اقتصاديات الفيلم السينمائي وعناصره

السينما فن وصناعة وتجارة، وهي مثلث له ثلاثة أضلاع يجب أن تحظى بأهمية متساوية، فالشق الاقتصادي للصناعة لا يقل أهمية عن الشق الفني، ضماناً لاستمرار الصناعة وازدهارها فنياً.

1. دراسة الجدوى

ترشيد الإنفاق في مجال إنتاج الأفلام السينمائية، ويتم ذلك من خلال الاهتمام بأن تكون هناك دراسة جدوى مسبقة قبل المشروع، أو قبل تقرير الدخول في إنتاج فيلم سينمائي جديد حيث ينظر إلى هذه الدراسة المسبقة على أنها مرحلة أولى، وأساسية من مراحل إنتاج الأفلام الهوائية كصمام أمان، يساهم في الحد من حجم المخاطرة على الأموال المستثمرة في مجال إنتاج الأفلام الروائية ـ حيث تساعد مرحلة الدراسة المسبقة، بداية وقبل المضي في إنفاق أي مصروف إنتاجي على الفيلم من الحكم عما إذا كان هناك جدوى أو منفعة اقتصادية، وفنية، متوقعة من وراء إنتاج هذا الفيلم أم لا، لذلك فهي تساعد على بث الطمأنينة وتحقق الحماية المسبقة لأموال منتجي الأفلام الروائية.

وفيما يلي استعراض لمجموعة من الاعتبارات العملية والعلمية من مرحلة الدراسة المسبقة، والتي يتعين مراعاتها عند الاتجاه لإنتاج فيلم روائي جديد:

أ. الاعتبار الرقابي:

يتعين على شركات الإنتاج السينمائي، التحقق بداية وقبل اتخاذ أي خطوة من الخطوات التنفيذية لإنتاج الفيلم موضوع السيناريو المقدم لها من أن هذا السيناريو لا يتضمن أي محظورات أو موانع رقابية تمس النظام العام للدولة، أو القيم الدينية، والإنسانية، والعادات، والتقاليد، والآداب العامة للمجتمع.

ب. الاعتبار التسويقي:

بعد التأكد من عدم وجود مانع رقابي لتصوير الفيلم الجديد، يتعين على القائمين على شركات الإنتاج السينمائي التحقق عما إذا كان هناك قبول تسويقي متوقع للفيلم المزمع إنتاجه. بمعنى أنه يجب على شركة الإنتاج السينمائي التحقق عما إذا كان الفيلم الجديد من المتوقع أن يحقق إقبالاً جماهيرياً أم لا ـ وذلك سواء استندا إلى عوامل الخبرة الذاتية للمسئولين عن الإنتاج في ضوء المعايشة والمتابعة الدقيقة والمستمرة لأحوال واتجاهات السوق السينمائية ومتطلباتها، وحسب موضوع الفيلم الذي قد يتعرض لقضية، أو موضوع هام، من الموضوعات التي تشغل الرأي العام، أو من خلال الاسترشاد بنتائج الدراسات الميدانية للاتجاه العام لرغبات وميول المشاهدين بالسوق السينمائية، والتي قد يقوم بها مستقبلاً أحد المراكز البحثية المتخصصة في دراسة رغبات وميول فئات المشاهدين، وما يطرأ عليها من تغيرات.

ج. الاعتبار التمويلي:

بعد التأكد من عدم وجود موانع رقابية، والتحقيق من أن هناك قبولاً تسويقياً متوقعاً للفيلم الجديد. فإنه يتعين عدم البدء في اتخاذ أي إجراءات تنفيذية لتصوير الفيلم باستخدام الحصة المخصصة كتمويل ذاتي من جانب شركة الإنتاج السينمائي إلا قبل التحقق من إمكانية تدبير باقي متطلبات السيولة المالية اللازمة للإنتاج حسب الميزانية التقديرية للفيلم، وطبقاً للدفعات التي تحدد حسب البرنامج التنفيذي لتصوير الفيلم.

2. عناصر التكاليف الإنتاجية للفيلم

تتمثل من عناصر الإنفاق على كل من مجموعة الخدمات الإنسانية المتخصصة واللازمة لإتمام كافة المراحل الفنية لإنتاج الفيلم على الوجه الأكمل، حتى يصبح جاهزاً للعرض الجماهيري. وتنقسم عناصر التكاليف الإنتاجية للفيلم الروائي إلى قسمين كما يلي:

أ. عناصر التكاليف الإنتاجية المباشرة للفيلم الروائي:

تتمثل عناصر التكاليف الإنتاجية المباشرة للفيلم من مجموعة عناصر الإنفاق الإنتاجية الرئيسية المرتبطة بصفة أساسية بعملية الخلق، والإبداع الفني، وتدخل في عمليات التصنيع الفني للفيلم الروائي خلال مراحل إنتاجه.

وتتميز العناصر الإنتاجية المباشرة للفيلم، بسهولة تحديد نصيب الفيلم من كل منها بحسب قدر استفادته منها، لسهولة تخصيصها للفيلم، وكذلك لوضوح علاقة السببية والمسئولية بين هذه العناصر، والفيلم السينمائي.

ب. عناصر التكاليف الإنتاجية غير المباشرة للفيلم الروائي:

بالنسبة لعناصر التكاليف الإنتاجية غير المباشرة للفيلم الروائي، فإنها تتمثل في عناصر الإنفاق الإنتاجية المساعدة، التي لا ترتبط بصفة أساسية بعملية الخلقة والإبداع، وعملية التصنيع الفني للفيلم الروائي، خلال مراحل إنتاجه. حيث نجد أن عناصر التكاليف غير المباشرة للفيلم الروائي، لا توجد أي صعوبة في تحديد نصيب الفيلم الروائي من كل عنصر منها، وذلك لسهولة تخصيصها بالنسبة للفيلم، كما توجد علاقة سببية، ومسئولية مباشرة، وواضحة بين هذه العناصر والفيلم الروائي.

3. التبويب النوعي لعناصر التكاليف الإنتاجية للفيلم

ويقصد به تبويب عناصر التكاليف الإنتاجية للفيلم حسب نوعها أو طبيعتها طبقاً للتقسيم التالي:

أ. تكلفة عنصر الأجور:

تمثل كل ما تدفعه شركة الإنتاج السينمائي في سبيل الحصول على خدمات المهارات الإنسانية الفنية المتخصصة، على مستوى المهن السينمائية لصناعة الفيلم، سواء كانت تمثل أجوراً مباشرة أساسية، مثل أجور (المخرج ـ مدير الإضاءة ـ المصوِّر ـ مهندس الديكور ـ مصمم الملابس ـ مهندس ومسجل الصوت ـ أبطال الفيلم ـ الأدوار الثانوية ـ الكومبارس ـ الماكيير ـ الكوافير ـ مؤلف الموسيقى التصويرية ـ مخرج المعارك ـ خبير المفرقعات ـ مونتير النيجاتيف ـ مركب الفيلم ـ مونتير البوزتيف ـ مصمم الاستعراضات ـ مخرج الخدع). أو أجور غير مباشرة بالنسبة للفيلم، وتتمثل في كل ما تتحمله شركة الإنتاج السينمائي في سبيل الحصول على خدمات العمالة المساعدة المتخصصة من المهن السينمائية المختلفة، خلال المراحل الإنتاجية للفيلم، (مساعدو الإخراج ـ مدير الإنتاج ومساعده ـ مساعد المصور ـ منفذ ومساعدو الديكور والإكسسوارات ـ مساعد مسجل الصوت ـ الماكيير ومساعد الكوافير ـ عمّال الملابس)، وهؤلاء المساعدون يعملون طبقاً لتوجيهات القائمين بعمليات الإبداع الفني، على مستوى مراحل إنتاج الفيلم.

ب. تكلفة عنصر الخدمات:

وتتمثل في تكلفة الخدمات الرئيسية المستخدمة في عمليات الإنتاج، والتصنيع الفني للفيلم، مثال: خامات (الديكور ـ الملابس ـ الأفلام الخاصة صوت وصورة ـ الأطعمة، والمشروبات المستخدمة كإكسسوارات للتصوير ـ الجيلاتين والكلك ـ وكذلك تشتمل على مجموعة الخامات المساعدة التي لا تدخل بشكل مباشر في عمليات التصنيع الفني للفيلم خلال مراحل إنتاجه الفنية ـ مثال: (مشابك لتثبيت الكلك، والجيلاتين ولمبات الإضاءة ـ حبال لربط أو تعليق لمبات أو إكسسوارات ـ دبابيس ومسامير ـ شكرتون (لاصق) ـ أدوات نظافة وأدوات كهرباء ـ مطبوعات وأدوات كتابية لإدارة إنتاج الفيلم).

ج. المصروفات الخدمية الأخرى:

وتتمثل في تكلفة الخدمات الإنتاجية المكتملة، والضرورية، لإتمام مراحل الدورة الفنية للإنتاج على الوجه الأكمل، وهي بخلاف الأجور والخامات، لأنها لا تنطبق عليها صفة الأجر أو الخامات، حيث تدخل هذه الخدمات الإنتاجية للفيلم بشكل رئيسي ومباشر في العمليات، والمراحل الأساسية للتصنيع الفني للفيلم، مثال: (تكاليف خدمات الاستديو والمكياج، وإيجار البلاتوهات، والحدائق والشوارع، وحارة الأستديو ـ إيجار أماكن التصوير الخارجي ـ تكلفة شراء القصة والسيناريو ـ إيجار الإكسسوارات المتنوعة الثابتة، والمتحركة، كالسيارات للتصوير الخارجي، والحيوانات اللازمة لتصوير مشاهد الفيلم ـ إيجار كاميرات ومعدات الإضاءة والتصوير المختلفة) وكذلك تشتمل على تكلفة مجموعات الخدمات الإنتاجية غير المباشرة، التي لا تدخل بشكل مباشر وأساسي في عمليات التصنيع الفني للفيلم، خلال مراحل إنتاجه الفنية مثال: (إيجار سيارات لنقل العاملين، ولنقل أجهزة التصوير، ومعدات الإضاءة، أقساط التأمين).

4. التبويب الوظيفي لعناصر تكاليف الفيلم الروائي

يقوم التبويب الوظيفي، على أساس تبويب عناصر تكاليف الفيلم الروائي، وفقاً للأنشطة الرئيسية التي تقوم بها شركة الإنتاج السينمائي من إنتاج للفيلم، ثم عمليات تسويقية، وكذلك ممارسة النشاط الإداري الذي يخدم نشاطي إنتاج، وتسويق الأفلام.

ويهدف التبويب الوظيفي إلى حصر تكاليف كل نشاط من هذه الأنشطة على حدة، على مستوى شركة الإنتاج السينمائي.

وتقسم عناصر تكاليف الفيلم الكلية طبقاً للتبويب الوظيفي كما يلي:

أ. عناصر التكاليف الإنتاجية للفيلم:

تمثل عناصر تكاليف الإنتاج للفيلم، كافة التكاليف المتعلقة بالعمليات الإنتاجية للفيلم، سواء المباشرة مثل (الأجور، والخامات، والمصروفات الخدمية الأخرى، الإنتاجية المباشرة) أو غير المباشرة (وهي الأجور، والخامات، والمصروفات الخدمية الأخرى الإنتاجية غير المباشرة).

أعلى الصفحة

ب. عناصر التكاليف التسويقية للفيلم الروائي:

يشتمل النشاط التسويقي للفيلم الروائي، على كافة الجهود التسويقية التي تبذل، قبل، وأثناء، وبعد إنتاج الفيلم.

وتعرف التكاليف التسويقية للفيلم الروائي، بأنها جميع عناصر الإنفاق التي تتحملها شركة الإنتاج السينمائي لتسويق الأفلام، مثال تكاليف الدعاية والإعلان عن الفيلم، في كافة وسائل الإعلان، وعمولة توزيع الفيلم، وتكاليف ألبومات، والصور الفوتوغرافية، والمصور الفوتوغرافي، وتكاليف عمل مقدمات الفيلم، وتكاليف نقل الفيلم على شرائط فيديو.

ج. عناصر التكاليف الإدارية للفيلم:

لا يقتصر نشاط شركة الإنتاج السينمائي على عمليات إنتاج الأفلام وتسويقها، بل هناك مجموعة أخرى من الأنشطة المساعدة التي يستفيد من خدماتها، نشاط إنتاج، وتسويق الأفلام، وذلك مثل الجهود الخاصة بشئون العاملين، والعلاقات العامة، والشئون المالية، والإدارية، بشركة الإنتاج السينمائي بشكل عام، وتشتمل عناصر التكاليف الإدارية العامة بشركة الإنتاج السينمائي على قيمة مرتبات الإداريين، والإيجارات، والمياه، والنور، والتلفون، والمطبوعات، والسكرتارية، والحراسة، والنظافة، ومواد النظافة، والأدوات الكتابية، ومصروفات الصيانة، ومصروفات التدفئة، والإهلاكات، والمصروفات القضائية، وأتعاب مراجعي الحسابات.

5. عناصر الفيلم السينمائي

أ. السيناريو:

الفيلم السينمائي الجيد لا بد أن ينهض على سيناريو جيد ومن المستحيل إخراج فيلم جيد لم يكتب له السيناريو بعناية، فمهما كانت فكرة الفيلم وموضوعه على درجة عالية من النضج والفلسفة، ومهما كان تصويره ومونتاجه على أعلى مستوى من الامتياز، فإنه لابد وأن يسقط فنياً وفكرياً إذا كان السيناريو ضعيف البناء. هذا وبعض السينمائيين يعتقدون أن كتابة الكلمات التي تصل في النهاية إلى الشاشة على شكل صور مرئية، وكلمات، وأصوات تحتاج إلى مهارة فنية، قد تزيد على تلك التي تحتاجها إدارة الآلات التي تستخدم في إخراج الفيلم إلى حيز الوجود. لذلك لا يمكن البدء في تصوير فيلم وإخراجه دون أن يكون السيناريو قد اكتمل تماماً، وهذا أمر شاق يحتاج إلى كل القدرات الذهنية، والتخيلية، والفنية، حتى يمكن أن يتخيل كاتب السيناريو مقدماً ما يأمل أن يراه معروضا على الشاشة فيما بعد.

كاتب السيناريو هو، الفنان والأديب المتخصص الذي برع في كتابة القصة السينمائية وتطور نموها الدرامي، وإعداد المعالجة السينمائية الفنية، وذلك بوضع السياق المتتابع الذي يروي أحداث القصة أو الموضوع، في صورة مرئية بارعة التأثير، قوية التعبير، أي الأسلوب الفني الذي يسهل نقله إلى الشاشة. وليس من الضروري أن يكون المؤلف السينمائي صاحب الفكرة، أو الموضوع الأصلي الذي يمكن اقتباسه من قصة، أو مسرحية، أو أي مصدر أخر، ولكن المهم بعد هذا أن يصوغه في شكل مناظر ومواقف متتابعة صالحة للتصوير السينمائي، هذا هو كاتب السيناريو، الذي يعرف باسم السيناريست.

ب. الحوار السينمائي:

الحوار في الفيلم السينمائي له ما يميزه ويجعله مختلفاً عن أنواع الحوار الأخرى في الرواية الطويلة، والقصة القصيرة، والمسرحية، والتمثيلية الإذاعية، فهو عامل مساعد أو مكمل. إنه يستعمل فقط لتوضيح اللقطة أو المشهد، حيث إن الفيلم عبارة عن مجموعة من اللقطات والصور والمشاهد. الصورة هي وسيلة السيناريست، والمخرج للتعبير عن أفكارهما ووجهتي نظرهما أو رؤيتهما، ولذلك يجب أن تحمل الصورة أكبر قدر ممكن من أدوات التعبير. والحوار أداة من هذه الأدوات، وعامل مساعد لتوضيح أو تفسير ما صعب إيضاحه، لأن الحوار في الفيلم يتعاون مع باقي الوسائل الأخرى لإيضاح المعنى المطلوب، ولتعميق الأثر الذي ينشده السيناريست. وفي الفيلم يجد المؤلف نفسه في عالم يختلف تماماً عن عالم المسرح، لأن عالم الفيلم يعتبر الفنيين فيه أهم من الفنانين، أو يتساويان معاً.

وعلى هذا نجد أن الحوار في الفيلم جزء من الكل، لا معنى له بمفرده، وقد لا ندرك مغزى الحوار، في بعض المشاهد، إذا قرأناه منفرداً. وأهم ما يجب أن يتوفر للحوار في الفيلم، أن يكون مختصراً أو مختزلاً، ويحمل أكبر قدر ممكن من المعاني، بأقل الألفاظ الممكنة، كما يجب أن يكون خالياً من الصفات الأدبية، لأنه يجب أن يكون مكتوباً كما يتكلم الناس في الواقع.

والحوار يعبرِّ عن الشخصية صاحبة الكلام، ويبلورها، ويعبر عن الموقف، فيجب أن يكون بسيطاً وسلساً حتى يفهمه، ويتتبعه جميع الناس، فالفيلم يشاهده الرجال، والنساء، والأطفال، والمثقف ونصف المثقف، والأمي، فلا بد لكل من هؤلاء أن يستوعب ما يجري أمامه من كلام، وليس معنى هذا أن يكون الحوار سوقياً أو خالياً من أية قيمة، ولكن المقصود بذلك هو أن يكون خالياً من أية تعقيدات في أسلوب الأداء، أو الصياغة الأدبية.

والاتجاهات الحديثة في السينما تحاول التخلص من قيود الحوار، واختصاره إلى أكبر قدر ممكن، والاعتماد على الصورة فقط للتعبير عن الأبعاد المختلفة سواء للأحداث أو للشخصيات. فالفيلم صورة قبل أي شئ، وفي بعض الأفلام قد نجد مشاهد كاملة وكثيرة لا تتخللها أية كلمة حوارية، وهنا يعتمد السيناريست على الصورة فقط، فيحاول أن يجعلها تقوم بتوصيل المفهوم المطلوب إلى المشاهدين.

ج. الصورة وفن التصوير السينمائي:

يتكون شريط أي فيلم من سلسلة من الصور الثابتة، أو الكادرات التي تقوم بتصويرها الكاميرا السينمائية، وهذا هو شريط الفيلم منذ اختراع أول كاميرا سينمائية في معامل إديسون، وحتى أكثر الكاميرات تعقيداً. فالكاميرا السينمائية تقوم بتصوير صور فوتوغرافية منفصلة ينطبع كل منها على كادر منفصل، وعند عرض هذه الصور، واحدة تلو الأخرى بنفس السرعة التي صُورت بها، يتولَّد الشعور بحركة متصلة هي جوهر فن السينما.

ففي معظم الكاميرات السينمائية الحالية، يمر الشريط بداخلها بسرعة 24 كادرًا كل ثانية، وهو ما يعني أن كل كادر أو صورة تقف أمام العدسة لتحصل على كمية الضوء اللازم لتسجيل ملامح الصورة في زمن 1/48 من الثانية، وفي 1/48 من الثانية تغلق العدسة ليمر الشريط في الكاميرا حتى يصل الكادر التالي إلى موقعه أمام العدسة، وإذا كان الشعور بالحركة المتصلة في المخ البشري يمكن تحقيقه بعرض 12 كادراً كل ثانية أمام العين، فإن الكاميرا في السينما الصامتة قد صُممت لتصوير 16 كادراً كل ثانية، زادت إلى 24 كادراً في كاميرات السينما الناطقة، وإذا فحصنا شريطاً من السليوليد لأحد الأفلام، نرى هذه الكادرات أو الصور الفوتوغرافية المنفصلة والمتتالية الواحدة بعد الأخرى، يفصل بين كل منها مساحة ضيقة مظلمة، ولكننا لا نرى أو نلحظ وجود تلك المساحات المظلمة خلال عرض الشريط، لأن هناك باباً أمام العدسة يكون مغلقاً عند مرور هذه المساحات، ولذلك يسمى هذا الباب باسم الغالق، بينما يفتح هذا الباب عند وصول الصورة التالية في مكانها بين مصباح الضوء وعدسة آلة العرض، وهكذا فإننا لا نرى الصور المعروضة على الشاشة وكأنها تضئ ثم تنطفئ، بل إننا نراها صورة واحدة متصلة تدب فيها الحركة.

ويعتمد المصور في أداء عملية التصوير السينمائي على ثلاثة مكونات، أو أدوات أساسية هي:

v  الإضاءة.

v  زوايا التصوير.

v  الكادر السينمائي والتكوين.

أعلى الصفحة

1- الإضاءة Lighting:

هي التي تعطينا الإحساس بالزمن الذي تدور فيه الأحداث، سواء أكان هذا الزمن نهاراً أم ليلاً، شروقاً أم غروباً. وتتدخل الإضاءة في إبراز معالم الفيلم، فالفيلم البوليسي له من أشكال الإضاءة ما تختلف عنه في الفيلم الكوميدي، وأيضاً أفلام الرعب لها أسلوبها الخاص في الإضاءة، فهي تختلف تماما عن الفيلم الاستعراضي، وعلى هذا النحو فإن توصيات المخرج لمدير التصوير لها من الأهمية قدر يساعد على تحديد هوية الفيلم ونوعيته.

ويمكن للإضاءة إلى حد قليل أن تزيد من أهمية بعض الأشخاص، أو قطع الإكسسوار، أو الأشياء، إذ يمكن عرضها في ضوء كامل أو في الظل. وتغير الإضاءة يدل على أن باباً أو نافذة قد فتحت، أو أن مصباحاً قد أضئ، أو أن مصابيح سيارة تقترب، أو أن أشعة كشاف تبحث عن شخص. والإضاءة لها أهمية كبرى في خلق جو الفيلم، وإن كانت تكشف عن قدر محدود من المعلومات المباشرة في القصة.

وتلعب الإضاءة الآن عدة وظائف هامة بالنسبة للصورة، سواء في السينما، أو التليفزيون تتلخص في الآتي:

أ- إثارة الموضوع إثارة شاملة مع توزيعها توزيعاً مناسباً.

ب- تأكيد وجود الموضوع بين المرئيات وتوجيهه، أو لفت نظر المشاهدين إلى مواقع الأحداث.

ج- إضفاء القوة المعبرة، وإمكانيات التأثير في الموضوع.

د- إعطاء الجو العام، والإيحاء بالشعور المطلوب، ويدخل في ذلك إشعار المشاهدين بالوقت الذي تجري فيه الأحداث إن كان صيفًا أو شتاءً، صباحاً أو مساءً.

هـ- تحقيق جمال الصورة.

و- الإيهام بالبعد الثالث أو العمق، أي بُعد الأشياء أو قربها.

ز- التعبير عن لون القصة، موضوع الفيلم، فإذا كانت تراجيديا مثلاً فإنها تحتاج إلى أنوار وظلال متناقضة تمامًا. وإذا كانت فكاهية فإنها تحتاج إلى أنوار ناعمة بهيجة.

وللإضاءة ثلاثة أبعاد أساسية هي:

v  مصدرها.

v  مدى شدتها.

v  نوعها، من حيث النعومة أو الخشونة.

والذي يتطلب معرفته بالنسبة للضوء هو مدى تأثيره من حيث الاتجاه، والشدة، والنّصوع، وذلك معناه أننا حين نشاهد الصورة التليفزيونية أو السينمائية، لا يهمنا أن نعرف مثلاً إن كان الاستديو مضاء بالفلورسنت، أو بغيرها من المصابيح، إنما الذي يهمنا هو معرفة تأثير أي من هذه الكشافات على اتجاه الضوء وشدته ونوعه.

وتتوقف صفات الضوء على طريقة استعماله، ويمكن تنفيذ أي نوع من أنواع الإضاءة بأي نوع من مصادر الضوء، ويأتي الخلاف فقط في طريقة الاستعمال.

وتنقسم أنواع الإضاءة إلى قسمين:

* القسم الأول خاص بإضاءة الأشخاص، وتتضمن:

. الإضاءة الرئيسية:

وهي شديدة التوجيه، وتعطي مساحات ذات قيم ضوئية عالية، كما أنها تلقي ظلالاً، وتبرز شكل الأشياء، وتزود كل المساحات في الديكور بالإضاءة، ولذلك يتحتم في أغلب الأوقات استخدام مصابيح متعددة لهذا الغرض.

. الإضاءة الخلفية:

توضع خلف الموضوع على الجانب المواجه للكاميرا، وتصوّب نحو رأس وكتف الشخص، ممثلاً أو ضيفاً أو مقدمَ برنامج، وهذا النوع من الإضاءة يحقق غرضين هما: إضفاء بريق على شكل الشخص، وفصل الموضوع عن الخلفية، أي أنها تحقق العمق أو البعد الثالث.

. الإضاءة التكميلية:

وتستعمل لملء مساحات الظلال المتبقية على الشخص، بعد ضبط النوعين السابقين من الإضاءة الرئيسية والإضاءة الخلفية، والإضاءة التكميلية دائمًا تكون ناعمة ومنتشرة، وتكون شدّتها أقل من شدة النوعين الأولين من الإضاءة.

* القسم الثاني من الإضاءة، هو الخاص بإضاءة المناظر أو الديكور:

وتستعمل إذا لم تكف إضاءة الأشخاص بأنواعها الثلاثة لإضاءة الديكور، وذلك عندما تكون بعيدة عن الخلفية، فإنه ينبغي في هذه الحالة استخدام عدة وحدات ضوء إضافية لإضاءة الخلفية، أو حوائط الديكور.

2- زوايا التصوير:

المتفرج في المسرح لا يتاح له سوى منظر عام لما يجري على خشبة المسرح، ومن زاوية واحدة يحددها المقعد الذي اختاره بنفسه ليجلس عليه طوال المسرحية، فليس من المتاح في المسرح أن يغير المتفرج مكانه من آن لآخر، أما في السينما والتليفزيون فإن الأمر يختلف تماماً حيث إن المشاهد لا يرى المناظر مباشرة كما هو الحال في المسرح، وإنما يراها من خلال كاميرا، فتكون زاوية الرؤية بالنسبة له هي زاوية الالتقاط بالنسبة للكاميرا.

وقد تطور توظيف زوايا التصوير بما يخدم القيم الدرامية أكثر، لإتاحة التعمق في الأحداث، بحيث لم تعد الصورة مجرد تسجيل موضوعي عادي للأحداث، بل أصبحت أكثر من هذا فهي تستطيع أن تعبر عن وجهات نظر ذاتية.

وتوصف الزاوية بأنها ذاتية، إذا كانت آلة التصوير تأخذ مكان عين أحد شخصيات الحدث، وتوصف بأنها موضوعية، إذا كانت الكاميرا تعبر عن وجهة نظر المشاهد الخارجي للحدث.

ونظراً لأن اختيار زاوية التصوير قد أصبح في حد ذاته عنصراً له وظيفته التعبيرية، يجب عدم اللجوء إلى استخدام زوايا غير عادية لا يكون لاستخدامها أي مدلول أو هدف درامي، وإنما لمجرد تحقيق لقطة غريبة تثير المتفرج أو تبهره، ويعتقد بعبقرية المخرج الذي ابتدع مثل هذه اللقطة.

أعلى الصفحة

3- الكادر السينمائي والتكوين:

ينقسم حيز الفيلم إلى وحدات أصغر، تنقسم بدورها إلى وحدات أكثر صغراً، ولهذا التقطيع خطورة إذ قد تتفتت هذه الأقسام الصغرى، ولذلك كان من الضروري البحث عن الوسائل التي تضمن جمع وربط هذه الأجزاء المقسمة.

التكوين بالنسبة للصورة معناه، وضع كل تفاصيل أو عناصر المنظر في علاقة متآلفة، بحيث تشكل توازنا يشعر المتفرج إزاءه بالراحة والاستحسان، والقبول، ولتحقيق هذا، فإن التكوين لا بد أن يتضمن بعض العناصر التشكيلية وهي: الشكل، ومراعاة الخطوط المكونة للأشكال، والتوزيع المناسب للضوء، والظل، والألوان، والتوزيع المتوازن للعناصر المرئية، والإيقاع، وكل هذه العناصر تسهم في إحداث الأثر الدرامي للمشهد.

وللتكوين غايات ثلاث هي: جذب انتباه المشاهد للموضوع، والتحكم في مشاعر المتفرج، وخلق الإحساس الجمالي لدى المتفرج، وتلافي مضايقته.

د. التمثيل السينمائي:

يعتمد التمثيل في الأساس على ما يطلق عليه لغة الجسد المرئية: وهي لغة ذات بريق خاص، وتنافس إلى حد كبير لغته الناطقة، أي الحوار، بل إنها تتفوق عليها في كثير من الأحيان في العطاء والتأثير.

ويمكن أن تقسم لغة الجسد إلى: لغة ملامح الوجه، وتضم إليها كل ما يتعلق برأس الإنسان مثل الشعر، ولغة الأعضاء، مثل اليد، والذراع، والكتف، والقدم، وأخيراً وضع الجسد بأكمله أو أجزاء منه.

ويرى البعض أن لغة العين هي أهم لغة، تليها لغة الشفتين، ولغة الجسد تبحث لها عن منافذ أخرى للتعبير غير العينين والشفتين، كما أنه كثيراً ما يكون التركيز على أعضاء أخرى في التعبير مع تحييد العينين والشفتين.

ومن مفردات لغة الجسد المرئية، التحركات السريعة لحدقة العين، الإشارة بطرف العين، الغمز بإحدى العينين، إرخاء العين، اتساع أو تضييق الجفون، رفع الحاجبين أو أحدهما، الابتسامة بكل درجاتها وأنواعها: السعيدة، والمرحبة، والساخرة، والصفراء..الخ. ليّ الشفة للازدراء، أو القرف، مط أو تكوير الشفتين، أو ارتجافهما تحت وطأة الانفعال أو الضعف، تطويح الشعر، وتهدله، وتسويته، وعبث الهواء به في التصوير الخارجي، أو تحت تأثير مروحة كهربائية. هز الرأس بالموافقة، أو الرفض، أو إبداء الأسف، أو الإعجاب. إمالة الرقبة بإيحاءاتها وأغراضها المختلفة، هز الأكتاف للسخرية، أو الرفض، أو الدلال، أو للتعبير عن الانكماش والخوف. استخدام اليد مع تكويرها أو استخدام الأصابع بما لا يمكن حصره من التعبيرات ومن بينها النفي والإثبات، والتهديد والاستمهال، والرفض، والمداعبة، والحنان. الارتجاف تعبيرا عن الخوف، أو المرض، أو للتعبير عن التفكير، أو الحيرة، أو لإعطاء العدد، أو الإشارة إلى شخص أو شئ، أو مكان، أو لإعطاء تعليمات إذا تعذر النطق بها، أو لتأييد وتأكيد الكلمات المنطوقة، أو التناقض معها كما قدمنا، أو لتأكيد الرشاقة أو التعاظم.

ولا تُنسى حركة الصدر والبطن تبعاً للشهيق والزفير، وما يمكن أن تعبر عنه تبعا للسرعة ومداها، ودورها في إبراز الجذع بصورة جميلة أو منفرة. كما لا تُنسى حركة القدم التي يمكن أن تعبر عن القلق، أو تعطى إيقاعا رتيبا يثير الآخرين، أو يوحي بالشر، وكذلك وضع الساق على الساق وهزاتها مع ما تعطيه من إيحاءات مختلفة، أو وضع الأقدام على المائدة، أو المقعد المقابل، أو المكتب.

والإصغاء من أقوى الأدوات في يد الممثل فهو يجاري اللحظة ويعيشها مع الممثل الآخر الذي يشاركه المشهد، إن الإصغاء إلى الشخص الآخر الموجود في المشهد يجعل مهمة الممثل بسيطة، ويوفر له تركيز انتباهه ويقظته، كما يخفف من توتر الممثل ويدفعه إلى الاسترخاء، ويمنعه تماما من المبالغة في الأداء، وهو يجعل الأداء طبيعيا، كما يسمح الإصغاء للممثلين أن يؤثروا في بعضهم البعض. فإذا كان العمل تراجيدياً، ويريد المخرج أن يجعل المتفرجين يرتبطون بالشخصيات في مواقفهم ومغامراتهم، فمن الضروري أن يجعل الممثلين يصغون.

إن الإصغاء يحقق الهدف مباشرة، وهو أمر سهل، ومهما بلغ استعداد الممثل، فإنه يوجه كل انتباهه إلى الممثل الآخر، ولكن الممثلين لا يصغون أحياناً. فهم يخشون الوقوع متلبسين بالتحديق في بعضهم البعض، كما يقلقهم ألا يبدو الاتصال الكامل بالعين طبيعياً. كما يعتقد بعض الممثلين المرموقين الناجحين أن عليهم أن يسدلوا ستاراً أمام الممثل الآخر، حتى يحافظوا على بريق أدائهم المنفرد.

ويعد الممثل أحد وسائل التعبير السينمائية، والمخرج الجيد هو الذي يستطيع أن يضع الممثل المناسب في موضعه الملائم كما ينص السيناريو. ومن الأمور التي لا شك فيها أن فن السينما قد عدَّل كثيراً في التمثيل، فقبل أن تظهر السينما إلى الوجود كان التمثيل يعتمد على المبالغة في القول والفعل.

هذا وقد كانت المدارس القديمة تتجه نحو تلقين المخرج للممثل كيفية أداء الدور، ولكن هذه المدارس قد اندثرت بعد أن تكشف لديها أن الممثل على هذا النحو سيكون صورة مكررة للمخرج، والمفروض أن يتعرف المخرج على إمكانيات ممثله حتى يمكنه توظيفها، وفق ما يقتضيه العمل دون أن يكون له مرشداً أو دليلاً. وكثيراً ما لجأ بعض المخرجين الواقعيين في الاتحاد السوفيتي وإيطاليا إلى استغلال نماذج طبيعية من أفراد الشعب لأداء الأدوار التمثيلية لشخصيات أوصى بها السيناريو، وذلك بغية إقناع المتفرج أنه أمام واقع حي لا زيف فيه ولا تمثيل.

ويعبر مظهر الممثل عن الشخصية التي يقوم بأدائها، فيبدو لنا شريراً، أو طيباً، أو مفكراً، أو بهلواناً. علاوة على أن التصوير الدائم لشخصية معينة يمكنه أن يعبر عن حالات نفسية متغيرة مثل: الغضب، والألم، والاستسلام، والخضوع، والحب، والغيرة، والتعب، وقد تعبر هذه الملامح عن حادث مضى، أو عن هدف يبدو الممثل على وشك تنفيذه، وقد تكفي الملامح أيضاً لترينا رد الفعل عند رجل يرى غريمه وهو يقبل البطلة، وقد تكفي لقطة عن قرب لتعبر عن صراع درامي هام، فلو أن تعبير الممثل تحول من الألم إلى الاستسلام، لأدركنا أنه ينوي أن يتخلى عن المرأة، وإذا انقلب تعبيره إلى الغيرة فهمنا أنه ينوي أن يقاتل في سبيلها.

هـ. الماكياج السينمائي:

يعتقد البعض أن "الماكيير"، وهو الشخص المسؤول عن عمل الماكياج للممثلين، بوسعه أن يحول الدميم إلى جميل، والصبي إلى كهل، والمرأة إلى رجل، وهذا اعتقاد صحيح، ولكن يضاف إلى هذا العمل عمل آخر لا يقل أهمية عنه، وهذا العمل ينحصر في أن يجعل وجوه الممثلين الرئيسيين تبدو تقريباً بلون واحد حتى يحل لمدير التصوير مشكلة تباين الألوان في حالة توزيع الإضاءة عليها.

وأدوات الماكيير متعددة ومتنوعة، منها الأصباغ، والدهون، والسوائل، والشعر، وصناديق من رموش العين، وكتل من المعاجين، وشرائح من المطاط، وبهذه الأشياء يستطيع الماكيير أن يحول أي وجه إلى الصورة التي يريدها.

ويستعمل الماكيير ثلاث درجات من الألوان، واحد كأساس للماكياج، وآخر خفيف للأضواء العالية، وثالث أثقل للظلام. وإذا نظرت لهذه الصور فسوف ترى بعض الخدع التي يمكن للماكيير عملها بهذه الألوان الثلاثة، ففي استطاعته أن يجعل الوجه يبدو أعرض أو أضيق من حقيقته، وأن يجعل الممثل يبدو في غاية التعب، وإذا أراد أن يجعل العيون تدمع فتكفي نفخة بسيطة من النعناع، أو الكافور في أنبوبة ماصة، وإذا كان الممثل لا يستطيع البكاء مده بدموع من الجليسرين أو الماء.

والماكياج مهما كان معقداً يجب ألا يعوق الممثل عن الكلام، أو يحول بينه وبين التعبير، ومن أجل ذلك تعتبر شرائح المطاط أفضل.

وعندما تضاء الأنوار تبدأ متاعب الماكياج، فسرعان ما تصل درجة الحرارة إلى وجوه الممثلين، وتلمع تحت تأثير الحرارة والعرق، فيبادر مساعد الماكيير إلى الممثلين ليجفف وجوههم.

أعلى الصفحة

و. المناظر والديكور والملابس والإكسسوار:

المنظر، ويقصد به عادة جدران غرفة ما، ولكن بالنسبة للسينما علينا أن نوسع هذه الكلمة أي أن نعرِّف المنظر بأنه، أي شئ يحيط بالحدث أو يظهر خلفه، وقد يكون المنظر غرفة استقبال، أو سلسلة جبال، أو مكاناً رحباً في الهواء الطلق.

والمناظر تنقسم إلى نوعين: خارجية، وداخلية. المناظر الخارجية، تتمثل في كل مشهد يلتقط خارج الأستوديو كالشوارع، والصحاري، والبحار، والأنهار، والغابات، والجو، والمناظر الخلوية، وهذه المناظر لا تتطلب أية نفقات، لأنها قائمة بالفعل، ولا تتطلب إلا حسن الاختيار والذوق السليم، ودقة الفهم، وتحقيق الانسجام التام بين أحداث القصة والمناظر.

أما المناظر الداخلية، فتتمثل في كل مشهد يلتقط داخل الأستوديو. مثل مشهد في غرفة صالون، بهو كبير، غرفة مكتب، أو أي غرفة في أي منزل. وهذه النوعية من المناظر تتطلب نفقات باهظة لإنشائها داخل الاستوديوهات.

ولكن ديكور المناظر الداخلية هو الأجدر بالاهتمام، إذ أنه يعطي الحرية الكاملة للسيناريست، وللمخرج في خلق الجو المناسب للأحداث، وهو في الوقت نفسه يساعد على بلورة رؤية كل منهما، لأن الديكور الداخلي بمثابة تجسيد للحالة النفسية للشخصيات في الفيلم.

والديكور هو المشهد المراد تصويره سواء كان هذا المشهد طبيعياً أو صناعياً فقد يكون قصراً فخماً، أو كوخاً صغيراً، ويختلف الديكور باختلاف طبيعة الفيلم. فالفيلم التراجيدي له ديكور يختلف عن نظيره الكوميدي أو الاستعراضي، وأمام هذه الاختلافات لا يجد مهندس الديكور بداً من التباحث مع المخرج للتعرف على وجهة نظره، وبالتالي تنفيذها، والإطار الذي يحكم فكر المخرج، وأسلوبه، وشخصيته.

وتنبع أهمية الديكور من أنه يرتبط بالمحل أو المكان، فالديكور يكشف عن وجودنا في محطة سكة حديد، أو حمام تركي، أو مكتبة، أو غرفة نوم، وبذلك يعطينا الديكور عدداً من الحقائق المهمة.

ونعود إلى الصورة لنرى ما تحتويه من عناصر، فالكاميرا تصور المنظر، الإكسسوار، والإكسسوار المتحرك، والممثلين، وهذه العناصر يمكن عرضها في إضاءات مختلفة. وباستثناء بعض الجمل المكتوبة لم يكن للفيلم الصامت أي عناصر أخرى للتعبير غير أنها كانت كافية للكشف عن المعلومات اللازمة.

وأهم صفة يجب أن تكون في الديكور الجيد سواء كان داخلياً أو خارجياً، هي أن يكون واقعياً، لأن ذلك يساهم في تجسيد الحدث، ويتعاون في خلق الجو النفسي للأحداث، ولكن الواقعية في الديكور قد تكون غير مطلوبة، وذلك عندما يكون الموضوع نفسه الذي يعالجه الفيلم غير واقعي، ولذلك لا بد أن يكون الديكور بمثابة لحن رمزي متآلف مع الموضوع نفسه.

والمناظر والديكورات، بالإضافة إلى الإكسسوارات، تعد بمثابة العصب الحساس في الفيلم، أي بمثابة اللحم الذي يكسو العظم الذي يتألف منه هيكل الفيلم.

أما الإكسسوار فهو نوعان: نوع خاص بمفروشات المنظر نفسه، وبها يستدل على نوع المنظر، ونوع الأشخاص الذين يعيشون فيه، وهناك نوع آخر من الإكسسوار، وهو الإكسسوار الشخصي أي ما يستعمله الممثل لاستغلاله في التمثيل كالعصا، والمسدس، والسيارة، وغير ذلك من وسائل التعبير التي ساعد على خلق الشخصية، وتمييزها، وتحديد معالمها.

ويصنف الإكسسوار أيضاً إلى نوعين هما، الإكسسوار الثابت، والإكسسوار المتحرك، والإكسسوار الثابت قد يكون جزءاً من الديكور العادي، أو جزءاً تابعاً للممثل نفسه، وهو في الحالتين يكشف عن خصائص الشيء التابع له، وإذا كان الإكسسوار الثابت جزءاً من الممثل، فهو يساعد على توضيح شخصيته، وهناك بعض الإكسسوار الذي يرتبط بأفعال معينة.

ويوضع الإكسسوار في مكانه الملائم من أجل إيضاح الفكرة المقصودة من المنظر، وعلى هذا يجب أن يكون الإكسسوار الموجود في المشهد مرتبطاً بأحداث هذا المشهد ومناظره.

أما الملابس فلها أهمية كبرى، إذ أنها أحد العوامل التي تجعل المتفرج يدرك من أول وهلة مع من يتعامل من شخصيات الفيلم، فالمعتني بملبسه له دلالة تختلف عن غيره، والمهتم بالألوان الصاخبة له دلالة تختلف عن المهتم بالألوان الهادئة، والمرأة التي تنتقي ملابس تكشف عن مفاتنها بخلاف المحتشمة، والتلميذ الذي أهمل زيه المدرسي بالتأكيد يختلف عن التلميذ المهتم بزيه المدرسي، الأمر الذي يؤكد ما للملابس من أهمية، ويجعل المخرج يهتم اهتماماً خاصاً بانتقائها، والتوجيه عليها إبان عمله.

ولا تعد الملابس نوعاً من الزخارف الإضافية في الأفلام فحسب، بل هي عنصر أساسي من عناصر القصة ذاتها، حيث تعتبر جزءاً من الديكور بوصفها مناظر حية، أو أنها بناء معماري، ولها قيمتها العظمى في زيادة إيضاح حركة الممثل وتعبيراته، ولهذا فإن الملابس تأتى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الممثل، الذي هو في الحقيقة المترجم الفعلي لأعمال المخرج، وذلك لأنها بدورها تترجم وتعبر عن طبيعته، وخلقه، وحركاته، وكذلك عن أغراضه واتجاهاته.

ولما كان المخرج مسؤولاً وحده عن وحدة وأصالة الأسلوب في الفيلم الذي يخرجه، فإنه هو الذي يقرر أو يوحي بقدر الاستطاعة بالدور الذي تلعبه الملابس، سواء في التعبير أو في التمثيل، وهذا الدور لا يمكن أن يقوم بتحديده رسام الملابس، أو مصمم الأزياء لأنه مهما أوتي من الإلهام الفني ليس مكلفاً بتتبع القصة السينمائية ورعايتها، ومع ذلك فإن مصمم الأزياء المثالي باشتراكه في أعمال الديكور، يستطيع بمعلوماته، وخبرته، والوسائل الخاصة التي في متناول يده، أن يكون له تأثير فعَّال في أعمال الديكور والإخراج.

ز. الصوت، والمؤثرات، والموسيقى:

يشكل الصوت العنصر الثاني من عناصر الوحدة الأساسية للفيلم السينمائي، ويشمل اللغة اللفظية، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى، التي تندمج جميعاً بطريقة متكاملة لتكون الصوت في الصور المتحركة.

والأصوات في الفيلم تنقسم إلى قسمين أساسيين:

1- الأصوات الطبيعية، وهذه الأصوات يمكن إدراكها في الطبيعة ذاتها، مثل أصوات الرياح، الرعد، المطر، الأمواج، الماء الجاري، تغريد الطيور، وصراخ الحيوانات المختلفة.

2- الأصوات البشرية، وهي تلك الأصوات التي يصدرها البشر، أو التي يشارك البشر في صنعها.

وتعود أهمية الصوت في السينما إلى العوامل التالية:

- الصوت يزيد الإحساس بالواقعية.

- الصوت يفسِّر الصورة.

- الصوت يربط بين الصور المتتابعة.

أما المؤثرات الصوتية فهي الأصوات التي تمثل كل ما يحيط بنا في حياتنا اليومية من أصوات سيارات في الشوارع، أو أبواب تغلق، أو تليفونات تدق، أو بواخر، أو حيوانات أليفة أو شرسة، وغير ذلك مما يعبر عن حقيقة المكان الذي يدور فيه الحدث، أو يتحرك فيه الممثل، وللمؤثرات الصوتية أهمية كبيرة حيث تساعد على ازدياد إحساس المتفرج بالمشهد، وما يدور فيه.

وتضاف المؤثرات الصوتية إلى الفيلم بعد الانتهاء منه، حيث من الصعب التحكم فيها لو أنها سجلت مع الحوار.

وليس الحوار هو الوظيفة الوحيدة للصوت، فهناك وظيفة أخرى يمكن أن تسمى بالضجة، وأية حركة لا بد أن يصحبها نوع من الصخب، ومن المستحيل أن نرى على الشاشة بندقية تطلق دون أن يسمع صوت الرصاصة، أو أن نرى قطاراً دون أن نسمع صوت عجلاته على القضبان، وليس هذا مثيراً في حد ذاته لأنه أمر بالغ الوضوح، ولكن العملية تصبح شيئاً يستحق الدراسة إذا عكسناها.

فهناك أنواع من الضجة تعبر عن ألوان من الحركة، فإذا كان الصوت له طابع خاص أمكن أن نستنتج الحركة التي أنتجت ذلك الصوت، والضجة لا تستمد قيمتها من مصاحبتها للصورة فقط، ولكن لأن لها حياتها الخاصة، وأهميتها الذاتية، وحقل الصورة محدود، ولا بد للصوت على الرغم من أنه مستقل بذاته، أن يعطينا معلومات تتخطى هذا الحقل المحدود.

وهنا تظهر قيمة المؤثرات الصوتية في السينما لأنها تقول لنا ما لا نراه، أو تعطينا معلومات أكثر مما يمكننا رؤيته.

وعلى هذا فالصوت مهم لأنه يستطيع أن يشترك في القصة دون أن يحتل أي حيز. إنه يساعد الحدث دون أن يعيق تقدمه أو يبطئ من سرعته. ويمكن للضجة أن تميز المكان، ومن أهم وظائف الضجة أيضاً الربط، فالمَشَاهِد يمكن أن تقطع في لقطات مختلفة، ولكن الصوت يربط بينها. فبينما نستطيع أن ننقل عيوننا بين أشياء مختلفة، فإن آذاننا تسمع نفس الصوت، وإذا كانت عدسة التصوير تقوم بدور التقطيع، فإن الميكروفون يقوم بدور الربط .

والموسيقى في الفيلم، إما أن تكون موسيقى تصويرية، أي أنها تصاحب تصوير الشخصية أو الحدث، وإما أن تكون مصاحبة للكلمات، أي أنها تكون لحناً لكلمات أغنية، أو أن تكون موسيقى لرقصة ما.

والموسيقى والمؤثرات الصوتية في الفيلم ليست إضافة بسيطة إلى الصورة، ولكنها عنصر مهم من عناصر الفيلم السينمائي، لأنها تعبر تعبيراً قوياً واضحاً عن حوادث الفيلم، بحيث يشعر المتفرج أنها جزء لا يتجزأ من الفيلم.

والموسيقى التصويرية أيضا هي عامل مساعد في التعبير عن المواقف وسير الأحداث، فمن خلالها يستطيع المتفرج أن يحيا حياة أبطاله في الفيلم، وأن يدرك مشاعرهم.

والموسيقى التصويرية جزء لا يتجزأ من شريط الصوت، ولكنها ليست جزءاً من القصة، ودليل ذلك أن مؤلفي الموسيقى لا يستشارون عند كتابة السيناريو، فالفيلم يقدم إليهم كاملاً، ويطلب إليهم تأليف موسيقى تناسب القصة، وإن كانوا لا يرضون بهذا الوضع دائما.

والمتفرج العادي يستوعب الموسيقى التصويرية لا شعورياً، ويندر أن ينتبه إلى ما يسمعه، بل إنه قد لا يتذكر بعد خروجه من السينما اللحن الأساسي، أو الرئيسي، ما لم يكن أحد الممثلين قد غنى هذا اللحن في أغنية، فالموسيقى التصويرية تشترك اشتراكاً أساسياً في تقديم القصة، وبالرغم من أن المؤلف الموسيقي يقدر أن يلفت المتفرج إلى وجودها، إلا أنها إذا افتقدت شعر المتفرج بغيابها بشكل ملحوظ.

ويمكن اعتبار الموسيقى التصويرية مصدراً للمعلومات في الفيلم، لكن المعلومات التي تنقلها ليست مباشرة كما في القصة أو الصورة، ويمكن القول إنها تعبر عن المعلومات في بعد ثالث أي بالعواطف وبالجو، وبهذا المعنى تكاد الموسيقى التصويرية أن تكون لها قوة الكشف، إن لم يكن عن أفكار الممثلين فعن عواطفهم. وبهذا تتغلب على عيوب السينما.

ح. الإخراج السينمائي:

الإخراج كلمة شاملة، تجمع بين عمليات التحضير والاستعدادات الأولية، وعمليات التنفيذ، ثم مرحلة إعداد الفيلم ليكون صالحاً للعرض. ومهمة الإخراج مهمة تتطلب جهداً ووقتاً، وعملاً متواصلاً، تجمع بين مظاهر الإدارة، والقيادة، والدراية، لربط وتدعيم العلاقات بين الوحدات الفنية، والطاقات البشرية، والمعدات، في تناسق وتفاهم، حتى يتحول اللفظ المكتوب إلى الفيلم المعروض في صورة مرئية، وصوت مسموع.

والإخراج هو مدى تخيُّل المخرج للنص الذي بين يديه، وذلك لأن الإخراج في جوهره هو القدرة على تحويل الكلمة المكتوبة إلى صورة معبرة، وربط مجموعة هذه الصور في سلسلة متكاملة وذات قيمة إبداعية جمالية.

ويقوم المخرج بهذا العمل الإبداعي، ومن خلال عمله يحاول وضع أفكاره وآرائه، وتصوراته، وتخيلاته، وطرق تنظيم وبناء الفيلم في خطة موضحاً الطريقة، والشكل، والأسلوب لإخراج العمل إلى حيز الوجود. كما أنه يضع في خطته الأدوات، والأجهزة التقنية، والديكورات، وأموراً أخرى محللاً الفيلم إلى مشاهد ولقطات، لتسهيل عملية التنفيذ، والتسلسل، والأفكار، والأهداف الموضوعة نصب عينية من خلال السيناريو المقدم إليه.

أعلى الصفحة

السِّمات الواجب توافرها في شخصية المخرج:

1- أن يكون ذا شخصيّة قياديّة.

2- أن يكون ذا حس مرهف.

3- أن يكون ذو وعي بالمجتمع الذي يعيش فيه، وبالبيئة المحيطة به، والقضية التي يدافع عنها.

4- أن يكون ذا قدرة كبيرة على التعامل مع أدواته السينمائية.

5- أن يكون له أسلوب في عمله يميزه عن بقية أقرانه من المخرجين.