آل طراد

توطّنوا في بيروت في عهد الإمارة المعنيّة

وبرز منهم رئيس الجمهورية بترو إسكندر طراد

من الأسر المسيحية والإسلامية البيروتية، كما شهدت مناطق عديدة في لبنان انتشاراً لآل طراد مثل الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب لبنان، وهو فرع طراد من الطائفة الشيعية.

تعود أسرة طراد أو طرّاد، بجذورها إلى القبائل العربية اليمنية، كما عرفت في اليمن وشبه الجزيرة العربية باسم طرّاد باسم أحد رؤساء قبيلتها. انتقلت هذه القبيلة من اليمن مع قبيلة بني غسان إلى بلاد الشام لا سيما إلى حوران ودمشق. وفي بلاد الشام اعتنق أحد أجداد الأسرة الإسلامية الدين المسيحي على المذهب الأرثوذكسي، ومن هذا الفرع توطن الأجداد في بيروت.

ومما يلاحظ بأن آل طراد انتشروا بين القرن الأول والرابع للهجرة في بلاد الشام، ومن بينها جبل عامل وشمال لبنان وبيروت، وحوران ودمشق، ومصر والمغرب العربي لا سيما طرابلس الغرب والعراق. ومن مشاهيرهم في العراق في القرن الرابع الهجري الشيخ محمد طراد.

وفي فترة لاحقة لا سيما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين هاجر قسم من آل طراد إلى مناطق متعددة في شمال لبنان، وبلدات جبل لبنان، وفي هذه المناطق اعتنق فرع منهم العقيدة المارونية، وهؤلاء بغالبيتهم يعودون بنسبهم إلى يونس بن طراد الحوراني الذي رحل من حوران إلى تلك المناطق والبلدات.

بدأ آل طراد بالبروز في عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (1572-1635) حيث عاونوه في الحد من توسعات آل حرفوش من البقاع وبعلبك إلى إمارة جبل لبنان، وقد نجحوا في ذلك، مما دعا الأمير فخر الدين إلى تقريبهم أكثر من السلطة والإمارة.

وتشير بعض المصادر التاريخية الخاصة بآل طراد لا سيما المحامي اسكندر فرج الله طراد في كتابه «تاريخ بني طراد» المطبوع في مصر عام 1923، من أَن آل طراد لا سيما الأشقاء: يونس، كرم، وجرجس أولاد نقولا طراد، قد توطنوا في بيروت في عهد الإمارة المعنية, وتولوا مواقع سياسية وإدارية وعسكرية بارزة في المدينة.

وأشارت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر إلى وجود آل طراد في باطن بيروت، وفي ضواحيها القريبة مثل الأشرفية حيث أشار السجل 1289هـ إلى زقاق طراد في الأشرفية. برز من الأسرة الكثير من بين هؤلاء السادة: جرجس، شاهين، عبد الله، نقولا طراد. كما أشارت وثائق من السجلات ذاتها إلى السادة: جبور بن نصور طراد، وجرجس بن نصور طراد، ونقولا بولس طراد، ويعقوب بن فضول جرجس طراد، ويعقوب بن نقولا طراد وسواهم الكثير. كما أشارت السجلات لا سيما السجل 1283-1284هـ، ص (203)، إلى تملك آل طراد «خان بني طراد في محلة باب الدباغة خارج المدينة...».

برز من آل طراد في العهد العثماني، أسبيريدون طراد ياور السلطان عبد العزيز (1830-1876) وعبد الله بن ميخايل طراد مؤلف تاريخ أبرشية بيروت، وجرجي بن إسحاق طراد (1851-1877) كاتب عدة مقالات في صحيفة «الجوائب» ومجلة «النحلة»، ونجيب بن متري طراد (1859-1911) أحد الصحافيين والأدباء المؤرخين اللبنانيين البارزين. سافر إلى الإسكندرية واشتغل ترجماناً عند عرابي باشا في الدولة المصرية. مؤسسة صحيفة «الرقيب» عام 1898. ولد وتوفي في بيروت.

كما عرف من الأسرة الشاعر جبرائيل بن حبيب طراد (1854-1892) والأديب أسعد طراد (1835-1891) وبولس طراد ممثل الطائفة في عضوية مجلس إدارة ولاية بيروت، كما برز ولده سليم طراد مؤسس مجلة «ديوان الفكاهة» والصحافي نجيب بن نسيم طراد، كما برز فارس بك طراد وابنه نجيب بك طراد (1856-1943) والشاعر ميشال طراد.

وأشار سليم علي سلام في مذكراته إلى العديد من آل طراد منهم السادة: ألكسندر طراد مرشح لمنصب مجلس الأعيان في بيروت، إلياس جرجي طراد عضو جمعية بيروت الإصلاحية 1913، وحبيب طراد أحد أعيان بيروت في العهدين العثماني والفرنسي، وسليم طراد سواهم الكثير.

ولا بد من القول، بأن تاريخ لبنان المعاصر، ارتبط بأسرة آل طراد، لا سيما عندما قامت سلطات الانتداب الفرنسي بتعيين بترو إسكندر طراد (1876-1947) عام 1943 رئيساً للدولة اللبنانية بعد عزل رئيس الدولة أيوب تابت، ومن قبله اعتقال رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح. ومما يذكر بأن الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان عام 1943، إنما جرى حلها في عهد الرئيس بترو طراد على قاعدة كل ستة نواب مسيحيين يقابلهم خمسة نواب من المسلمين، وذلك بعد وساطة عربية ودولية. وفيما يلي نبذة عن سيرة حياة الرئيس بترو طراد (1876-1948).

وُلِد في بيروت في خريف سنة 1876، تلقى دروسه الابتدائية في عدة مدارس، والثانوية في كلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين، سافر إلى فرنسا لدراسة الحقوق في جامعة باريس، ونال إجازتها سنة 1900. عاد إلى لبنان سنة تخرجه، وافتتح في سوق سرسق في بيروت مكتباً خاصاً به لتعاطي مهنة المحاماة. كانت مرافعاته في قصر العدل باللغة العربية، أشبه بمهرجان يتوافد إليه المحامون المتدرجون. وكان من المحامين القلة الذين وضعوا مبادئ لمكاتبهم وحافظوا عليها، ومنها أن لا يدفع صاحب الدعوى أي أجر إذا كانت دعواه خاسرة سلفاً. وكان من كرم الخُلق المهني، أنه كان يوزع الدعاوى الصغيرة على محامين آخرين خارج مكتبه، آخذاً بمقولة أن الحياة مجموعة فرص لكل الناس.

إلى جانب المحاماة أظهر اهتمامه بالسياسة، فوقّع في أيار سنة 1913، مع أيوب تابت ونخلة التويني ورزق الله أرقش وخليل زينية ويوسف الهاني، عريضة أرسلوها إلى وزارة الخارجية الفرنسية، طالبوا فيها أن تكون البلاد السورية دولة واحدة تحت الحماية الفرنسية.

انضم إلى جمعية بيروت للإصلاح عام 1913، وفي عام 1915 وبعد بدء المحاكمات حكم عليه بالإعدام، وعلى الكثيرين ممن ناهضوا الحكم العثماني، ففر إلى مصر، وحل ضيفاً على شقيقه بولس، في حين فر آخرون إلى أوروبا باستثناء يوسف الهاني (عميد الطائفة المارونية في بيروت) الذي سجن ثم شنق. كما بيعت أمتعته في المزاد بأمر من جمال باشا.

أقام بترو طراد في الإسكندرية مدة، وبعد انتهاء الحرب سنة 1918 عاد إلى بيروت لمتابعة نشاطه السياسي، وليصدح صوته من جديد في ساحة القضاء. ألف مع إخوانه الموقعين على العريضة، جمعيه جديدة عرفت باسم «رابطة الطوائف المسيحية»، انضم إليها جمهرة من رجال الفكر والمال والسياسة، وكان أبرز أهدافها، المطالبة بالانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا.

عُيِّن عضواً في اللجنة الإدارية للبنان الكبير، عن مدينة بيروت، في 2 تشرين الأول سنة 1920. وفي سنة 1922 ترشح على لائحة جورج تابت، ولكنه انسحب قُبيل الانتخابات لمصلحة إميل إده ولائحته، وذلك بضغط من المفوض السامي الفرنسي.

انتخب عضواً، في المجلس التمثيلي الثاني عن مدينة بيروت، في تموز سنة 1925، وأعيد انتخابه نائباً عن المدينة عينها في دورات 1929 و1934 (خلفاً لشارل دباس الذي استقال فعُيِّن مكانه بترو طراد) و1937، وترأس لجنة الإدارة والعدل عدة مرّات.

عُيِّن أثناء الانتداب الفرنسي، رئيساً للمجلس اللبناني، في سنوات 1934 و1937 و1938.

في عام 1926، كان عضواً في لجنة إعداد القانون الأساسي والتي عرفت أيضاً باسم «لجنة الدستور» وفي اللجنة النيابية المكلفة وضع المعاهدة اللبنانية – الفرنسية سنة 1936.

عيّنه المفوض السامي الفرنسي جان هللو، رئيساً للدولة في تموز سنة 1943، لأنه كان مقبولاً عند المسلمين، وغير مشاكس كأيوب تابت. وكانت مهمته الرئاسية محددة في إجراء انتخابات برلمانية على أساس قانون انتخاب جديد وإعادة الدستور إلى البلاد، والإعداد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فأجرى الانتخابات النيابية الأولى في عهد الاستقلال عام 1943، واستمر في رئاسة الدولة حتى 21 أيلول 1943. ثم انتخب الرئيس بشارة الخوري رئيساً من بعده.

لمع اسم بترو طراد محامياً كبيراً، وأصبح مكتبه من أعظم مكاتب المحاماة في الشرق، وقد اشتهر بخدمة الناس، والدفاع عن الفقراء دون استثناء، وخلال رئاسته للمجلس النيابي، رفض طوال هذه الفترة، قبول أي دعوى كي لا يقال أنه يستغل نفوذه، ورغم ثقافته الفرنسية، إلا أنه كان يهتم باللغة العربية، فيقتني أمهات الكتب التي ملأت مكتبته، ويلقي خطبه بها بفصاحة وطلاقة قلّ نظيرهما.

اشتهر بترو طراد بنزاهته ونظافة كفه. كانت الرجولة عنده هي النزاهة قبل كل شيء، وحَسْبُ بترو طراد على نزاهته إنه بعد وفاته، ترك سمعة طيبة، ولم يترك ثروة وأملاكاً، فخصه الرئيس بشارة الخوري بكلمة طيبة في أول خطاب ألقاه في المجلس النيابي بعد تسلمه منصب رئاسة الجمهورية في 23 أيلول 1943.

توفي في 5 نيسان عام 1948 عزبياً، وشُيع في مأتم متواضع ورسمي، فشارك في جنازته رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس مجلس النواب صبري حمادة، ورئيس الحكومة رياض الصلح، ووري الثرى في مدافن كنيسة مار متر في بيروت.

أطلقت بلدية بيروت اسمه على الشارع رقم (16) الممتد من اليسوعية إلى الناصرة. (أنظر: المعجم النيابي اللبناني، ص 328-329، ومعجم حكام لبنان والرؤساء، ص 135-137).

أما فيما يختص بآل طراد حديثاً فقد عرف من الطائفتين المسيحية والإسلامية العديد من الوجوه السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والطبية والهندسية والعسكرية والاقتصادية منهم على سبيل المثال السادة: أحمد حسين، إدوار، إلياس، إميل، أمين، أنطوان، بشير، توفيق، جان، جورج، جوزيف، حبيب، حسن، والعقيد حسن طراد قائد في الدرك اللبناني، والحاج حسن طراد، حسين، حنا، روبير، سامي، سليم، شريف حسن، طانيوس، عصام، فارس، فريد، فؤاد، فيليب، كمال، محسن، محمد، محمود، الأطباء أصحاب مستشفى طراد، مصطفى، ميشال، نبيل، نجيب، نديم، نقولا، نمر وسواهم الكثير من آل طراد.

وطراد أو طرّاد لغةً إحدى القبائل العربية اليمنية، أعطي لقب لأحد أجداد الأسرة في اليمن، بسبب اشتهاره بطرد الأعداء والمعتدين. لذا فإنه عندما يقوم بمطاردتهم يقال له طرّاد أو مطارد. كما تطلق طرّاد وطراد مخففة عند العرب من يزاول الصيد، ويلاحق الطريدة. لهذا قيل عن الطراد أحياناً بأنه الفارس الذي يحمل الرمح القصير، كما قيل عن الرجل الذي يستطرد في الكلام والحديث. وبما أن لقب الطراد أو الطرّاد لقب قديم أطلق على إحدى قبائل العرب في اليمن قبل الإسلام، فإن لا علاقة لهذا اللقب بالسفينة الحربية الضخمة التي أطلق عليها في التاريخ الحديث والمعاصر اسم «الطرّاد»، وإِن كان الجذر اللغوي واحداً.