداية للإضراب العام من قبل المعارضة، سرعان ما انتشر السلاح بين أيدي المعارضة في بيروت برئاسة الرئيس صائب سلام وقائد المعارضة الشعبية رشيد شهاب الدين، وترأس المعارضة في المناطق رشيد كرامي وكمال جنبلاط ومعروف سعد وصبري حمادة وأحمد الأسعد وشبلي العريان... كما وصلت من سوريا مجموعات عسكرية داعمة للثورة، منها مجموعات سلطان باشا الأطرش، وبعض أجهزة المخابرات السورية، فضلاً عن مجموعات فلسطينية داعمة للثورة، يأتي في مقدمتها الفلسطينيون المقيمون في مخيمات صبرا وشاتيلا والداعوق وبرج البراجنة ومخيمات المناطق اللبنانية. لهذا قدمت الحكومة اللبنانية شكوى لجامعة الدول العربية، ومن ثم للأمم المتحدة في أواخر أيار 1958 لمواجهة التدخلات في لبنان. سبق ذلك لا سيما في 11 أيار 1958 إلقاء القبض على قنصل بلجيكا العام في دمشق، وهو ينقل بسيارته كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة إلى المعارضة اللبنانية، وقد اعتقلته السلطات اللبنانية عند الحدود السورية – اللبنانية، ما كان له أثر سيء على العلاقات الثنائية. وبرز من القيادات العسكرية والسياسية آنذاك: الزعيم شوكت شقير، عدنان الحكيم، عباس خلف، عبد المجيد الرافعي، نواف كرامي، خالد جنبلاط، إبراهيم قليلات (أبو شاكر)، د. بشارة الدهان، علي العود مختار رأس بيروت، محمود الدنا، محمود عياش، وقيادات عديدة في منطقة الطريق الجديدة، والبسطتين، والمصيطبة، وبرج أبي حيدر، والزيدانية، ورأس بيروت، ورأس النبع، والبقاع، وعكار، والجنوب وسواها، معتذراً عن عدم ذكر جميع أسماء تلك القيادات.

لقد تسارعت الأحداث بشكل منقطع النظير، حيث دارت معارك عديدة بين الأجهزة الأمنية والمعارضة، وقد وقف حزب الكتائب والحزب القومي السوري الاجتماعي وسواهما إلى جانب النظام اللبناني ضد أحزاب المعارضة، مما أدى إلى مزيد من القتلى والجرحى والتدمير في بيروت والمناطق اللبنانية، وأحرق ونهب قصر الرئيس سامي الصلح في برج أبي حيدر في 14 حزيران 1958، وڤيلا الوزير خليل الهبري في شارع حمد في الطريق الجديدة، وهجر كل منهما خارج منطقته، كما جرت محاولات اغتيال الرئيس سامي الصلح لا سيما في 29 تموز 1958 في منطقة المكلس، ومن بعدها محاولة اغتياله في آب، وواحدة في أيلول 1958، في حين أن الرئيس كميل شمعون استمر مقيماً في القصر الرئاسي في القنطاري، وهو آخر رئيس للجمهورية يقيم في هذا القصر. وجرت محاولات لاغتياله من قبل المعارضة والثوار، غير أن القيادة السياسية ممثلة بالرئيس صائب سلام رفضت هذا الأسلوب. ومما قام به سامي الصلح رفع دعوى على السادة: صائب سلام، هنري فرعون، عبد الله اليافي، نسيم مجدلاني، وشخص سوري يدعى محمد البساتنة بتهمة نسف قصره. هذا، وقد أقفلت المساجد في بيروت في وجه سامي الصلح، ووجهت إليه انتقادات لاذعة في صحف وإذاعات المعارضة لا سيما إذاعة «مشعل» وإذاعة «صوت العروبة».

اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية

لقد تمت التسوية اللبنانية – العربية – الدولية، بانتخاب اللواء قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وذلك في 31 تموز من عام 1958، على أن يبقى الرئيس كميل شمعون إلى نهاية مدته الرئاسية الدستورية أي إلى 23 أيلول 1958، وقد أدى ذلك إلى تهدئة الأمور، لا سيما عندما أرسل الرئيس جمال عبد الناصر برقية تهنئة إلى الرئيس المنتخب فؤاد شهاب، كما استمرت حكومة الرئيس سامي الصلح في الحكم إلى 19 أيلول 1958 حيث قدمت استقالتها للرئيس كميل شمعون، ولم تنتظر حتى 23 أيلول لتقديمها للرئيس المنتخب، فما كان من الرئيس شمعون إلا أن أصدر مرسوماً عين بموجبه خليل الهبري رئيساً لمجلس الوزراء.

في فجر السبت في 20 أيلول 1958 غادر سامي بك الصلح مطار بيروت إلى تركيا حيث أقام في مناطق ومدن  تعرف عليها قبل عام 1920، منها أضنه واستانبول، وكانت فرصة لزيارة قبر والدته المدفونة  في استانبول عام 1910. ومن بعدها زار روما وبروكسل وباريس وسواها، وقد استمر في أوروبا إلى عام 1959.

عودة سامي الصلح مجدداً إلى النيابة 1964-1968

إن الظاهرة اللافتة للنظر، أن مراسلات تمت بينه وبين الرئيس عبد الناصر بعد عام 1960، وكان من المقرر القيام بزيارة للقاهرة، فأتت التمنيات من القاهرة بعدم إحراج عبد الناصر أمام أقطاب المعارضة اللبنانية، غير أن سامي الصلح – الظاهرة السياسية – الذي ابتعد عن المجلس النيابي في دورة عام (1960-1964)، نتيجة ذيول ثورة 1958 وحلّ مكانه رئيس حزب النجادة عدنان الحكيم، فإذا بالبيارتة ينتخبونه مجدداً نائباً عنهم في دوره (1964-1968) وكان ذلك بمثابة إعادة اعتبار له، ووفاءً وتقديراً على خدماته طيلة خمسين سنة على الأقل، كما أصبح رئيساً للسن في المجلس النيابي، فضلاً عن هذا وذاك، فقد أطلق على شارع في بدارو اسم «جادة سامي الصلح»، كما أقيم له نصب تذكاري في الشارع نفسه. سامي الصلح الظاهرة توفاه الله في 6 تشرين الثاني عام 1968 تاركاً بعض المؤلفات والمذكرات، وكريمته السيدة مي، وسعادة السفير عبد الرحمن الصلح وأحفاد منهم رياض الصلح وسامي الصلح.

تقي الدين منح الصلح (1907-1988)

من صيدا ومواليد بيروت سنة 1907. تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الشيخ أحمد عباس الأزهري، والثانوية في العلمانية الفرنسية. والجامعية في معهد الآداب الشرقية، حيث حصل على إجازة في الأدب العربي.

عمل في مطلع شبابه مدرساً في البعثة العلمانية الفرنسية في لبنان، ومديراً للدعاية والنشر (المطبوعات) لدى الحكومة اللبنانية قبل إنشاء وزارة الأنباء. فمستشاراً للسفارة اللبنانية في القاهرة، وقائماً بالأعمال فيها، ثم مستشاراً لدى جامعة الدول العربية عند تأسيسها عام 1945.

انتخب نائباً عن قضاء زحلة، في دورة سنة 1957. ثم نائباً عن قضائي بعلبك – الهرمل في دورة سنة 1964. وشارك في أعمال اللجان النيابية، فكان رئيساً للجنة التربية الوطنية والفنون الجميلة، ومقرراً للجنة الدفاع الوطني، ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية.

عيّن وزيراً للداخلية، في تشرين الثاني سنة 1964، في حكومة الرئيس حسين العويني.

عينّ رئيساً لمجلس الوزراء، ووزيراً للمالية، في تموز سنة 1973، (حكومة كل لبنان) في عهد الرئيس سليمان فرنجية. كلف بتأليف الحكومة عام 1980، وتوقف بعد 18 يوماً عن التكليف.

يعد تقي الدين الصلح من مؤسسي حزب النداء القومي عام 1945، ورئيسه لعام 1955. وكان قد شارك مع أخوته عادل وكاظم وعماد سنة 1931 في تأسيس صحيفة «النداء».

اضطلع بدور بارز في معركة الاستقلال سنة 1943، وقام بدور مهم في التحرك الشعبي عند اعتقال رجال الاستقلال. أطلق مبدأ كل الوظائف لكل الطوائف، وأعاد أكثر من ثلاثماية مدرس إلى الخدمة كانوا قد صرفوا قبل تشكيله للحكومة عام 1973.

انتخب نقيباً للمعلمين في أول نقابة سنة 1938، ثم نقيباً للصحافة سنة 1946، وشارك في تأسيس جمعية أهل القلم، وجمعية المجلس الوطني لإنماء السياحة سنة 1962 و»التجمع الإسلامي» و»اللقاء الإسلامي». تميز بطربوشه المميز الذي كان عام 1988 آخر الطرابيش.

له كتاب في السياسة والحكم، صدر عن دار العودة، وكتاب «ولادة استقلال لبنان» ألفه مع خليل تقي الدين وطبع في مصر. وقد هددت فرنسا بالتوقف عن مفاوضات الاستقلال إذا لم يحرق هذا الكتاب. تأهل من السيدة فدوى ملك عبد القادر البرازي. توفي في 27 تشرين الثاني سنة 1988. وكانت جنازته التي شهدت حشداً كبيراً باتجاه جبانة الشهداء، تحدياً لجميع الذين عزلوه وأبعدوه إلى فرنسا، لا سيما القادة السوريين في فترة الوصاية السورية في لبنان (للمزيد من التفاصيل أنظر: المعجم النيابي اللبناني، ص 310-311، والمعجم الوزاري اللبناني، ومعجم حكام لبنان والرؤساء، أنظر أيضاً كتاب المحامي عمر زين: تقي الدين الصلح، سيرة حياة وكفاح (مجلدان) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت 2007).

رشيد الصلح (22 يونيو 1926 – 27 يونيو 2014)

أنتخب الصلح في البرلمان البرلماني لأول مرة في بيروت عام 1964، ثم سنة 1972. وعينه الرئيس سليمان فرنجية رئيساً للوزراء عام 1974. وكانت أجواء البلاد متوترة، ثم ما لبث التوتر أن تفجر مع اغتيال الشهيد معروف سعد في صيدا (شباط 1975)، ليدخل لبنان دهر الحرب الأهلية مع مقتلة البوسطة في عين الرمانة (نيسان 1975)، مما اضطره إلى الاستقالة بعد شهر من هذا الحدث المحوري، وعبر تصادم مع حزب الكتائب حول تلك المقتلة التي فتحت أبواب جهنم على لبنان والفلسطينيين فيه، تمهيداً لاستدراج سوريا وسائر الدول.

لم يعد رشيد الصلح إلى رئاسة الحكومة إلا في 16/5/1992 ليشرف على الانتخابات التي ستمهد للراحل رفيق الحريري الطريق إلى رئاسة الحكومة، خصوصاً وقد كان باشر مشروعه لإعادة إعمار بيروت.

ومن وحي تجربته فقد طالب الصلح بتطوير صيغة 1943 وإلغاء الطائفية السياسية على مراحل بحيث يصبح رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول الأول في السلطة التنفيذية، ولقد تحقق هذا المطلب عبر اتفاق الطائف، وإن كان اعتبر أن المشرفين على تنفيذ هذا الاتفاق قد أساءوا إلى مضمونه.

في أعقاب استقالة حكومة عمر كرامي في مايو 1992، أجبره الرئيس إلياس الهراوي على تشكيل حكومة جديدة وعقد أول انتخابات برلمانية منذ نهاية الحرب الأهلية. قوطعت الانتخابات بشكل جماعي من قبل الأحزاب السياسية المسيحية الرئيسية التي وصفتها بالفساد والتزوير، واستمرت وزارته خمسة أشهر فقط. عام 1996، استقال رشيد الصلح من الحكومة اللبنانية والحياة السياسية.